قيل إنه أول اتصال رسمي بين الدولتين منذ صعود الخمينية؛ والحال أن الاتصالات المباشرة تمت في عهد محمد خاتمي مع الوزيرة اولبرايت، التي اعتذر لها عن خطف الرهائن. وقيل إنه أول اتصال بين الرئاستين، وإن المكالمة quot;تاريخيةquot;؛ والحال أن الاتصالات المباشرة جرت مرارا عبر رسائل أوباما لروحاني، وقبله، رسائله المتتالية لخامنئي، وذلك منذ تسلمه للرئاسة. وإذا لم يكن تبادل الرسائل اتصالا مباشرا، فماذا يكون- علما بأن خامنئي لم يكترث لها. وقيل إن روحاني أول رئيس إيراني اعترف بالمحرقة. والحقيقة أن محمد خاتمي كان أكثر صراحة ومباشرة، بل وأدلى في ذلك بتصريحات لصحيفة إسرائيلية. وكان خاتمي، خلال رئاستيه [ حتى 2005 ]، قد وقف مرتين أمام الجمعية العمومية داعيا إلى quot;حوار الحضاراتquot;، بينما كانت القوات الإيرانية تقمع بوحشية مظاهرات الطلبة الذين كانوا قد صوتوا لخاتمي بوصفه رجل الانفتاح والتغيير، وأيضا، بينما كان المهندسون النوويون قد شرعوا بتنشيط المشروع النووي. لعل روحاني أقوى من خاتمي في المؤسسة الحاكمة، ولكن السلطة الحقيقية بيد المرشد الأعلى، وهو من يسير حراس الثورة. وإذا كان أمر الحراس ينتقد روحاني على المكالمة، فهو مجرد توزيع للأدوار، فكل منهما لا يخالف المرشد الفقيه. وإيران الفقيه، التي تواجه مصاعب العقوبات والسخط الشعبي المتزايد، تبدل التكتيك والأسلوب حسب الظرف والاقتضاء، لعل المخادعة والمناورة الجديدتين تحت ستار quot; المرونة البطوليةquot; تجر مجلس الأمن، وأولا أميركا، لإلغاء أو تخفيف العقوبات مقابل تنازلات إيرانية شكلية أو وعود مطاطية. وكما قال أمير طاهري ذات مرة، quot; تبيعك السجادة التي لا تريدهاquot;، أي بضاعة مغشوشة ولكن مغلفة تغليفا براقا وجميلا.
مشكلة إيران الخمينية ليست فقط مع الولايات المتحدة لتكون صفقة ما سرية بين الدولتين حلالة لكل المعضلات. مشكلة إيران هي مع المجتمع الدولي، الذي دخل في مفاوضات حول النووي منذ 2006 بدون تراجع إيراني؛ بل على العكس، كانت المفاوضات أداة لكسب الوقت لإيران للمضي في المشروع، وتطوير وتعزيز القدرات النووية وتصعيد التخصيب، وهو ما تحظره القرارات الدولية. وكانت القرارات الدولية تطالب بوقف كل تخصيب، وشحن ما هو مخصب، وإغلاق المواقع النووية السرية. وبلغت مماطلات إيران لحد رفض التفاوض في جنيف، واختارت اسطنبول [ عندما كانت العلاقات جديدة]، ثم في بغداد، وبعدها في موسكو، ثم ألمآتا، أي في دول تعتبرها صديقة. ولحد اليوم، لم تنفذ أيا من تلك المطالب الدولية بل هي تستمر في التخصيب وبناء المواقع السرية تحت الأرض والجبال.
ومشكلة إيران، عدا النووي، هي في ممارساتها وسياساتها التخريبية في المنطقة، وتصدير الإرهاب حتى خارج المنطقة [ كبلغاريا والأرجنتين.]. ولنتذكر التقرير الأميركي السنوي عن الإرهاب الصادر أواخر مايو المنصرم، وفيهquot; بلغ النشاط الإرهابي لإيران وحزب الله مستوى لم يشهده منذ التسعينات.quot; فقد زادت عملياتهما الإرهابية في جنوب شرقي آسيا وأوروبا وأفريقيا، كما ورد. ومشكلة إيران الفقيه كونها تحارب الشعب السوري مع أدانها حزب الله وحكام العراق ومليشياتهم، وتحتل جزرا عربية، وتهيمن على لبنان من خلال حزب الله، وتسيّر العراق، وتزرع، مع نظام الأسد، في أرجائه الموت والطائفية بالتنسيق مع القاعدة، كما رأينا سابقا مع الزرقاوي وتفجيرات سامراء.
روحاني، الذي يوزع الابتسامات، يقول إن أوباما هو من طلب المكالمة، والبيت الأبيض يقول العكس. ونعرف أن الأول رفض لقاء عابرا، وقيل إنه هو من اقترح المكالمة. وكل هذه التخريجات لا تدل على شفافية وجدية وغير لائقة.
الدبلوماسية مطلوبة في التعامل الدولي، وما تعنيه من المرونة السياسية. ولكن التعامل يجب أن يستند لسياسة واضحة وإلى يقظة تجاه فخاخ المراوغات. وفي مواجهة أنظمة غاشمة لابد من الحزم. ولم يرتدعِ القذافي، رغم الجهود الدبلوماسية، إلا عندما قصفه ريغان. كما أطلقت إيران الرهائن غداة انتخابه لأنه كان قد هدد خلال الحملة الانتخابية، فعرفوا أنه جاد وليس ضعيفا مثل كارتر. الدبلوماسية لا تأتي بالمعجزات لتحول الجلاد إلى حمل وديع، ولتغير طبيعة نظام عدواني توسعي دكتاتوري إلى نظام ديمقراطي مسالم، يحترم القانون الدولي. ومفاوضات السنوات الماضية أثبتت عدم جدية ونزاهة إيران في المفاوضات النووية، بل التفاوض لكسب الوقت لمفاجأة العالم في الظرف الذي يختاره الفقيه. إن الدبلوماسية لا تعني إعادة تجريب واختبار ما سبقت تجربته واختباره مرارا، ومرارا، وإلا فهو العبث وتضييع الوقت، وتقديم هدية مجانية لنظام يعمل من أجل قنبلة تعطيه مزيدا من القوة والأوراق للابتزاز والتمدد والتدخل في شؤون الآخرين. وقديما قيل quot; من جرب المجرَّب حلت به الندامةquot;، ولكن يظهر أن اوباما هاوية تكرار التجارب والاختبارات، جارا وراءه الاتحاد الأوروبي. إن خيار نظام الفقيه ليس بين دور الهيمنة والقنبلة، كما يطرح كتاب عرب، بل في جمع الاثنتين، والقنبلة في اليد كسلاح قوي من أسلحة التوسع والتهديد والهيمنة المطلقة على المنطقة وابتزاز العالم.
إن قناع الابتسامات والكلمات الجميلة لا يخدع غير من يريد أن ينخدع، أو من يتظاهر بذلك لحسابات شخصية وداخلية وإن أدت هذه المواقف لإضعاف المكانة الدولية للولايات المتحدة. وتكفي تجربة محمد خاتمي بالأمس. فسياسات الاسترضاء الأميركية لم تجلب غير مزيد من التدخل الإيراني والتخريب في المنطقة، ولحد أن تكون الطرف الأساسي في حرب الأسد. والغريب بعد هذا أن يشيد أوباما بموقف إيران من الكيميائي السوري، مع أن الاتفاق الذي تم يعني أن من استعمل الكيمائي لا يعاقب، وأن من قتل مائة وعشرين ألفا وشرد مليونين يحق له البقاء في السلطة لمنتصف العام المقبل، وربما أطول، وأن شركاء الطاغية وسطاء مقبولون. إنها لسياسات ضعيفة وخطرة قوت محور روسيا- إيران- سوريا، وستشجع جميع أنظمة وقوى العنف والعدوان. فمتى يتعظ بعض العرب، ولاسيما أهل الخليج؟!!!!
[ أشار التقرير السنوي للمعهد الدولي للدراسات السياسية لهذا العام the annual review of world affairs ..strtigic survey 2013
إلى أن إيران لها بالفعل مخزون يورانيوم بنسبة منخفضة يكفي لتصنيع ست قنابل نووية بمجرد رفع التخصيب.وان عام 2014 سيكون عامquot;تصفية الحساباتquot; بالنسبة لطهران لو استمرت في التخصيب. ويفهم من ذلك على ما نظن أن تفاجئ العالم بالقنبلة.. وهذا قد يفسر طلب روحاني مهلة شهور لحل القضية. وهذا ليس أول تحذير دولي من الخطر النووي الإيراني، فقد سبقته تقارير دولية متعاقبة منذ سنوات. فهل يقرأ أوباما؟؟!!]