خلال السنوات الست من انفراد المالكي بمفاتيح السلطة الأساسية، [أكرر quot;المفاتيح الأساسية للسلطةquot; لكيلا يردّ البعض بأن في الحكومة شركاء آخرين]، لم تخل الأجواء من ترويج حكايات وإشاعات باطلة عن الحكومة وعن شخص المالكي. ولم تخل ساحة المنافسات والصراعات السياسية العراقية- العراقية من التحامل والطعن والتشهير والفبركات. وإذا كان هذا هكذا، وهو مرفوض ومدان، فإن ما هو واقع وملموس وموثق ومعلوم للجميع هو أن السيد المالكي وحزبه ومكتبه هم الذين يمسكون بناصية القرارات الهامة، وبأيديهم الوزارات الأمنية والتعليم العالي والنفط وقيادة الجيش والأمن، ومجالس العديد من المحافظات، و مجلس عشائري باسم مجلس إسناد العشائر. وإذا كان استخدام التلفيق والتزييف والاختلاق في العمل السياسي مردودا، فإن السياسي الحصيف، المؤمن حقا بالقيم والمبادئ الديمقراطية، لا تزعجه، فضلا عن أن تغضبه وتثيره، الانتقادات السليمة لأخطاء قائمة، ولن يتردد عن الاعتراف بالخطأ وتصحيحه. ونحن نرى كيف يتقدم أي مسؤول غربي للاستجواب البرلماني، بل وقد يقدم استقالته، عندما يشعر بأنه قد قصر تقصيرا أضر بالبلاد.
خلال تلك السنوات، عجز المالكي عن حفظ الأمن، برغم بعض النجاحات في فترة ما، وقد حييناها في حينه. وها نحن، وبعد كل تصريح رسمي عما يسمى بquot;نزيفquot;، بل، وبquot;احتضارquot; القاعدة، يتعرض العراقيون لسلسلة جديدة من التفجيرات الدموية في مدن عديدة تنفذ في يوم واحد، وهي تنسب للقاعدة، quot;النازفةquot; دما. وهذا مما يثير الشكوك عن الجهات التي تسهل تلك العمليات، وعن مدى نظافة أجهزة الأمن والقوات المسلحة من المتسللين، وعن دور الفساد في شراء الضمائر وتسهيل الإرهاب، وعن قصة quot;نجاحquot; رئيس مجلس الوزراء في ضبط أمن المواطنين.
وخلال تلك السنوات، عاني المواطنون في الداخل الأمرين، ولا يزالون يعانون، من انقطاع الطاقة الكهربائية، صيفا حارقا وشتاء قاسيا، وكل وزارة، نفطا أو كهرباء، تلوم أختها. فهل كون الوزارتين تحت إدارة غير المالكي تعذره من التقصير؟!
أما ثالثة الأثافي، فهي انتشار الفساد، بحيث تقول التقارير الدولية المحايدة إن العراق تحول لمقدمة دول الفساد في العالم، وكذلك في الصف الأمامي للدول الفاشلة. وتتحدث تقارير دولية غيرها عن سجون سرية، وعن اضطهاد الصحافة والتضييق على الحرية الصحفية. وتقارير أخرى تتحدث عن أسلمة التعليم العالي مذهبيا،على يد السيد الوزير على الأديب، وهو من زعماء حزب الدعوة البارزين. وكان quot;الدعوويquot; الثاني، وزير التربية السابق، قد أكمل أسلمة وزارة التربية قبل أن يتركها لمنصب أكبر.
هذه التقارير الدولية، ومعها المعلومات التي يوردها كتاب عراقيون وطنيون منصفون عن تدهور الوضع العراقي، ومسؤولية النخبة الحاكمة، وبالأخص شخص المالكي وحزبه ومكتبه، تواجه بالغضب والرد العنيف من المعنيين، ومن فريق من المتماهين في مدح المالكي، ومنهم من يدبجون المقالات في ذم خصومه واحدا فواحدا في صحف خليجية، كالشرق الأوسط. ويتبارى أحيانا المستشار الإعلامي الرسمي لتكذيب ما تنشره التقارير الدولية، المتهمة عندهم بالتحيز أو التلفيق. وعندما صرح وزير الدفاع الأميركي بأن حكومة المالكي وعدتهم بعدم إطلاق سراح الإرهابي دقدوق [ من حزب الله وفيلق القدس، والمتهم بقتل عدد من الجنود الأميركيين في العراق]، انبرى السيد المستشار لتكذيب الوزير، وقال إن أي وعد كهذا لم يقطع للجانب الأميركي.
بناء على ما مر، فقد كان متوقعا أن يكذّب المستشار تقرير صحيفة نيويورك تايمز، القريبة من الإدارة الأميركية، عن إجراءات عراقية مالية ونفطية لمساعدة إيران على التملص من العقوبات الدولية. وكانت الصحيفة قد أوردت، فيما أوردت، أن أوباما نفسه اعترف بالمشكلة في الشهر الماضي عندما منع بنكا عراقيا من أية تعاملات مع النظام المصرفي الأميركي. وقالت الصحيفة إنه، في بعض الحالات، quot;يتغاضىquot; مسؤولون عراقيون عن التجارة مع إيران، في حين يستفيد مسؤولون آخرون من هذه الأنشطة، مع ارتباط العديد منهم بعلاقات وثيقة مع رئيس مجلس الوزراء العراقي. غير أن ما سبق هذه المعلومات وتكذيبَها يبيح القول إن حكومة السيد المالكي ليست محصنة تجاه خرق العقوبات على إيران، مثلما يدل انحيازها لنظام الأسد، وصمتها عن دور جنرال فيلق القدس سليماني، الذي وصفه المستشار الأمني السابق، الدكتور موفق الربيعي، بأنه رجل العراق القوي؛ بل، لقد اعترف مقتدى الصدر نفسه منذ وقت قريب باجتماع له مع المالكي وسليماني حول الموقف من حكومة كردستان وكيف اتفق الجنرال ورئيس مجلس الوزراء على موقف سلبي منها. وفي هذه الأيام ترفع في شوارع عدد من مدن الجنوب صور خميني وخامنئي بمناسبة quot;يوم القدسquot;، وهو ما يعد تجريحا وإهانة للوطنية العراقية، كما عبر الكاتب الأستاذ ضياء الشكرجي.
إن الكتاب الوطنيين، الذين ينادون بالإصلاح الجاد وتغيير السياسات والعقليات، ينطلقون من الحرص الوطني والديمقراطي وليس من العداء المسبق لشخص أو مجاراة آخر. وحين يكتب العلمانيون بأن حكومة يديرها حزب إسلامي وزعيم إسلامي لا يمكن أن تبني نظاما ديمقراطيا مدنيا، فإنما بناء على تجارب بعيدة نسبيا وقريبة وحاضرة، في العالمين العربي والإسلامي، وآخرها التجربة المصرية حين كشف الإخوان، بعد هيمنتهم على السلطة والمجتمع والصحافة والتعليم والانتخابات، عن حقيقة مشروعهم الذي حاولوا تمويهه بألف قناع وقناع قبل ذلك. فها هم يدعون علنا لفرض أحكام الشريعة وليس لدولة ديمقراطية قائمة على حقوق الإنسان والمواطنة والمساواة. إنه نفس مشروع حسن البنا: الإسلام هو الحل. والسيد المالكي قد جاهر بالعداء للعلمانية والحداثة، مستشهدا بتعاليم من أسس حزب الدعوة عام 1959، الشهيد السيد محمد باقر الصدر، علما بأن الصدر الشهيد كان يكتب بتواقيع مستعارة مقالات في مهاجمة ثورة 14 تموز وعبد الكريم قاسم في صحيفة الحزب الإسلامي العراقي المجاز، وهو حزب إخواني. وكانت تلك الحملة تلتقي مع مواقف جميع أعداء قاسم، ولاسيما بعد إصداره لقانون الأحوال الشخصية المدنية الذي ساوى بين المرأة والرجل. وهذه معلومة ثابتة سجلها الأستاذ حسن العلوي. وحين يجري الصخب عن عقود نفط كردستان، وتوجيه الاتهامات بالحق أو الباطل أو بالمبالغة والتهويل، فإن من يقومون بهذا ينسون أن الدستور هو سبب مشكلة اضطراب الصلاحيات، وان الحل في سن قانون النفط والغاز المعد مشروعه منذ سنوات أمام البرلمان ولكن المالكي يرفض بحثه أمام البرلمان لاعتماده، سواء كما هو، أو مع تعديلاتٍ[*]. ومعروف أن حزب الدعوة وبقية الأطراف السياسية الحاكمة هم من وضعوا الدستور الدائم واعتمدوه.
إن تضحيات الشعب العراقي وآلامه المتراكمة عهدا بعد عهد تستحق حكومة خيرا من هذه القائمة. ولكن العقبات كبرى- وا أسفاه.

* ملحق: هذه هي مواد من الدستور عن النفط والغازquot;
مادة 108 ndash; النفط والغاز هو ملك الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات.
مادة 109 ndash; أولا: تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة، على أن توزع وارداتها يشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع أنحاء البلاد، مع تحديد حصة لمدة معينة للأقاليم المتضررة ، والتي حرمت منها بصورة مجحفة من قبل النظام السابق، والتي تضررت بعد ذلك، بما يؤمن التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة من البلاد . وينظم ذلك بقانون.
ثانيا: نقوم الحكومات الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة برسم السياسات الإستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز، بما يحقق أعلى منفعة للشعب العراقي، معتمدة أحدث تقنيات مبادئ السوق وتشجيع الاستثمار.quot;