وسط الفوضى الفكرية التي خلقتها الأحداث المتلاحقة في لبنان مؤخراً والتي تضع من يتابعها أمام تناقض رهيب يجد نفسه عاجزاً أشد العجز عن فهمه، كنت أتساءل لما يحصل كل ذلك في لبنان ولما كل ما تقدّم العالم خطوة الى الأمام نعود نحن اللبنانيون خطوة الى الوراء، واذا برافي، صديق لي يفنّد هذه الفوضى على صفحته على الفايسبوك كاتباً:
1-quot;صودف أني أعمل اليوم في المنزل وهناك حلقة من quot;أحمر بالخط العريضquot; عن الزواج المبكر.
2-أمضيت اليومين الماضيين أحاول فهم الفتوى الذي جاء بها مفتينا المحترم
3-هل هذا النظام يحاول أن يقول لي انه من وجهة نظر دينية (كلهم متشابهون)، من المقبول أن يتزوج الأطفال ولكن سأذهب الى الحجيم اذا تزوجت مدنياً؟
4-عادة أنا علمي ومنطقي، هل يمكن لأحد أن يدلني على العلم والمنطق في ذلك؟
5-أي مكان غريب نعيش فيه؟quot;
بالفعل أي مكان غريب نعيش فيه، يوم يقرر فيه الشيخ أحمد الأسير أن يحتفل بعيد المولد النبوي الشريف مع المئات من أنصاره في فاريا ويؤدي فريضة الصلاة على الثلج في منطقة مسيحية، ويوم يأتينا بعض النواب المسيحيين ليسوّقوا قانون اللقاء الأرثوذكسي الذي يفرز البلد دينياً ومذهبياً وطائفياً، ويوم يصدر مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني فتوى تنص على أن كل من يوافق من المسؤولين المسلمين في السلطة التشريعية والتنفيذية في لبنان على تشريع وتقنين الزواج المدني هو مرتد وخارج عن دين الاسلام، ولا يغسل ولا يكفن ولا يصلّى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، مثيراً موجة عارمة من الاحتجاجات التي لم تخل بعضها من توجيه حتى الاهانات لشخص المفتي. واعتراض المفتي لا يعني فقط أن المرجعية الدينية الاسلامية في هذا البلد العتيد هي التي تقف ضد الزواج المدني، المرجعية الدينية المسيحية هي أيضاً ضده، كما هو الحال في قانون العنف الأسري، الذي لم يوافق عليه أي منهم، ويعرقلون اقراره، ولكن مرجعية واحدة كانت في واجهة الممانعة. أذكر عندما كنت أعمل على هذا الملف في بدايات طرحه اعلامياً، واستمعت وقتها الى سيدات يتعرضن لأسوأ أنواع العنف من أزواجهن، عندما كنت أسأل أحد رجال الدين المسيحيين عن نقطة خلافية أساسية في القانون المقترح وهي الاغتصاب الزوجي، قال لي وقتها وماذا لو كانت تتمنع نكاية.. وسألت وقتها، اذا كانت راغبة وعلاقتها بزوجها جيّدة لماذا تتمنع؟
لست بصدد مناقشة الأديان وأحوالها الشخصية، فأنا من الذين يؤمنون بالمثل القائل: quot;كل واحد على دينو الله يعينوquot;، وأنا مؤمنة أن الأديان السماوية كلها مقدّسة، والمشكلة ليست فيها بل في الاشخاص الذين نصّبوا أنفسهم آمرين وناهين فيها. ولكن أود أن أسأل المفتي هل سأل نفسه كم من هؤلاء المسؤولين وأبنائهم تزوجوا مدنياً خارج لبنان؟ وأسأل كل الذين يعترضون على اقرار الزواج المدني الاختياري في لبنان هل أنتم بذلك تجلبون أبناء طوائفكم الى الزواج الديني وتمنعوهم من الزواج مدنياً؟ لا وما حصل مؤخراً يؤكد ذلك ويبين حجم الذين اختاروا أن يتزوجوا مدنياً، وما دام غير متوفراً في لبنان سافروا الى الخارج وعقدوا قرانهم. أنتم بهذه الطريقة تنفروهم من الدين، فهذا الشباب لا يمكن التعامل معه بهذه الطريقة، انه شباب متعلّم، انفتح على الخارج وأصبح متمرداً على كل الواقع الذي يعيشه، وعدم تشريع الزواج المدني في لبنان لن يثنه، هو فقط يخسّر لبنان أموالاً لصالح دول أخرى، ويكبّر حجم النقمة، فحتى الدين خيار وهناك الكثيرين ممن يؤمنون ببركة الزواج الديني وقداسته ولن يفكروا يوماً بالزواج المدني. أذكر مرة سأل أستاذي في الجامعة اذا كنا نبني جامعة ماذا نبني فيها دار عبادة (جامع وكنيسة) أو ملهى ليلي، أجبته وقتها الاثنين معاً كي يكون أمام الشباب فرصة للتعرف على الاثنين والاختيار، فأثنى على اجابتي وكان معي أنه لا يمكن للتعصب والتزمت أن يجلب الشباب الى صف الدين. اذا نظرنا حولنا وقرأنا كل ما يحصل في هذا العالم، نجد أن التزمت الديني هو سبب كل هذه الفوضى التي يضّج بها العالم، وهو الذي يضعنا على فوّهة بركان لا نعرف متى سينفجر. لست من الدعاة الى العلمانية، ولكنني مع الحرية الشخصية، ليختار كل انسان ما يريد وعندها يكون مسؤولاً عن خياره، وهكذا يتحمّل المسؤولية أكثر، فهذا أشبه بتربية الأطفال، كل ما تركت الطفل يعتمد على نفسه وشرحت له الخطأ والصواب وأعطيته الحرية في الاختيار، يكون مسؤولاً أكثر وخياراته عقلانية أكثر وصوابية أكثر.