يسأل المحلل الإستراتيجي الأميركي ، رالف بيترز، وهو يقصد إدارة أوباما: quot;هل نحن حقا بحاجة إلى التعاطف مع الشيطانquot;؟!

المقال هو عن مصر، وquot;الشيطانquot; في نظر المحلل هم الإخوان. وهو يطرح سؤالا آخر:quot;ما هو مستقبل مصر الذي تريده الولايات المتحدة: هل ديمقراطية تعددية أم نسخة سنية من إيرانquot;؟؟
يبدو أن أصواتا موضوعية منصفة وواعية في الغرب بدأت ترتفع، منتقدة التوجه الغربي الراهن في التعامل مع أحداث مصر، التعامل الذي يضع في كفتي ميزان متعادلتين الأقلية الإخوانية والأكثرية المصرية التي ثارت على سلطتهم الإقصائية الظلامية.
وأما الكاتب الفرنسي رينود جيرارد، فيعنون مقاله في عدد الفيغارو ليوم 20 الجاري بالتالي:quot; لماذا يحرقون الكنائس في مصر؟quot;، مستعرضا تاريخ العنف في مسيرة الإخوان، وأيديولوجيتهم التي تعتبر غير المسلمين مواطنين هامشيين، والتي تحتقر المرأة. ويقول الكاتب إن غالبية وسائل الإعلام الغربية تدين ما تعتبره quot; انقلابا عسكريا على حكومة انتخبت ديمقراطياquot;، ناسين أن هتلر أيضا أخذ الحكم في انتخابات كانت حرة. ويمضي للقول إن المصريين كانوا ينتظرون من حكم مرسي تحسين الأمن والاقتصاد، لا العمل لتغيير المجتمع. ولما وجدوا أن الأيديولوجيا هي التي كانت تسير السلطة وأن الإخوان يريدون احتكار كل شيء، فإنهم لم يجدوا بدا من الخروج بمظاهرات مليونية ضده. والجيش ليس هو من خلق حركة تمرد، وإنما كانت له شجاعة إسقاط مرسي دون اخذ إذن من الأميركيين. والتاريخ سيعطي الحق لهذا الجيش.
في مقالات سابقة تحدثنا عن الدوغما الغربية، أو الهوس الغربي في موضوع الانتخابات، والخلط بين أوضاعهم الديمقراطية ومجتمعاتهم المتقدمة وبين أوضاعنا. واليوم، يرفع رؤساء غربيون كل يوم صراخهم مطالبين بالاستعجال بالانتخابات وquot;عودة الديمقراطيةquot;، متناسين أن بند الانتخابات هو في جدول عمل خارطة الطريق، وأنه، لتنظيم انتخابات حرة وإيجابية النتائج، لابد أولا من ضمان الأمن والاستقرار المهددين بجرائم العنف والإرهاب الإخوانية ndash;الجهادية، وأن تحقيق هذا الهدف يستلزم وضع مواجهة الإرهاب في صدر مهمات الحكم الانتقالي. وتذكرني هذه الأصوات المستعجلة باسم الانتخابات بما جرى في العراق غداة سقوط نظام البعث، حيث مورست ضغوط كثيرة، داخلية [ الأحزاب الشيعية ومرجعيتها] ودولية [الأمم المتحدة] وإقليمية-عربية، تدعو لانتخابات عاجلة وفورا. وبسبب تلك الضغوط وضع جدول زمني مبتسر مستعجل ومرتجل، وجرى انتخابان صعد على أثرهما الإسلام السياسي، المعادي للديمقراطية، إلى السلطة، وراح يمارس سياسات الإقصاء والتمييز والاستئثار، التي هي في مقدمة أسباب تداعي الوضع العراقي حاليا.
الخبير الأميركي مار الذكر يكتب بتهكم لاذع عن خطاب الإدارة الأميركية، الذي يزعم أن الإخوان يمارسون التظاهر quot;السلميquot;، ويجب أن يسمح لهم بهذا الحق. ولكن، هل quot; الوسائل السلمية quot; هذه تعني quot;استخدام الكلاشينكوف وتعذيب المعارضين وتحويل المساجد لسجون، ومهاجمة المسيحيين، وحرق الكنائس؟quot; وهل نسيت الإدارة الأميركية أن الإخوان أصروا حتى النهاية على العنت ومعارضة الإرادة الشعبية؟ وأما السفيرة بيترسون، فقد ساندت مرسي حتى النهاية، فيما يعتبره المحلل quot;حماقةquot; سياسية. وذهب بعض المرحين للقول إن هذه المرأة كادت تلبس نقابا وتركض للصلاة خلف المرشد!
إن استمرار المواقف الغربية السلبية والتهديدات السافرة والمبطنة حول قطع أو تخفيض المساعدات لمصر هي التي تشجع على مواصلة العنف والإرهاب وتصديع امن مصر. إنها تشجع الإرهابيين، من إخوان وجهاديين، على مواصلة الجرائم في المدن وسيناء. وكما يكتب طارق الحميد، فيبدو أن الإخوان انتقلوا من شعارquot; الإسلام هو الحلquot; إلى شعارquot; الغرب هو الحلquot;. ولكن الغرب على خطا جسيم. ولعله سيراجع حساباته ومواقفه الخاطئة والخطرة جدا، والتي سيدفع هو نفسه أيضا ثمنا باهظا جدا لها إن استمر عليها، ولم يتراجع، فيساند الشعب المصري، بدلا من التشبث بوهم وخرافة quot;اعتدال quot; الإخوان، ووهم استخدامهم لمواجهة القاعدة، التي ولدت هي نفسها في أحضان الإخوان.
إن المقرف والخطر هو أن الغرب، الذي يستعد لمصافحة روحاني[ مع علمه التام بأن خامنئي هو صانع القرار] يوجه طعنات الدعاية والدبلوماسية ضد مصر، متناسيا جرائم نظام الفقيه تجاه الشعب الإيراني، وتدخله في المنطقة، واستمرار صدور أحكام الرجم في إيران حتى الموت بحق النساء الإيرانيات، ومنع السجينات السياسيات من رؤية أطفالهن- ناهيكم عن خطر المشروع النووي، الذي سارع روحاني نفسه لتبديد أي تفاؤل حول إمكانية التراجع عنه. كما ينسى الغربيون مخططات وأعمال التخريب التي تمارسها الدولية الإخوانية في الخليج، ولاسيما في دولة الإمارات. وكما سبق لكاتب أميركي أن وصف عام 2010 سياسة أوباما الخارجية بأنهاquot; صفع الأصدقاء ومصافحة الأعداءquot;، فيبدو أن عدوى هذه السياسة الحمقاء الخطرة انتقلت لدول الاتحاد الأوروبي في الموقف من مصر! ولكن إلى متى؟؟ وهل يمكن ألا تطول؟ نأمل ذلك.