بينما كان الناس يتحدثون عن ضربة quot;محدودةquot; ضد طاغية الشام قادمة خلال أيام أو حتى ساعات، يخرج أوباما، وهو صاحب القرار، ليعلن أن عليه أولا استشارة الكونغرس. معلق تلفزيوني فرنسي رأى أن الرجل يتمنى من أعماقه رفض الكونغرس ليتخلص من ورطته حين حدد قبل عام خطا أحمر للأسد، على الأخير أن لا يتخطاه في القمع الدموي لشعبه، أي استعمال الكيميائي. ولكن ماذا لو أجاز الكونغرس، وهو احتمال وارد؟! أية ضربة ستكون؟ هل ضربة quot;جر الإذنquot;، كمن يضرب الماء بالسيف ليقول إنه نفذ وعده؟ أم ضربة عقاب حقيقية رادعة، تشل الكثير من أجهزة القمع الأسدية وقدراته العسكرية الكيميائية وغيرها، وقد تشجع لفيفا من كبار ضباطه على الانفضاض عنه، وتفتح إمكانات جديدة لتقدم المعارضة؟ أي ليست ضربة تغيير النظام، بل وضعه في زاوية تجعله عاجزا عن المقاومة بنفس العنجهية والزخم.
الحالة السورية شديدة التشابك والتعقيد، وكل الاحتمالات واردة، والضرب وعدمه يحمل المخاطر للمنطقة، وفي يد النظام وحلفائه أوراق كثيرة. وأخطاء القصف واردة، وووارد أيضا تعمد النظام اقتراف مجازر جديدة ينسبها للقصف، بعد أن راح يتخذ من البشر والمستشفيات والمدارس دروعا بشرية، كما فعل صدام . هذا ما يكاد يتفق حوله الكثيرون، حتى من المتحمسين للضربة، وخصوصا بسبب الأوضاع المرتبكة للمعارضة وتسلل الكتائب القاعدية والأصولية بقوة لصفوفها. وهو ما لم تستطع المعارضة معالجته حتى عندما نشبت وتواصلت المعارك بين الأكراد والقاعدة.
إن الضجة حول الضربة إياها كشفت من جديد الكثير من عفونات التفكير لدى فريق من المثقفين والكتاب والساسة العرب. فقد تناسى هؤلاء هول المجازر البشارية ضد الشعب، وفتحوا ترسانة قاموس المؤامرة quot; ضد العرب والمسلمينquot;، كما يكتب بعض أصحاب الأعمدة الصحفية. ويظهر الأسد، في تعليقات ومقالات، كضحية مؤامرة quot;ليكودية إمبريالية quot; quot;كالتي تعرض لها نظام صدامquot; في العراق. إنهم لا يتناسون فقط المائة وعشرين ألف قتيل بلا كيميائي، وضحايا الكيميائي، والمليوني مهاجر، بينهم مليون طفل يعيشون في أبشع الأحوال، مع استباحة لبنان، واستغلال القاعدة ضد أمن العراقيين؛ ولكنهم، [من فلسطينيين وغيرهم، ومن يسار وقوميين وإسلاميين] إذ يقحمون نظرية المؤامرة الإسرائيلية، فإنهم يتجاهلون عن عمد أن إسرائيل كانت تفضل نظام الأسدين الذي فرض الهدوء التام في جبهة الجولان على مدى عقود من السنين، كان النظام خلالها يتفاوض سرا وبالواسطة مع إسرائيل. كما يتجاهلون أن هناك شركاء حرب وقمع للأسد، ممثلين في روسيا وإيران وحزب الله وحكومة المالكي* والمليشيات الإرهابية الطائفية العراقية، التي تنادت، وبعلم الحكومة، للقتال معه باسم حماية مرقد السيدة زينب.
إن جعل الكيميائي لوحده خطا أحمر معناه أن لكل حاكم طاغية الحق في أن يفعل بشعبه ما يشاء، ويقتل العدد الذي يريد، بشرط عدم استخدام سلاح التدمير الشامل- علما بأن حيازة هذا السلاح هي بحد ذاتها محرمة دوليا، وتستدعي المحاسبة الدولية.
إن ما يجب قوله هو عجز المجتمع الدولي كله عن ردع ومنع الطغاة الدمويين من استباحة الشعوب والعدوان على الآخرين. إن الأمم المتحدة أثبتت عجزها سابقا في كمبوديا ورواندا والبوسنة. كما عجزت عن حماية الشعب العراقي من الطغيان الدموي. وفي غياب قيام مجلس الأمن بدوره المطلوب، اضطر حلف الأطلسي للتدخل في البوسنة وكوسوفو لإنقاذ المسلمين من حروب التطهير العرقي الصربي. وفي الحالة العراقية، تدخل العديد من الدول الغربية عسكريا مع معارضة أخرى وذلك بعد أن عجز مجلس الأمن عن اتخاذ القرار المناسب لحماية شعب العراق، وحيث كان تركيزه فقط على موضوع الأسلحة. ولو كان التدخل جماعيا، لتفادى الأخطاء الكبيرة التي اقترفها الأميركيون في التخطيط والتنفيذ، وفي تشخيص القوى السياسية العراقية القادرة على، والراغبة حقا في، قيام نظام ديمقراطي علماني. المخالفون للضربة على الأسد، من غربيين وعرب، يتعكزون على الحالة العراقية الراهنة، مع أن غالبية قوى المعارضة العراقية والجماهير- عهد ذاك- كانت مع حرب إسقاط النظام السابق بعد أن ثبت عجزها عن تحقيق الهدف بقواها الخاصة. ولكن العراقيين أساؤوا الأداء بعد أن تحقق لهم ما أرادوه. وحين يندد الحكام العراقيون اليوم باحتمال التدخل العسكري الدولي في سورية، فهم ينسون أنهم جالسون على الكراسي بفضل التدخل الخارجي، كما أنهم يريدون التستر على واقع أن أطرافا خارجية تشترك بالفعل في الحرب مع الأسد، ومنهم حكام العراق أنفسهم، كما ثمة أطراف خارجية على الطرف الآخر!
إن المنظمة الدولية بوضعها الحالي ستظل عاجزة عن حماية الشعوب والأقليات المعرضة للموت الجماعي وللإبادة، مثلما هي عاجزة عن ردع إيران في نشاطاتها النووية العسكرية وتدخلها في سورية لبنان والعراق والخليج. والمطلوب تعديل الميثاق بما ينص صراحة على واجب المنظمة الإلزامي بفرض حماية الشعوب المغلوبة على أمرها ولو بالقوة.
وبانتظار قرار الكونغرس، سوف تستمر المجازر في سورية،وقد تأتي الضربة المنتظرة محدودة جدا، بحيث سيعتبرها النظام السوري فشلا للغرب وانتصارا له، فيتمادى أكثر. وشخصيا، أرى أن أوباما، اللاهث وراء صفقة مع إيران الفقيه، [المتورطة بكل قواها في المذبحة السورية]، ليس قادرا على اتخاذ القرار الصحيح، وراغبا فيه. والأيام القادمة سوف تأتينا بالخبر الصحيح!
[ * بينما يندد المالكي بالتدخل الخارجي في سورية، يقوم هو مرة أخرى بقمع المظاهرات العراقية السلمية في عدد من المحافظات بالقوة. والأفظع أنه يشن منذ مساء أمس، 31 آب المنصرم، حملة عسكرية جديدة [بعد سلسلة حملات عسكرية سابقة] ضد من بقي من اللاجئين الإيرانيين العزل في معسكر أشرف، فقتلت قواته الظالمة العشرات وهم مقيدون واعتقلت العشرات. ولا تزال مجزرته قائمة تلبية لأوامر خامنئي وسليماني. هذا بينما يواصل قطع الماء الصالح للشرب والكهرباء والدواء عن لاجئي معسكر ليبرتي قرب بغداد.. فهل ندهش لوقوفه مع الأسد الملطخ اليدين بالدم العراقي أيضا! وخلال كل هذه المجازر المتتالية لم يفتح اوباما فمه للاستنكار برغم مسؤولية أميركا الخاصة عن حماية هؤلاء اللاجئين، ولا سمعنا صوتا للأمين المم المتحدة الذي يوظف في العراق مبعوثا صار طرفا مع حكومتي العراق وإيران ضد الضحايا..]