في الرابع عشر من حزيران/ يونيو الماضي رحلت الدكتورة روزالي برتل Rosalie Bertell عن عمر ناهز الثالثة والثمانين.وبرحيلها فقدت الأوساط العلمية المستقلة وبخاصة جبهة العلماء المناوئين للحرب وللأسلحة النووية ولذخائر اليورانيوم المشعة،عالمة كبيرة خدمت العلم والبشرية نحو ستة عقود، وتركت لزملائها وتلامذتها وللأجيال القادمة إرثاً علمياً وإنسانياً لن ينسى.

ولدت برتل في بوفالو،نيويورك، في 4 نيسان/أبريل 1929، من أب أمريكي وأم كندية.وكانت تحمل الجنسيتين الأمريكية والكندية.تخرجت من Dacute;YouvilleCollege قسم Math/Physics/ Education
ونالت الماجستير بالعلوم الرياضية/الفلسفية Mathematics/Phylosophy والدكتوراهPhD بالعلوم الرياضية/ البيولوجية/ الكيميائية الحيوية، من الجامعة الكاثوليكية في أمريكا عام 1966 وكانت إطروحتها مكرسة للقياسات الحيوية Biometrics ذات التطبيقات الثانوية في البيولوجيا والكيمياء الحيوية.

تخصصت برتل بعلم الأوبئة Epidemiologyوأصبحت خبيرة مشهورة عالمياً. وعملت متخصصة أيضاً في مجال حسبان الديمومة المحتملة للحياة البشرية.وإتجهت لدراسة الأمراض وصلتها بالبيئة ضمن إختصاص الصحة البيئية وعملت كمختصة بعلم الأوبئة البيئي Environmental epidemiology.كما وتخصصت في مجال الأشعاع Radiation وأصبحت خبيرة ذات شهرة عالمية أيضاً، ولها خبرة في الأشعاع المؤين ionizing radiation وتحديداً الأشعاع واطئ المستوى Low level ناهزت الـ 34 عاماً.وقد كانت مستشارة علمية لدى هيئة التنظيم النووي الأمريكية NRC ولدى الوكالة الأمريكية لحماية البيئة EPA وكذلك لدى وزارة الصحة الكندية في برنامج التأثيرات الصحية للبحيرات الكبرى GLHEP ولدى مجلس التقييم البيئيEAB في أونتاريو.وكانت الرئيس التنسيقي لكندا في مجموعة عمل صحة النظام البيئي EHW لمجلس المستشارين العلميين ScAB للجنة الدولية المشتركة (IJC) للولايات المتحدة- كندا حول البحيرات الكبرى GL، ولحد وفاتها كانت تخدم في اللجنة الدولية المشتركة لفرقة المهمات النووية The Nuclear Task Force. وقبل هذا، كانت رئيساً للمعهد الدولي للعناية بالصحة العامة ICPH(من عام 1987 ولغاية 2004) وعضواً فاعلآ (منذ عام 1994) في الهيئة الطبية الدولية حول بوبال The IMC on Bhopal.وأسست في عام 1996 quot;الهيئة الطبية الدولية لتشرنوبيلquot; ' The IMC Chernobyl'.وهي عضو مؤسس للجنة الدولية للمهنيين الصحيين ICHP والرابطة الدولية للطب الأنساني IAHM ومنذ عام 1958 هي عضو في GNSH ولقبت بالراهبة الرمادية ذات القلب المقدس. وبالأضافة الى هذا كانت برتل عضو هيئة تحرير العديد من الدوريات والمجلات العلمية الرصينة، ومنها:
The International Perspectives in Public Health
وأصدرت برتل العديد من الكتب، ومنها:
No Immediate Danger: Prognosis for a Radioactive Earth. Women's Press،London 1985.
* Planet Earth الطبعة الأولى عام 1985، وقد صدرت منه 7 طبعات.
* Handbook for estimating health effects from exposure to ionizing radiation. International radiation research. Training Institute، Birmingham 1986.
* Planet earth - The latest weapon of war، The Women's Press، London، 2000.
ونشرت في مجلات علمية رصينة وقدمت في مؤتمرات علمية دولية العشرات من الأبحاث والأوراق العلمية، ومنها:
* quot;ضحايا العصر النوويquot; : The Ecologist، Volume 29، No. 7، November1999
* quot;التكاليف الصحية والبيئية للعسكرتارية quot; Militarism - بحث قدمته في ملتقى quot;نحو عالم بدون عنفquot; إنعقد في برشلونة في 24 جزيران/ يونيو 2004.
* quot;العولمة: إندماج البيئة وحقوق الأنسانquot;، بحث قدمته في ملتقى برشلونة سالف الذكر، 2004
* quot;الأضرار المهنية للحرب،اليورانيوم المنضب: جميع الأسئلة حول اليورانيوم المنضب ومتلازمة حرب الخليج لم تتم الأجابة عليها بعدquot;International Journal of Health Services 36 (3)، 2006
* quot; اليورانيوم المنضب في جسم الأنسانquot;،محاضرة مصورة ومسجلة، يوتوب،19/7/2007.
* quot;فوكوشيما:كارثة نوويةquot;،رسالة من برتل الىRense.com في 24/3/2011
وعرف عن العالمة الفقيدة أنها كانت دائماً تبحث عن الأجابة للأسئلة الصعبة والمعقدة،خاصة ذات العلاقة بالملوثات السامة التي سببت السرطان لدى قدامى المحاربين.وفي هذا المضمار جاءت ورقتها العلمية الموسومة:
Occupational Hazards of War Depleted Uranium: All the questions about DU and Gulf War Syndrome are not yet answered، International Journal of Health Services 36 (3)، 2006
وشكلت ضمن الجدل الدائر رداً واضحاً على خبراء البنتاغون وأضاليلهم الزاعمة بأنه quot; لم تثبتquot; علمياً مخاطر اليورانيوم المنضب على صحة البشر، من خلال تسليطها الضوء على ما يسببه الـ DU من تلف كيمياوي وإشعاعي سام للخلية، وتلفه لجهاز المناعة والهورمونات، والغزو الميكوبلازمي لدى المتعرضين له أبان حرب الخليج الثانية عام 1991 والأثر المسرطن Carcinogenic والسمية المسخية خلقياً Teratogenic Toxicity لليورانيوم المنضب. وقد كرست برتل حيزاً خاصاً للتفريق بين غبار اليورانيوم المنضب المتولد خلال الحرب والغبار الناشئ في مناجم ومطاحن اليورانيوم. وهو أمر مهم لأن معظم البحوث على اليورانيوم أجريت على غباره في المناجم والمصانع، وطبقت نتائجها على الآثار الصحية المحتملة للهباء الجوي لليورانيوم المنضب، معلنة وبكل صراحة مناوئتها للخلفية المنهجية The background of the methodology للهيئة الدولية للحماية من الأشعاع ICRP موضحة بان منهجية الأستجابة لجرعة الأشعاع قد وضعت بالأستناد الى دراسات إشعاع عالي المستوى.وهذه المنهجية تبدو وكأنها تعمل لأخفاء اَثار الجرعة الواطئة.وبذا فهي غير مناسبة لفهم التعرض لليورانيوم المنضب ذا الجرعة الواطئة، لأن الأشعاع،والمعادن الثقيلة (اليورانيوم المنضب منها) والكيمياويات السامة الأخرى، تستطيع تخريب وظيفة خلايا الـ Mitochondria ( بيت قدرة الخلية) وتعطيل كيميائية الأنزيمات والهورمونات وإعاقة عملية إزالة السموم Detoxification الخلوية، ووظيفة الترميم، وبقاء الشخص حياً، لكنه مريض على نحو مزمن. وهنا تؤشر برتل السمية العالية لليورانيوم المنضب وغيره من المعادن السامة التي تعرض لها قدامى المحاربين في الخليج عام 1991.وقد أكدت أبحاث برتل بما لا يقبل الشك ان لا جرعة اَمنة للإشعاع مهما كانت واطئة.

وكانت الفقيدة أيضاً ناشطة معروفة عالمية ضد الحرب ونصيرة للسلم والأستقرار العالمي وداعمة بقوة لحقوق الأنسان وللحق بالحياة والصحة لشعوب العالم الثالث والشعوب الأصلية.وسجل التأريخ لبرتل مواقف لن تنسى في مساعدتها للعديد من شعوب العالم، ومنها المساعدة التي قدمتها للمواطنين الفليبنبين بشأن المشاكل التي نجمت عن النفايات السامة التي تركها الجيش الأمريكي في قواعده العسكرية هناك، ولضحايا حادث بوبال في الهند، وعملها مع الحكومة الآيرلندية لتحميل بريطانيا مسؤولية التلوث الأشعاعي في البحر الآيرلندي.ولن ينسى العراقيون،بخاصة، دورها الكبير في كشف ما تعرضوا له، الى جانب قدامى محاربي الخليج، الذين عانوا من متلازمة حرب الخليج GWS، عقب حرب 1991.

وتقديراً وتثميناً لأنجازاتها العلمية والإنسانية ولجهودها المضنية كمدافع عن العدالة الأجتماعية، حازت الدكتورة برتل وبجدارة على العديد من الجوائز الدولية والأمريكية والكندية، ومنها:
وسام quot;Hans-Adalbert-Schweigart quot; من الأتحاد العالمي لحماية الحياةWUPL( 1983) وجائزة
Right Livelihood Award (1986) وجائزة World Federalist Peace Award (1988) وجائزة Ontario Premier's Council on Health (1991) وجائزةGlobal 500 award من برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP (1993)،وجائزة Health Innovator Award وجائزةthe Sean MacBride International Peace Prize.

ومنحتها 5 جامعات كبرى في العالم شهادة الدكتوراه الفخرية تقديراً لعملها العلمي والمهني.

أكاديمي وباحث بيئي عراقي مقيم في السويد