يبدو أن بعض اللصوص في العراق متعجلون كثيراً للمشاركة في عمليات نهب الوطن العراقي الصغيرة والكبيرة. فلقد نشرت إيلاف تقريراً من بغداد عن حذف مشاهد من مسلسل quot;فرقة عطا اللهquot; والذي يبث بعد الساعة الثانية عشرة ليلاً تلافيا لمشاهدته والوقوع في الإحراج أمام التيار الديني المتأخر والمتخلف، فقد تم حذف بعض مشاهده!

كنت كتبت عن هذه الشبكة وهذه القناة العراقية المتدهورة بسبب السرقات المتواصلة التي لم تتوقف. ويبدو أنها لن تتوقف إذا ما أستمر الحال على هذا المنوال! ولكن ما نشر في إيلاف وما نوه عن السرقات في شراء المسلسلات جعلني أكتب ثانية عن هذه القناة التي أتيحت لي فرصة كشف واقعها قبل عودتي من وطني إلى بريطانيا.

إن السيد رئيس وزراء العراق يعرف، إن كان له مستشارون إعلاميون حقاً وسبق أن كتبت، أن القناة العراقية التي لا تتسع بنايتها إلى مائتي منتسب يبلغ عدد منتسبيها الذين يتقاضون الرواتب من دائرة الحسابات حسب إحصائية حصلت عليها بنفسي داخل العراق، أربعة ألاف ومائتين وسبعين منتسباً. هذه الرواتب تدفع شهرياً لعدد من المنتسبين للمليشيات أو لرؤساء المافيات المتحكمة بالإعلام. (هذه هي المفردة الأولى من النهب)!

ثانيا، إن المدراء الذين تتابعوا على إدارة القناة عرفوا بالنهب النهم، ولم تسترجع لجنة النزاهة سوى ثلثمائة ألف دولار من أحد المدراء وأعفي من منصبه أو بالأحرى نقل إلى منصب آخر فيما كوفئ الثاني بتعيينه سفيراً! وأنتظروا فإن المدير الجديد سوف يكافأ بتعيينه سفيراً لدولة العراق في الكويت!
يتمثل النهب وأيضا بتأكيد من صاحب التقرير المنشور في إيلاف بأرقام شراء المسلسلات والبرامج الجاهزة وضمن شبكة كان يديرها المدير الأسبق من بيروت وعبر مكتب القناة في القاهرة. حيث أورد التقرير وعلى لسان أحد المخرجين العراقيين المنشور في إيلاف بأن مسلسل quot;فرقة عطا اللهquot; المحذوفة مشاهده قد تم شراؤه بنصف مليون دولارquot; إن أعلى رقم لمسلسل مباع لأكثر من قناة مائة وخمسون ألف دولاراًquot; عن ثلاثين حلقة. سعر الحلقة (خمسة آلاف دولاراً) في سوق المسلسلات والبرامج الجاهزة في بيروت وعمان والقاهرة ودبي!

يشرف على هذه القناة مجلس أمناء وبرواتب خمسة آلآف دولار لعضو الأمانة وهم لا يعملون سوى إبداء الرأي فيما تقنيو القناة من الشباب المبدعين لا تتجاوز رواتبهم بين الألف والألف وخمسمائة دولاراً وهم يعملون ليل نهار (من مهازل الدهر أن يطلق على هؤلاء صفة الأمناء)! وهم يمثلون المحاصصة ويتقاسمون الغنائم وليس لديهم من عمل سوى.. السكوت!

فماذا تقدم هذه القناة العراقية للمواطن؟
من مهازل الدهر ومهازل الحياة ومهازل المعاصرة ومهازل الدنيا ومن مآسي العراق الذي هو مهزلة لا تضاهى في التاريخ ومأساة لا تضاهى في التاريخ، أن مدير القناة المعمم بربطة العنق والذقن والخاتم الخنصري والذي يؤدلج المقالات الدينية ويتحدث عن فكر الصدر في مقالاته الصباحية في جريدته البائسة quot;الصباحquot; أن يشتري المسلسلات الدرامية ويحذف منها ما لا يرغب أن يراه رجال الدين، ويدفع بثها إلى ما بعد منتصف الليل كي لا يراه أحد،.. فلماذا أيها العبقري تشتري المسلسل وتعرضه في الوقت الميت وتحذف منه ما تشاء، فيما كل القنوات العراقية قد أشترته بأقل من ربع السعر الذي دفعته أنت ومديرك الإداري! ولماذا المشاهدون مجبرون على مشاهدة المسلسل في قناتك ناقصاً فيما تعرضه قنوات أخرى كاملاً، بصورة وصوت نظاميين، وفي أوقات العرض المناسبة!

هل ثمن المسلسل الذي إشتريتموه وهو معروض في كل القنوات خمسمائة الف دولار؟ لا يا صاحبي.. ليس هذا هو سعر المسلسل وإذا كنت تظن بأن الناس مغفلون فأنت واهم.. كلا فنحن خبراء إعلام ونعرف الشاردة والواردة!

إن ثمن شراء مسلسل محمد الباقر أمام الفقهاء الذي إشتريتموه بضعف مبلغ مسلسل عادل إمام. دُفع ثمنه عداً ونقداً ما يقرب المليون دولار فيما سعره وقد بيع لكافة القنوات بمبلغ ثلثمائة ألف دولار في رمضان ونصف هذا السعر بعد رمضان بمعنى يمكن شراؤه بمبلغ مائة وخمسين ألف دولار لمجرد أن يمر رمضان!؟.. فأين ذهب فرق السعر البالغ أكثر من نصف مليون دورلاراً؟! هذا لبرنامج واحد، فما الذي يجري في خضم البرامج التي تقدمها القناة على مدى أربع وعشرين ساعة في اليوم!؟

إن صاحب أو مدير أو رئيس أو مالك القناة بإعتباره مالكياً، عندما يحذف مشاهد مخلة بالإخلاق وبشرف العراقيين وبشرف الحاكمين وبشرف رجال الدين، فإن عليه الحفاظ على شرف العراق من النهب من أموال الفقراء وعيون الأطفال، وشرف الصبايا اللواتي رماهن الدهر في أتون الفقر لحد الفاقة والجوع كافر وأموال العراق تهدر بإسم إمام الفقهاء أو بالأحرى تنهب بإسم هذا الإمام الذي يقول كلاماً طائفياً حسب المسلسل وتحريضيا حسب المسلسل وناقصا حسب المسلسل وهو إمام الفقهاء!

إغتصاب العراق كاملاً بشرفه وبثرواته ونسائه وصباياه اليتيمات ومقدساته. إغتصاب قانوني معلن ورسمي أنشأه السيء الصيت quot;بريمرquot; ولم يقبل لإدارته سوى بلص أو متخلف أو quot;متدينquot; لأن المتدين بات مساوياً لمعنى التخلف واللصوصية. والعملية الإعلامية كانت لدى بريمر هي هدف من أهداف التخريب في العراق. والعراق هو بلد مستهدف للخراب بحيث مطلوب له أن يتحول إلى جثة هامدة أو منهكة أو متوسلة أو هي تلفظ أنفاسها الأخيرة في النهاية ويتم إغتسالها بالنفط وحرقها بالزئبق الأحمر وأهالة الكبريت على حفرة قبرها.

هذا وطن لنا. وهو وطن ليس لنا. هذا وطن عراقي. وهو وطن ليس عراقياً. هذا وطن مقدس، وهو وطن ليس مقدساً. هذا وطن دفن فيه الحسين، والحسين يتوسل الدفن ثانية في أرض تليق بطهارته. وكذا علي والعباس والكاظميين. كلهم يتوسلون البحث عن أرض أخرى نظيفة يعاد فيها دفنهم، أرض غير مدنسة الشرف!

علي والحسين والعباس والكاظميين وكل الأطهار مختنقون اليوم من تطويق اللصوص لمراقدهم وتقديم المسلسلات التلفزيونية كي تسلب أموال الفقراء بأسمائهم وهم يسألون المرجع الموكل والمتحدث والناطق وصاحب الفتاوى.. يسألونه من أنت؟ من أين أتيت؟ ولماذا أنت قابع ساكت هناك تبارك اللصوص والقتلة؟ ومن هم أتباعك؟ أهم هؤلاء من رجال الدين الذين يعتلون المنابر؟ ويباركون اللصوص والقتلة؟

أيها السيد رئيس الوزراء
أود أن أصارحك للمرة الثانية والثالثة والرابعة وليست الأخيرة. ثمة أمران، أما أن تكون أنت ممن ينفذون قرارات تخريب الوطن، أو أن تكون مغفلاً وساكتاً عن الحق!

إن هذه القناة العراقية يجب أن لاتفرحك وأن لا تكون مسروراً بها مخدوعاً بشاشتها عندما تظهرك وخلفك العلم العراقي.. هذه الصورة صورة السياسي وخلفه العلم العراقي يظن الظاهرون في كادرها أنهم دخلوا التاريخ فيما الحقيقة أنهم دخلوا الجغرافيا وخرجوا من التاريخ. لا معنى لهذه الصورة في الوجدان العراقي. فأغلب الذين يظهرون فيها وخلفهم علم العراق هم من المطلوبين بقضايا جزائية والساقطين من المتاع وفي التاريخ. وهم اللصوص الهاربون منهم والذين سيهربون لا تحميهم هذه الصورة المؤطرة وبخلفية العلم العراقي لأنها صارت مساوية للشرور والنهب والحرمنة والعلم العراقي لا يعطيها معنى معاكساً لحقيقتها، فالعلم العراقي لا يغسل الذنوب فهو مجرد قطعة قماش. العلم العراقي والراية العراقية والبيرق العراقي هو الخبز والأمان والضوء والماء والعدالة الإجتماعية وصوت الحق والشجاعة وعدم الخوف.

أنت الآن في السجن القابع في المنطقة الخضراء. أنت سجين أيها السيد رئيس الوزراء فلكي تحطم قضبان سجنك كن صريحاً واضحاً شريفاً. كل الصور التي تبث من الفضائيات تذهب أدراج الأثير وتتلاشى ولكنها تنطبع في ذاكرة الناس ووجدانهم. وهم يستخرجونها في يوم القيامة في ساعة الحسم المؤكدة!

أنصحك للمرة الثانية والثالثة والرابعة وليست الأخيرة. وأقول لك أنك تساهم في مشروع خراب الوطن العراقي، لست وحدك بل كل من يتحالف معك.. كلكم مسؤولون عن تدهور الوطن وخرابه. والوطن متوجه نحو الخراب الأخير، بأمر من قوى معروفة. وطن آيل للتمزق والتشظي والحرمان وهو الأخطر في أرض تمتلك كل مقومات الفرح والبهجة والسعادة.

لقد كتب رئيس قناتك العراقية صاحب الشبكة المالكة quot;يافطةquot; في غرفته، quot;لو دامت لغيرك ما آلت إليكquot; وهو يعني ويعرف بأن وجوده غير دائم ولهذا جاء مستعجلاً. والفساد هو خراب الوطن الغالي الذي يحبه كل عراقي quot;شريفquot; وأؤكد على كلمة quot;شريفquot; وأضعها ليس بين هلالين بل بين أهلة وأضع تحتها ليس خطاً أحمراً بل خطوطاً حمراء. فالشرف هو خط أحمر وقد تجاوزتموه وأصبح وطني العراق وطناً مغتصباً على المستوى المادي والمعنوي، ولن تنقذه من هذه البلوى سوى العناية الإلهية quot;إن وجدت!quot; أو العناية الوطنية quot;إن وجدت!quot;.

مسألة سرقة الأموال عبرالمسلسلاتquot; ليست ذات قيمة فهي بضعة ملايين لو جمعتها فهي لا تشكل شيئاً قياساً بالمليارات التي تنهب عن طريق النفط والكهرباء والأدوية الفاسدة، لكن الدلالة واحدة والحكم القضائي واحد وحكم القدر عبر فيزياء الحياة واحد.

أنا لست حاكماً ولا أنا منفذ للحكم وغير قادر على المهمتين بحكم تكويني الإنساني، ولكني أؤمن بفيزياء الحياة وأؤمن بالعلم. وأؤمن بالمقولات ذات الدلالات المادية إينما جاءت وفي أي زمان ومكان سواء كانت مرسلة من الفضاء عبر ملائكة النور أو وردت في الأساطير والميثولوجيا. فكل مقولة ذات نهج مادي، وجودها ليس إعتباطياً ولا هو محض إفتراء quot;من يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يرهquot;.. يراه هنا في هذه الحياة التي هي الدنيا وهي الآخرة!

سترون ما لا تتوقعون.. سترون العجائب وستكون نهاية الطاغية الدكتاتور نزهة أمام النهاية التي تنتظركم. وأقول لكم إن المظلومية التي كنتم تتحدثون عنها في التاريخ سينتابها الشك إذا كنتم حقاً أحفادها وأحفادهم!

لقد جعلتمونا نشك بمظلومية الحسين quot;حاشا للهquot; أن يكون ظالماً، ولكن لأنكم تدعون أنكم أحفاده ومريدوه، ولكن، ولكثرة ما ظلمتم ولكثرة ما نهبتم صار الشك يساورنا في مظلومية الحسين وحاشى لله لكننا وصلنا حالة الإختناق والنتيجة الوحيدة التي يمكن أستخلاصها أنكم لستم من أبناء هذا الوطن ولستم شيعة ولستم بمسلمين!

كاتب وإعلامي عراقي مقيم في بريطانيا
[email protected]