منذ ثورة يوليو 1952 وحتي ثورة 25 يناير 2011 ومصر تعيش quot;حالة فريدةquot;، لا هي دولة مدنية خالصة ولا هي دولة دينية كاملة. وبين استغلال الدين في العمل السياسي، للوصول إلي الحكم، مثلما هو الحال مع جماعة الإخوان المسلمين، وبين استغلال النظام السياسي (العسكري) للدين لترسيخ السلطة حتي ولو كانت منفردة، تحقيقا لأهداف سياسية وحزبية لم تستطع تحقيقها بالوسائل المدنية، والسؤال الذي يفرض نفسه بعد 60 عاما علي قيام ثورة يوليو (1952 ndash; 2012) .. هل كان النظام السياسي (العسكري) والإخوان المسلمون في مصر وجهان لعملة واحدة في (تديين السياسة) وفي تعاملهما مع الأقباط؟
فقد بايع البكباشي quot;جمال عبد الناصرquot; المرشد العام للإخوان المسلمين quot;مأمون الهضيبيquot; قبل ثورة 23 يوليو 1952 وأقسم على المصحف والمسدس على أن يدين بالسمع والطاعة، وكانت هناك اتفاقات مع قادة الإخوان، وعلي هذا الأساس كان الصدام بينهما بعد الثورة quot; سياسيا quot; وليس quot; دينيا quot;. لذلك لا تختلف نظرة كل منهما للأقباط - حتي كتابة هذه السطور ndash; والفروق هي في الدرجة فقط وليست في النوع. فالأقباط تحت نظام العسكر يشعرون بأنهم quot;غرباء في وطنهمquot; يتواجدون بشكل رمزي سواء في الحياة السياسية أو العامة. وكما يقول أدوارد واكين quot;وغني عن البيان أن عبد الناصر قد أختار تبني الفكرة القائلة بأن القومية العربية قوامها جماعة المؤمنين بالإسلام، والتي تعترف فقط بأن المسلمين هم الأعضاء الكاملون للأمة، أما الأقباط ففي منزلة الضيوفquot;.(1)
أما جماعة الأخوان المسلمين فإن هدفها الذي لا تحيد عنه هو: quot;تحطيم المسيحيين اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، وألا يكون لهم في مصرهم شريك، وعلى غير المسلمين أن يقبلوا مصر على أنها بلد انشأها مسلمون ويسكنها مسلمون ويمتلكها مسلمونquot;(2)
وتميز عهد الرئيس أنور السادات (1970 - 1981) بالانقلاب الرهيب علي quot;الدولة المدنيةquot; التي أسسها محمد علي عام 1805، فقد كان يعلن أنه: quot;لا دين فى السياسة ولا سياسة فى الدينquot;، بينما تحولت laquo;أنصاف الاعتقاداتraquo; فى عهده إلى laquo;اعتقادات تامةraquo; عند العامة، وكان أول من وظف الدين فى الصراع السياسى الداخلى، فقد تعامل مع كل الأحداث الطائفية (ضد الأقباط) أمنياً وليس سياسياً، بدءا بأحداث الخانكة عام 1972وانتهاء بالزاوية الحمراء عام 1981، حيث لا يزال تقرير الدكتور جمال العطيفى عام 1972 الذي ينصف الأقباط قابعا فى الأدراج إلى اليوم. (3)
عقد السادات والمرشد العام عمر التلمساني (لقاء تاريخيا)، لا تقل أهميته عن quot;تأسيسquot; الشيخ حسن البنا لجماعة الإخوان المسلمين، فإذا كان البنا هو المؤسس الأول فإن التلمساني هو الذي أعاد بناء التنظيم في السبعينيات بعد خروجهم من المعتقلات في عهد عبدالناصر والصدام العنيف معه.
فقد سمح السادات للإخوان بالعمل في الشارع والمساجد والجامعات المصرية، وتحالف مع الجماعات الإسلامية لضرب قوى اليسار ولعب بالنار حتى ألتهمته فى يوم عرسه، بعد أن انتهي زواج المصلحة بينهما نتيجة اتجاه السادات لعقد اتفاق السلام مع اسرائيل، قامت الجماعة الاسلامية وتنظيم الجهاد باغتياله في احتفالات اكتوبر 1981، ولم يشفع للرئيس المؤمن محمد أنور السادات أنه رئيس مسلم فى دولة مسلمة، كما كان يردد.
لقد بدأت معاناة الأقباط (الممنهجة) في نهاية عصر السادات مع تعديل الدستور المصري عام 1980 الذي اعتبر أن quot;الشريعة الإسلاميةquot; المصدر الأساسي للتشريع القانوني، ومعروف أن الرئيس السادات وضع المادة الثانية في الدستور لتمرير استمراره فى الحكم quot;كسادس الخلفاء الراشدينquot; ومن يومها ازدادت أعمال العنف بين المسلميين والأقباط وتنامت أعمال الحرق والسلب والنهب والخطف والقتل وكراهية الأخر المختلف فى الرأى والملة والدين.
لا يختلف عهد الرئيس مبارك الذي استمر ثلاثة عقود في الاضطهاد المنظم للأقباط بالقانون تارة والعرف والمناخ الثقافي العام تارة أخري، ورغم أنه لم يعقد أية اتفاقات مع جماعة الإخوان المسلمين التي أطلق عليها في نهاية حكمه quot;الجماعة المحظورةquot; فإنها لم تتمدد وتشعب في مختلف أركان الدولة ndash; في أي عصر من العصور - إلا في عهده.
فقد نجح (88) من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في دخول مجلس الشعب عام 2005، وأعلن الدكتور فتحي سرور رئيس المجلس وقتئذ: أن quot;المادة الثانيةquot; من الدستور والخاصة بالشريعة الإسلامية هي quot; فوق الدستورquot;، وكأنه يتحدث بلسان الأخوان المسلمين وكل فصائل الإسلام السياسي. ويكفي أن نعرف أن مذابح الأقباط (الجماعية) قد تمت في عهد مبارك: 157 قتيلا قبطيا، 811 جريحا، استحلال أموال وممتلكات 1384 قبطيا نهب ممتلكاتهم أو إتلافها وحرقها فى 324 حادثة، والاعتداء أو حرق أو هدم 103 كنائس فى الفترة من 1981 وحتى إسقاطه فى 2011. (4) وليس مصادفة أن أبشع فترات معاناة الأقباط هي في الـ 12 سنة الأخيرة، منذ أحداث الكشح الأولى وحتى تفجير كنيسة laquo;القديسينraquo; في الإسكندرية، قد تمت في عهد وزير الداخلية السابق حبيب العادلي الذي استمر 14 سنةً، حافلة بأسوأ جرائم التعذيب وامتهان حقوق الإنسان المصري في أقسام الشرطة والسجون والمعتقلات.
والسؤال الأهم هو: هل نهاية جمهورية يوليو بعد 60 عاما (1952 ndash; 2012) هي نهاية لعصر الإخوان المسلمين أيضا؟ أم أنها بداية حكم الإسلاميين (الورثة الشرعيين) للعسكر وبمباركة العسكر وتحت حمايتهم؟!
الهوامش:
1- أدوارد واكين: أقلية معزولة: القصة الحديثة، لأقباط مصر، ترجمة: نجيب وهبة، القاهرة 1963، ص 128.
2- المرجع نفسه: ص 58.
3- عصام عبدالله: عهد السادات. تراجع العدالة وارتباك السياسة، جريدة الأهرام ، 15 إبريل 2011.
4- سليمان شفيق: 10 مذابح للأقباط فى رقبة quot;مباركquot;، مجلة روز اليوسف، 2 يونيو 2012.
التعليقات