ما زالت قضية المراءة هي المشكلة التي يحب ان يلعب بها ذوي القرار الجدد، فليس لهم اي تسلية في الصراع السياسي المحتدم الان والذي يدفع بالعالم العربي الى الهاوية سوى قضية المرأة. فمن تونس الى ليبيا، ومن اليمن الى البحرين، ومن مصر الى ما يدور في سوريا التي ينقصها بشكل جاد انعدام كيفية اتخاذ القرار وما مرت به دول الجوار من ماسي سياسية فاشلة ولا يلوح في ذهن اي مفكر يدعي بانه سياسي او معارض من تحت برج ايفل، او من يقود عصابات تخريبية او من ينفذ مخططات جهنمية بعيدة عن علمه بانه في خندق لا مفر منه. هل يمكننا ان نتصور حجم الكارثة الكبرى التي تنتظر العالم العربي؟ الم يخطر ببال هؤلاء ساسة القرن العاشر بانهم يطبقون كوندليزا رايس الفوضى الخلاقة؟ نحن في فوضى الله يعلم اين ستصل بنا من تقسيم وتشريد اكثر مما نحن عليه مشردين داخل وخارج أوطاننا. نحن في حالة غضب شديد مع انفسنا وليس مع الايدي الخفية التي خلقت هذا الهيجان السياسي في المنطقة. نحن في حالة صراع وسباق على اعتلاء الكراسي لهذا الحزب او ذاك، نحن في حالة نسيان بان هنا شعب يقتل بكل مراحله العمرية، شعب يجوع وأطفال تقتل وتحرم من حقها في العيش، هناك أرامل تولول لحرمانها من معيلها، نساء فقدن الأمان واحتل مكانه الرعب.
ان مقالتي محورها المراءة وأين هي من هذه الفوضى القاتلة وليس الخلاقة، اين هي المراءة من جميع الحركات التي حصلت وما زالت تحصل ولن تتوقف الى ان تسمع صفارة انتهاء الفوضى والانتقال الى مرحلة التقسيم للوطن العربي. من خلال متابعتي الدؤوبة لما يحصل منذ الحرب العراقية الإيرانية ولحد الان اجد ان المراءة هي العنصر الخاسر، ترملت وعانت وتعبت والآن جاء دور اللعب بمصيرها من قبل الاحزاب المتطرفة والصراخ العالي المنادي بعودتها الى زمن الحريم بحجة الخوف عليها كانها عنصر معاق لا يعرف ان يشارك حتى في هذه الفوضى المدمرة.
انا لا احب العودة الى الوراء وأقول هذا وذاك وما حصل، لكنني انا من اشد المتابعين لقضايا المراءة التي خسرت اكثر مما كسبت في كل هذا الفوضى فماذا كسبت المراءة من كل هذا، ان اول خطوة بادوا باتخاذها هو تغير قوانين الأحوال الشخصية المعمول بها سابقا والتي ناضلت في سبيل وضعه قيد التنفيذ لعقود عديدة،، انها تعيش حالة من التهميش السياسي والضغط النفسي والعنف الاجتماعي، حيث اصبحت هي العضو الخاسر مع ما يسمونه quot; الربيع العربي quot; وترى ان دورها قد ضاع بين إلغاء الكوتة النسائية، واستبعادها من لجنة الحكماء لتعديل الدستور، وتجاهلها في التشكيل الحكومي، وتعديل قوانين الأحوال الشخصية، وحملة لإلغاء المجلس القومي للمرأة. وبين استمرار القوى السياسية الدينية والمؤسسات الإسلامية والمسيحية، التي لازال يهيمن عليها الفقه التقليدي، وضع المرأة في دور هامشي في الحياة السياسية والأنشطة العامة، مع فرض أفكار فقهية تحط من دور المرأة تحت مقولات شعاراتية بأن دور المرأة في المجتمع عظيم ولكن يتمركز في تربية الأسرة فقط.بين هذا وذاك تجد المرأة المصرية اليوم نفسها خارج المشهد السياسي كباقي نساء العالم العربي، مضغوطة بالفكر الفقهي الرجعي الذي يريد تقزيم دورها فقط في خدمة الزوج داخل البيت.ووضع المرأة في اليمن وسوريا والسعودية وباقي الدول العربية، لا يقل سوءا ولا تهميشا ونكرانا للذات.ومع أن الوقت لازال مبكرا للحكم، إلا أن الصورة الحالية قاتمة، والبدايات لا تدعو للتفاؤل، ولا توحي بخير قادم. معالإسلاميين إلى سدنة الحكم، فرغم إسراعهم لطمأنت المجتمع المدني على حقوق الإنسان وحقوق المرأة بال إن ما ينقص quot; الثورات العربية quot; هو التصدي للخطابات الرجعية التي عادت الى الانتشار اليوم عن المراءة، فالنزعة التي تتكلم عن الماضي والتي ما زالت هي الصبغة الدائمة للخطاب الديني، والتي يعيد فيها مقولات الفقهاء ويبحثون في الماضي لإيجاد حلول لوقتنا الحاضر دون الأخذ بعين الاعتبار الفارق الزمني الذي نحن عليه، وإهمال التقدم الحضاري والفكري والثقافي الذي يفرض علينا بالتعامل بواقعيه معه وعدم زج المراءة في متاهات مظلمة وسلبها حقوقها الانسانية، لقد قامت الثورات لتغير أنظمة حكم وليس لتغير مكانة المراءة اجتماعيا وثقافيا وإنسانيا.
إلا أن مخاوف المرأة من أي انتكاسة وتراجع في حقوقها لا تزال قائمة بشدة، في ظل غيابها عن البرلمانات وعن مراكز صنع القرار.
ومن هنا يحق للمرأة العربية أن تتساءل في ظل هذه التغيرات عن مستقبل حقوقها، وعما إذا كان الربيع العربي / الإسلامي سوف يأخذ بها إلى الأمام أو يرجع بها إلى الخلف في ظل خطاب ديني محكوم بإرث ثقافي ينتقص من المرأة ويراها دائما مخلوق عديم الأهلية، وكائن عاطفي غير عقلاني لا يحسن التصرف إلا في ظل وصاية الرجل، وأنثى لا تحسن في الحياة إلا إمتاع الرجل وتربية أولادها، ومصدر فتنة وغواية، وأخرا وليس أخيرا كائن شبق، وختانها ضرورة لضبط ميزانها الجنسي.
استاذة جامعية وناشطة في حقوق المراءة/ كندا
التعليقات