لاشك ان كردستان العراق في طور التحول الى الديمقراطية والمؤسساتية وهي تسعى الى ذلك ولها الرغبة في الوصول الى هذا الهدف بأي وسيلة وقد قطعت شوطا لابأس به، ولكن تحتاج الى خطوات عملية أكثر فعالية وتفان للانتقال الى هذه المرحلة الفاصلة التي قد تكون طوق النجاة الاخير لانقاذ شعب انحصر في مثلث جيوسياسي مميت وجغرافيا مغلقة شديدة الاغلاق باشراف ورعاية مباشرة من اعداء تاريخيينquot;لايرحمونquot;، جربوا كل انواع القمع البوليسي لابقائه ضمن هذا الاطارquot;العبوديquot;، ولم تكن المقاومة المسلحة الطويلة التي خاضها الشعب الكردي عبر سنوات نضاله الطويلة الا وجها اخر للتخلص من هذه القيود المحكمة والانطلاق نحو فضاء الحرية وعلى الرغم من وجاهة هذه المقاومة وشرعيتها في الدفاع عن النفس ودرء المخاطر عن الهوية القومية في فترة من الفترات والتي جوبهت بمقاومة اشد واقوى واكثر تنظيما وعتادا، وواجهت امكانيات دول غير محدودة، ولم يكن بامكان مقاومة تعتمد اساسا على حرب عصابات محدودة هنا وهناك، ان تغير من الواقع الاستعماري الجاثم على قلب المجتمع الكردي وتحرز نصرا عسكريا مفصليا، فظلت الهيمنة التقليدية على حالها لاتتزحزح، باستثناء الحالة الخاصة التي انبثقت عن الهجرة الجماعية عام 1991 لاول مرة، عندما تدخل المجتمع الدولي بدافع انساني لانقاذ الشعب الكردي في العراق من ابادة جماعية محققة، اسفرت فيما بعد عن ولادة الاقليم الحالي، ما اريد قوله هو ؛ ان الخاسر الاكبر والاوحد في كل المجابهات المسلحة التي خاضها الاكراد ضد الحكومات الاقليمية المستعمِرة كان الاكراد انفسهم، وليست تلك الحكومات، ومهما قيل عن المزاياquot;الثوريةquot; لهذه المقاومة ودوافعها النبيلة ومهما تغنوا بها وبالشهداء الذين سقطوا من اجل الحرية، فانها لم تجلب للشعب الكردي غير الكوارث ومعاناة اضافية وتكريس اكثر للعبودية وزيادة في احكام القبضة الحديدية..

كان لابد للاكراد بعد كل التجارب القاسية التي خاضوها في مقاومة الاستعمار الاقليمي ودفعوا فيها ثمنا غاليا جدا من دون يحصلوا على شيء يذكر، ان يبحثوا عن استراتيجية جديدة فاعلة تقوم على المفاهيم الديمقراطية والاليات الحضارية المعاصرة التي تتخذ من الحريات العامة والاصلاح وحقوق الانسان والعمل المؤسساتي والتوجه نحو رأسمال السوق والانفتاح نحو الدول الغربية سبيلا للارتقاء بالمجتمع الكردي واظهار تفوقه على المجتمعات الاقليمية، وقد برهنت التجارب ان الاكراد بقوتهم الذاتية غير المدعومة بغطاء سياسي دولي quot;وهذا لم يكن موجودا في اي زمانquot;، لايمكن ان يخرجوا من الشرنقةquot;الجغرافيةquot; التي وضعوا فيها، ما لم يتفوقوا على مستعمريهم في مجال العلم والثقافة والممارسات الديمقراطية ويرتقوا بمجتمعهم الى مصاف المجتمعات المعاصرة التي تحافظ على القيم الانسانية والمفاهيم الحضارية المتطورة، ولا يمكن ان يصلوا الى هذا الهدف مالم يرتبوا بيتهم من الداخل ويطوروا من مؤسساتهم اولا ومن اهم هذه المؤسسات، مؤسسة التربية والتعليم، ويبدؤها من المدارس الابتدائية ومع الاطفال بالتحديد، وليغرسوا فيهم هذه القيم والقواعدquot;الانسانيةquot;بصرامة وانضباطquot;عسكريينquot;، كل المجتمعات المتطورة في العالم وصلت الى ماوصلت اليه من رقي وتحضر من خلال التعليم الجاد، والانضباط الشديد، ويخطأ جدا من يظن ان قوة اسرائيل وتفوقها على الدول العربية مجتمعة ترجع في الاساس الى ثرائها ولوبها الواسع والمؤثر واقتصادها القوي ورأسمالها الضخم في الدول الغربية فقط، بل الجزء الاهم من هذه القوة اكتسبتها من تكاتفها الداخلي وممارستها الواسعة للديمقراطية وحفاظها لمباديء حقوق الانسان، تطبيقات هذه القيم جعلت من اسرائيل انموذجا للدولة الديمقراطية المعاصرة في منطقة تعج بالانظمة الدكتاتورية.