بين زحمة العناوين الصادمة، وتواتر الأخبار المفجعة عن حالة الشعب السوري، في الداخل والخارج، لفتت انتباهي كلمتين موجعتين: quot; لاجئات لا سبايا quot;، وقد اتخذتهما مجموعة شبابٍ وشاباتٍ من سوريا، لتكون عنواناً لحملة يقولون إنها تستهدف حماية نساء سوريات في مخيمات اللجوء، من أن يصبحن أدوات لتمتيع المقتدرين، أو أصحاب النزوات من العربان، في إطار ما يسمى ب quot;زواج السترquot;. وفي خضم سيل المعلومات وتعدد مصادرها وصعوبة التوثق من حقيقتها، فسأقتصر على تناول الأمر بموضوعية، واستناداً إلى ذهنية تاريخية مازالت حاضرة في معظم الخطاب الإسلامي، في الأقل جانبه الأعلى صوتاً. وعلى ذكر الصوت فليس أكثر منه طرقاً للمسامع من خطب ائمة المساجد في أيام الجمع، وكانت جريدة الفجر الجزائرية قد نشرت مقالاً لفاطمة الزهراء حمادي، تقول فيه أن بعض الأئمة، وفي مدن مختلفة، تنادوا بحماسة لحث الرجال المقتدرين على الزواج من اللاجئات السوريات اللواتي وصلن إلى الجزائر، باعتبار ذلك quot;واجباً وطنياً quot; لكون الدولة هي من فتحت أبوابها للهاربات من ويلات الصراع الدائر بأرض الشام، وهي من تعهدت بالتكفل بهنّ كجزء يسير من أفضال السوريين على الجزائريين، فهم من احتضنوا الأمير عبد القادر في أصعب الظروف، ولا سبيل للتكفل حسب هؤلاء الأئمة إلا بـrdquo;الزواج بهن لسترهنrdquo;. وتضيف الكاتبة بأن هذه الدعوة أثارت غضب النساء الجزائريات، لكون الدعاة لم يستثنوا الرجال المتزوجين، بل إن بعضهم أوغل في نزق الخطاب، بقوله: quot; من لم يتزوج شامية مات أعزباً quot;. وفي الوقت الذي تعبّر الكاتبة عن قلق النساء من استجابة الرجال لهكذا دعوات بسبب قوة الوازع الديني لدى الجزائريين بعامة، أود المغامرة بالتأكيد - نيابة عن معظم إخوتي في الإسلام في عالمنا العربي - على إن تلبية بعض الرجال لدعوة الزواج من اللاجئات لن يتكأ على الوازع الديني، وإنما يعتمد على الإرث الماضي من تاريخ الغزوات، ومطمح اقتناء السبايا، وما كان المؤرخون يدبجونه من رويات تبرر الميل إلى تجميع أكبرعدد من النساء لإمتاع عليّة القوم من حكام وأتباع، وخاصة مقتدرة. وبعد فإن صاحبة المقال، تشك في أن وزارة الشؤون الدينية ربما وجهت تعليمات لأئمة المساجد في أن يقولوا ما قالوا، لذلك وجدت أن تتوجه بالسؤال إلى الوزير لولا إن الوقت صادف عطلة الأسبوع، وهي تنقل أيضاً غضب عدد من الجزائريات اللواتي انتقدن الوزير، كونه لم يهتم بمعالجة مشكلة العنوسة، ولم يوجه اهتمام أئمته لهذا الأمر. والسؤال هو: أي زواج هذا، أي عار أن تستغل حاجة النساء، وأن تجري مقايضة أجسادهن وأرواحهن بشيئ من الطعام والكساء، أي ظلم هذا، أليس أكرم لمن يتكلم باسم الدين أن يدعوا إلى التكافل الإجتماعي وإلى إنشاء صندوق لمساعدة اللاجئين، رجالاً ونساءً، هل أغلقت أبواب الرحمة في النفوس ولم يبق غير الإصطياد في الأزمات؟ الكلام هنا ليس لأئمة المساجد المشار اليهم فقط ، وإنما لكل من يتكلم بهذه اللغة كتعبير عن موروث بائد وطقوس وحشية، وإن كان بعض الأولين قد مارسوها وتزوجوا ضراراً بزوجات قتلاهم أو بناتهم أو أخواتهم، وتناهبوا السبايا، فإنه عهد مضى ولا يحق لعاقل يؤمن بالمودة والرحمة كمبدأ للزواج في الإسلام، أن يطالب بالإقتداء بأسلاف، فيما تعارفوا عليه في قبائلهم.
وقد جاء في الأخبار إن رجالاً عرباً تقدموا لطلب الزواج من اللاجئات، عبر سفارات بلدانهم في دول اللجوء السوري، أو بشكل مباشر، ولو إن المسألة اقتصرت على زواج اضطراري عاثر، تنساق اليه بعض العوائل التي تخشى على بناتها، لكان الأمر نصف مصيبة، ولكن من يدري فقد يكون طالب الزواج مجرد سمسار لشبكات المتاجرة بالنساء، بخاصة الصغيرات منهن، كم من الفتيات اليافعات في ريف مصر قد دفعن ثمناً باهضا وتحولن في أحسن الأحوال إلى خادمات في بيوت أزواج مسنّين وذوي زوجات وعيال كثر، والمأساة التي يمكن أن تحلّ باللاجئات السوريات سبق أن حلًت بنظيراتهن العراقيات والبوسنيات والكوسوفيات. إن ما يسمى ب quot;زواج السترquot; ما هو إلا فضيحة لمن يدعون له، فاللاجئات لم يأتيّن بعمل فاضح فيحتجن إلى ستر، لكن الذين تزيغ أبصارهم نحو نساء بائسات فقدن الدار والأهل، هم من يحتاجون إلى ستر نوازعهم المريضة، وإن من يتغنى بجمال الشاميّات ويدعو غيره للزواج منهنّ، لابد أنه فكر بنصيبه من هذه الدعوة، فعليه أن يتعفف ويتّقي الله في زوجته وأبنائه. والواقع إن من يتزوج بثانية إنما يرتكب خيانة بحق الأولى، مهما برع فقهاء ومفسرون في تقديم الذرائع، وليس أصدق من الشيخ محمد عبده حين قال بأن تعدد الزوجات هو أقرب إلى التحريم من الإباحة، كان ذلك في العشرينيات من القرن الماضي، فيا ويلنا في حاضرنا المشرع الأبواب على دروب مجدبة، ينزوي فيها الفكر وتستيقظ الشهوات.
وبالإشارة إلى حملة quot; لاجئات لا سبايا quot;، يقول منسقها مؤيد سكيف، رصدنا ست حالات موثقة، واحدة منها تعرضت صاحبتها للإبتزاز. وعن عمل القائمين على الحملة، يشير إلى أنهم موزعون إلى مجموعات في بلدان مختلفة، يتواصلون مع بعضهم، ويتصلون برجال أعمال سوريين ورجال دين، ومنظمات أهلية فضلاً عن شخصيات أخرى، وإن عدد حالات الزواج التي علموا بها مازالت قليلة، لكنهم يستبقون الأمور ويخشون من تفاقم الظاهرة. كما ويسعون إلى إنشاء صندوق لتوفير فرص عمل، وتحسين ظروف الإقامة في مخيمات اللجوء.
وكان ممثل سوريا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، قد أشار في كلمته إلى ما سمّاه ب quot;جهاد الشهواتquot; وأوضح بأن القصد منه تشجيع بعض الأطراف، للزواج من اللاجئات الصغيرات، في مخيمات اللجوء، لكن ما فاته هو أن يذكر مسؤولية حكام بلده عن هذا الوضع المأساوي، ولم يقل لنا ماذا سيفعلون من أجل حماية الفتيات السوريات الهاربات من قصف قواتهم، ومن الفوضى العارمة لثورة تداخلت فيها عوامل الإنتقام الطائفي.

[email protected]