أعترف أنني لا أستطيع تفسير ما يحدث في سوريا تماما رغم أني إستفسرت عن الأوضاع من أصدقاء كثيرين من سوريا ومعظمهم يجمع على كراهيتهم لنظام الأسد الذي ورثه عن والده حافظ الأسد الدكتاتور العسكري والذي قتل وعذب الكثير من أبناء بلده ومن أبناء لبنان وكان بحق فتوة المنطقة لعقود وترأس جبهة الرفص والصمود والتصدي ثم بعد ذلك ترأس إبنه جبهة الممانعة (وهي كلمة عجيبة لست أدري من أخترعها، وتذكرني بكلمة أبيحة كنا نقولها في حواري القاهرة، ولكني لا أستطيع أن أكررها هنا لأنني قد أتعرض لعقوبة قضائية)، المهم أن نظام الرفض والصمود والتصدي والممانعة هذا فشل في أن يلقي بحجر في إتجاه أراضيه المحتلة في الجولان، بل عجز على أن يرد العدوان عن سماءه وأراضي لبنان التي كان يحتلها، وينطبق عليه بجدارة قول الشاعر quot;أسد على وفي الحروب نعامةquot;.

وأصدقائي من سوريا لم يستطيعوا أن يجيبواعلى بعض تساؤلاتي، وعلي سبيل المثال: لماذا لم تستمر الثورة السورية ضد نظام الأسد سلمية؟ لماذا إنشق الجيش الحر؟ هل تدركون مخاطر أن يكون في بلد واحدة جيشان يتحاربان، إنها الحرب الأهلية؟ هل هناك منتصر في أي حرب أهلية؟ من يمول الجيش السوري الحر؟ ولماذا؟ وهل تحرص الدول الممولة لهذا الجيش على مصلحة سوريا أكثر من السوريين أنفسهم؟ ما هي مصلحة الصين وروسيا في الوقوف ضد أي قرار دولي مضاد لنظام الأسد؟ وماهي مصلحة أمريكا والغرب لإزالة نظام الأسد؟ لماذا تستميت إيران وحزب الله للدفاع عن نظام الأسد؟ لماذا تتولي قطر والسعودية قيادة الجبهة العربية المؤيدة للثورة السورية؟ لماذا يتخوف المسيحيون السوريون من الثورة السورية؟ ما الذي يمكن أن يحدث إذا إنهار نظام الأسد؟ وماذا سيحدث للأقلية العلوية والشيعية وكافة الأقليات السورية؟ ما هو موقف العراق تحت وزارة المالكي ومعه الأغلبية الشيعية الآن من الموقف في سوريا؟ وماهي حقيقة تنظيم القاعدة والتى يحاول التمركز في سوريا الآن ويدعي أنه مع الثوار؟ وما هي حقيقة أرقام الضحايا والشهداء التى نقرأها يوميا؟ وهل المذابح المروعة التى نشاهدها ونقرأ عنها ترتكب فقط بواسطة نظام الأسد أم أن الثوار أيضا يرتكبون بعضا من تلك الجرائم والمذابح؟ من يقود هؤلاء الثوار؟ هل لهم قيادة منضبطة؟ أم أنهم جماعات متفرقة كل جماعة مسلحة تعمل ما يحلو لها؟ وماهي الإشاعات التى تقال عن تشتت المعارضة السورية؟

الحقيقة أن تلك الأسئلة وأسئلة أخري عديدة لم أجد لها إجابة فالأغلبية تؤيد التخلص من النظام السوري حتى إن لم يكن هناك البديل، وفي الحقيقة أنني تفاءلت عندما جاء بشار الأسد رئيسا لسوريا حتى وإن جاء بالتوريث وبتغيير الدستور الدستوري على مقاسه لتخطي عقبة أن سنه صغير، تفاءلت بهذا الشاب الطبيب الذي تلقى تعليما متميزا وكذلك زوجته الجميلة التى تلقت تعليما لا يقل عن زوجها وقلت لنفسي أن هذين الزوجين سوف يكونان مثالا لما يجب أن يكون عليه الحاكم في البلاد العربية، وأعتبرته نقطة تحول سلمية من الحكم العسكري لوالده إلي الحكم المدني بقيادته، ولكن كما تعلمون وفي بلادنا العربية فقط :quot;تأتي الرياح بما لا تشتهي السفنquot; مع أن تلك الرياح تأتي بكل ما تشتهي السفن والأنفس في بلاد العالم الأخرى، لكن عندما تهب الرياح على سفننا تقوم بإغراقها!!

وثبت لي فيما بعد أن تفاؤلي لم يكن في محله وأن هذا البشار من ذلك الأسد، وأنه بدلا من أن يعتمد على شعبيته في بداية حكمه وينميها وجدناه مثل أبيه إعتمد على الأجهزة المخابراتية والعسكرية وعلى التقارير، لدرجة أنني أصبحت في الآونة الأخيرة اشك في قواه العقلية، وحتى لو كان هو على حق، فليس من الحق أن أرى بنايات مدمرة بالكامل في حمص وحماة وغيرها وكأن تلك المدن كانت هدفا لقوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية عندما دكت المدن الألمانية، ومن الواضح أن الأمر يزداد سوءا دوله سواء بإغتيال الحلقة الضيقة حوله، أو بالهروب الكبير من المركب الغارقة والتي رأيناه من ضباط جيش وسفراء ومسئولين حتى رئيس الوزراء، وأعتقد أنه حتى وقت قريب كان يمكن تدبير خروجا آمنا له ولأسرته ولكني لست أدري إن كان أوان هذا قد فات أم لا؟؟
...
والسؤال هو الآن من سيخلف بشار الأسد، وهناك عدة فصائل على الساحة:
أولا: هناك الأخوان المسلمون بتنظيمهم الدولي والمحلي وأكتسبوا زخما كبيرا بعد إستيلاءهم على السلطة في مصر وتونس
ثانيا: هناك تنظيم القاعدة والذي يقال أنه ينزل بثقله في الساحة الآن
ثالثا: هناك فصائل متناثرة تنطوي تحت لواء الجيش السوري الحر الغير منتظم، وسوف يدعي الكل أنهم من الثوار وأنهم يريدون قطعا من الكعكة.
وكالعادة وكما عودتنا الثورات العربية الجميلة، فإن الأكثر تنظيما سوف يفوز بالجزء الأكبر من الكعكة وهم في تقديري تنظيم الأخوان، رغم أنكار الكثير منهم لذلك، ولكن ليكن لكم في أخوان مصر اسوة حسنة، فإن تصريحاتهم كالزبدة ليلا ما إن يطلع عليها النهار إلا وتذوب إلا إذا كانت موضوعة في ثلاجة.
وأنا الحقيقة لا يهمني كثيرا من يأتي بعد بشار الأسد، ولكن اخشى ما أخشاه هو لجوء الثوار بعد الإنتصار إلي الإنتقام وخاصة ضد العلويين والشيعة والمسيحيين، وقد رأينا بالفعل بداية الإنتقام في تحطيم بعض الكنائس في سوريا، يعني ما ذنب السوريين المسيحيين لكي تحطم كنائسهم؟ أنا أعلم أن بعض المسيحيين يفضلون نظام الأسد على أساس أنه نظام مستقر ولا يضطهدهم، وهو في نظرهم أفضل كثيرا من المجهول، وإلي الإرهابيين الذين يدمرون الكنائس في سوريا لقد أثبتم بما لا يدع مجالا للشك بأن المسيحيين على حق في تخوفهم من القادم، وهم يريدون الإستمتاع بالسئ لأن الأسوأ قادم (أو على حد قول مفكرنا العظيم خالد محمد خالد)، والطامة الكبرى لو بدأ الإنتقام ضد الشيعة وضد العلويين، ساعتها لن تقف إيران ولا العراق مكتوفة الأيدي إذا حدثت مذابح ضد بني عقيدتهم، وساعتها أيضا لن تقف مصر أو السعودية وتركيا لمساعدة سوريا ضد التدخل العراقي الإيراني، وفي تقديري أن هذا هو سيناريو المنطقة القادم، هو حرب سنية شيعية بقيادة مصر وسوريا وربما تركيا (سنة) وبقيادة إيران والعراق وحزب الله (شيعة) وسوف تكون الحرب على ملعب سوريا ولبنان وتحت الأضواء الكاشفة وسوف تقوم أمريكا وإسرائيل والغرب وروسيا والصين بتشجيع كلا من الفريقين وبيع أسلحة لكلا من الفريقين !! هذه هي المؤامرة الكبرى وارجو أن أكون مخطئا حيث أنني أرفض نظرية المؤامرة ولكن هذا هو الكابوس
الذي يؤرق نومي، ولك الله ياشعوبنا العربية التعيسة والذي ينطبق عليها المثل المصري: quot;جات الحزينة تفرح.. مالقتلهاش مطرحquot;!!
[email protected]