في ذكرى إستشهاد الإمام موسى الكاظم سارت مواكب مليونية من بغداد ومحافظات العراق وبشكل خاص الجنوبية مشياً لزيارة مرقد الإمام الكاظم معزينه وانفسهم بهذه الذكرى الأليمة في نفوس أهلنا من شيعة العراق، وأستشهد بسبب هذه المسيرة سبعة وسبعين شخصا حتى كتابة هذا النداء إلى جانب عشرات الجرحى الذين هم أسوأ حالاً من الشهداء بسبب غياب المستشفيات النظامية بعد حوالي عشر سنوات من سقوط نظام الدكتاتور.
زيارة المراقد المقدسة هو طقس مقدس عند المسلمين السنة والشيعة وعند المسيحيين واليهود والبوذيين على حد سواء. لكن هذه الزيارات أخذت بعداً سياسياً ومحاولة إثبات وجود وتأكيد ما يطلق عليه مظلومية الطبقات الفقيرة.
الدولة العراقية التي حشدت قواتها لتلافي الضربات الإرهابية التي تودي بحياة الناس، من الشيوخ والأطفال والنساء لم تتمكن من منع هذه العمليات المجرمة من تنفيذ أفعالها الأرهابية القذرة، فيما تطويق الأرهاب لأية حكومة تتمتع بقيراط واحد من الذكاء وقيراط واحد من الشعور بالمسؤولية وخلية واحدة من خلايا الضمير وقيراط واحد من الإدارة الحكيمة والعاقلة كفيل ذلك بتطويق الأرهاب والإرهابيين وإبعادهم عن الوطن الحبيب. وما حدوث العمليات الإرهابية الجبانة سوى دليل على فوضى الحالة السياسية والأمنية المتدهورة منذ زمن في العراق.
وهذا حديث ذو شجون لأن الدولة قائمة بكل مكوناتها ومعارضاتها على مبدأ النهب وليس على مبدأ البناء، نهب يقوم به وزراء ووكلاء وزراء ومدراء عامون ورؤساء وزارات ورؤساء جمهورية ومؤسسات دينية وإجتماعية وأحزاب وأعراق وقوميات في كل مفاصل الدولة تاركين البلد يسبح في مياه الصرف والنفايات المختلطة بماء الشرب وفي بلد معتم يهيمن على مقاليدهه قادة وحكام تعيش زوجاتهم في إيران والكويت وفي عمان والقاهرة وأوربا لتلقي الأموال وإيداعها بحساباتهم في مصارف تلك البلدان. ولم تعد كلمة الأموال تعبيراً عن الآلاف ولا عن الملايين بل عن المليارات بدون رحمة وبدون وازع ضمير وفي كل يوم يتم تفخيخ وتفجير البيوت البسيطة للناس ويشيعون شهداؤهم إلى مقبرة السلام التي أكتضت برفاة الأبرياء الذين لم يشاهدوا من فرح الحياة قيراطاً واحداً.. فالدولة مدانة وكل التصريحات والمقابلات التلفزيونية للقنوات الفضائية المشبوهة لا تساوي شيئاً أزاء حياة الأبرياء التي تذهب سدى فيظهر المسؤولون سواء بأربطة عنقهم البراقة أو بالجبة الدينية والعمامة، أو بالنياشين على البدلات الكاكية والبيريه السوداء، وكلها لا تساوي فردة حذاء عتيقة ولا تعوض ولا تخفف من صرخة موجعة لأم فقدت وليدها وربما وحيدها في هذه الدنيا.
هي مسؤولية الدولة ومسؤولية الدين مثل ما هي مسؤولية قوى الأرهاب ومن يقف وراءها!
ثمة أرهاب آخر تقدمه لنا القنوات الفضائية سواء القناة العراقية أو القنوات الدينية وهو إرهاب الجهل والتجهيل الذي يقود المجتمع للإيمان بالخرافات بدلا من إستنباط القيم الإنسانية لرموز الدين ورموز التاريخ.
إن التحريض للذهاب للموت تحت شعار quot;المشايةquot; و quot;التحديquot; بأنغام تخلو من الإيقاع والموسيقى وبكلمات الموت والشهادة هو تحريض له أهداف أكثر من سياسية. فالعراق بلد مستهدف من قبل قوى لا تريد له الخير ولا تريد له السعادة وهذا شأن لم يعد يقبل النقاش ولا يحتاج إلى براهين لأن الأمور تقاس بنتائجها ونتائج واقع العراق السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية هي نتائج كارثية على مستوى التطور والتحضر، بل هي تعود بالوطن العراقي إلى آلاف السنين بل تعود به إلى عصور ما قبل التاريخ، العصور الحجرية القديمة. وهو أمر يدمي القلب.
هناك فئة بل هناك طبقة من quot;الروزه خونيةquot; جلهم جاء من إيران يعتلون المنابر الحسينية ويقدمون صوراً خرافية بائسة عن التاريخ وعن الحياة. ويجعلونكم تؤمنون بها بقصائد شعر تراجيدية مليئة بالأكاذيب وبعيدة كل البعد عن العلم وعن الواقع. ولو كانوا رجال دين حقيقيين ويريدون الخير للبلاد والعباد لوجهوا لكم الدعوة لتنظيف الأحياء والآزقة وشوارع المدن من النفايات في ذكرى إستشهاد الإمام موسى الكاظم لتبقى المدن نظيفة وتشكل دلالة عن قلوب نظيفة. لو كانوا رجال دين حقيقيين لدعوا خبراءكم وعلماءكم لمناسبة إستشهاد موسى الكاظم للتبرع بدراسة المياه العراقية الملوثة بالسرطانات لإنقاذ أرحام الصبايا من الأمراض الغريبة كلي لا يلدن أجيالا مشوهة.
لو كانوا رجال دين حقيقيين لوجهوا الدعوة لشبابكم لمناسبة ذكرى إستشهاد الإمام موسى الكاظم بأن يزرع كل شاب فسيلة نخل يشعر غداً بطعم رطبها وتمورها أنها من خيرات يديه. لو كانوا رجال دين حقيقيين لوجهوا الدعوة لنسائكم للقيام بحملة أن تقوم كل إمرأة عراقية بزراعة وردة واحدة في حديقة أو خياطة ثوب صغير لطفل يتيم تنعشون بها نسائم هوائكم الحارق وترسمون إبتسامة الفرح على وجوه اليتامى. لو كانوا رجال دين حقيقيين.. لو كانوا.. لو كانوا.. ولكنهم يصرخون ويبكون ويؤلفون القصص الخرافية التي لا يصدقها سوى المجانين والمتخلفين لكي يغرقوا البلاد بالجهل والخرافات، وتنقل خرافاتهم فضائيات ممولة من خارج الحدود لزرع الجهل في كيان مجتمع صار بعيداً عن المعرفة وبعيدا عن العلم يوزوعون عليه بإتفاق مع معمل صغير للحلويات حبات quot;الجكليتquot; لتنقذكم من شتى أشكال الأمراض فينتقل صاحب المعمل من طبقة الكسبة إلى طبقة الأثرياء ويتسلم الروزه خون حصته على حساب دفع الناس نحو متاهات الجهالة. واليوم تستعمل تلك المؤسسات التي يحركها العلم quot;القنوات الفضائيةquot; في بث الصورة في الفضاء وهي نقلة نوعية علمية إنسانية فيستخدم العلم والتطور أداة لبث الجهل والتخلف في الفضاء في أن يشد المواطن المريض الخيط الأخضر quot;العلقquot; على رسغه فيشفيه باب الحوائج من أمراضه أو يهب باب الحوائج ماكنة خياطة لأمرأة تريد أن تطعم أطفالها أو يمنح باب الحوائج لطالب كسول وفاشل شهادة التخرج من المدرسة بخيط أخضر لم يشفع لونه الأخضر للقذافي الذي ملأ شوارع ليبيا بالرايات الخضراء من الوقوع في المعضلة ولا الخروج منها وهو الذي يعلن نسبه إلى موسى الكاظم وقد زار مرقد الإمام خلال مؤتمر القمة السيء الصيت في بغداد أبان حقبة الدكتاتور.
كلا يا أخوتي.. واهلي كلا.. والله وألف كلا.. أرجوكم
إن العلم هو طريق النجاة وهو وحده باب الحوائج الذي يشفي المريض ويسد حاجة المحتاج وينقذ البلاد من المصيبة التي حلت به وساد في مواقعه اللصوص والعملاء ورجال الدين الذين إعتقدوا أن العمامة والجبة تمنحهم المعرفة وتؤمن لهم الحصانة والأمن وعدم المساءلة.
أبداً. إن عمر الشريط الأخضر quot;العلقquot; لم يشف مريضاً ولم يمنح فرصة النجاح لطالب كسول لا يقرأ ولم يمنح إمرأة ماكنة خياطة توفر من خلالها لقمة الخبز لأولادها في بلد ينام وينام ويغفو ويغفو على بحر من النفط والكبريت والزئبق الأحمر.
أن ثمة قوى وأسمحوا لي أن أستند وبأمتياز إلى نظرية المؤامرة التي تديرها وتدبرها للعراق قوى تريد أن ترميه في متاهات الجهالة فيما هم ينعمون بالحياة المرفهة ويعتلون القمر الذي نسبح بحمده، يضعون بصاطيلهم عليه. بصطال على القمر وبصطال آخر في أرض بلادنا، يعتلون القمر ويدوسون على كراماتنا وحقنا في العيش برغد الحياة والتنعم برغد العيش.
أرجوكم.. أرجوكم.. أبناء أهلي وأحبتي أن تنبذوا الخرافات. أحبوا أولياءنا.. هذا حق. أحبوا كل الصحابة.. هذا حق.. أحبوا الحسين وعليا وعمراً وموسى الكاظم والكيلاني ولكن أستنبطوا من حياتهم العبرة ومن الأسباب التي جعلتهم قديسين وأولياء وأنبياء أستنبطوا المعاني في بناء الحياة وهم لا يصنعون المعجزات. تأكدوا هم لا يصنعون المعجزات فهم لن يشفوا مريضا ولا يسدوا حاجة المحتاج والمثل يقول quot;الحاجة أم الإختراعquot; فما الذي إخترعتموه وما الذي أكتشفتموه لتسدوا حاجاتكم، أتسدون حاجاتكم من خلال البكاء والنواح والمشي وسط الغام الأرهابيين الذين لا يعرفون الرحمة والذين ماتت ضمائرهم مثل ما ماتت ضمائرسلطة كاملة تمتد أياديهم إلى خزائن مصارف البلاد وتترك البلاد تعيش في الظلام. ظلام الليل وظلام الحياة.. سلطة تدعي الإستقرار كل يوم من خلال تصريحات خلف الحواجز الكونكريتية العالية في المنطقة الخضراء وهم يتركونكم في المنطقة الحمراء تموتون كل يوم وتشبعون موتاً.
لا باب للحوائج سادتي سوى باب العلم وتقولون أنتم أهلنا عن محمد بن عبد الله قوله quot; أنا مدينة العلم وعلي بابهاquot; لم يقل لكم أنا مدينة الجهل وعلي بابها. قال عن مدينة العلم وأنتم لا تريدون العيش سوى في مدينة الجهل يبنيها لكم كل يوم طبقة من المرتزقة على منابر الحسينيات وتنقلها لكم فضائيات مشبوهة تنتشر في فضاء العراق.
ليس لكل الأنبياء والصحابة والأوصياء أبواب للحوائج. ليس ثمة باب لسد حاجات الوطن سوى باب العلم وباب المعرفة وباب الوعي وسوف يذهب كل المحرضين إلى باب جهنم وليس إلى باب الجنة لو كان ثمة جنة وثمة جحيم.
جنتكم هنا على الأرض وجحيمكم هنا على الأرض.. ووكلاء الحسين وعلي وموسى الكاظم يخدعونكم لأن كل أولئك الأنبياء والقديسين دعوا إلى المعرفة وإلى العلم ولم يدعون الجهل ولم يدعوا إليه.
فأحذروا من هؤلاء وأحذروا من حكامكم لصوص العصر في وضح النهار.
ولكم في الحوائج قصاص يا أولي الألباب!
كاتب وإعلامي عراقي مقيم في بريطانيا
[email protected]
التعليقات