bull; يتصور الكثيرون بتأثير مغلوط من تشارلز داروين، أن الحياة كما الغابة، قصة صراع بين الناب والمخلب. هذا ما تصوره كارل ماركس، وأوحى إليه بنظريته، التي تصورها علمية عن صراع الطبقات، وتخيل المصير الحتمي هو صراع دموي بين البروليتاريا والرأسمالية، تنتصر فيه البروليتاريا، وتقيم ديكتاتوريتها الطوباوية، ومازال كثيرون يتصورون علاقات الحياة، أفراداً ودولاً وشعوباً على ذات النحو، ويتناسون التكافل في الطبيعة، والتعاون والاعتماد المتبادل بين الكائنات وبعضها البعض. الحياة الطبيعية ليست بأي حال مجرد zero sum game لكنها في الأغلب الأعم win/ win game. وما الصراع الدموي سوى جزء من الصورة. فلو كان هو القاعدة لكانت النتيجة الخراب المؤدي في النهاية إلى العدم. هذه النظرة الدموية الصراعية للحياة، تجعلنا نتصور أن الجميع يتربص بنا، وأن صالح القوى الكبرى هو في إضعافنا وتقسيم دولنا، وبث التناحر بين شعوبنا، لتكون صورة الآخر دائماً مشتقة من أسطورة quot;دراكولا مصاص الدماءquot;. ربما نحن في الحقيقة نقرأ ونسقط ما بداخل عقولنا ونفوسنا، وربما لو فهمنا العالم وقوانين الحياة على حقيقتها، لكان لنا شأن أخر، ورؤية مختلفة كل الاختلاف، ليس عن الآخر فقط، ولكن عن الحياة وكل ما فيها.
bull; قرون الجمود والقهر الاجتماعي والسياسي الطويلة، هي التي أنتجت في النهاية الفوضويين الذين يقدمون أنفسهم لنا الآن تحت شعار quot;الثورة مستمرةquot;. أمثال هؤلاء آلات تدمير للقديم الذي تجاوزه الزمن. وظهورهم بالمجتمعات المتكلسة ميزة كبرى، فلا يعدم الثوار في كل العالم بعضاً من حماقة وقليلاً من الجهل، لكن إذا كان هذا كل ما لديهم، هنا تكون الثورة أشبه بالكوارث الطبيعية، التي لا تعرف غير التدمير والتخريب. ما لم تظهر قوى عقلانية بناءة، توقظها وتحفزها ممارسات الفوضويين، فإن هؤلاء لن يخلفوا غير الخراب. والواقع المصري هو أن لدينا الآن فوضويين، ولدينا قوى الظلام أعداء الحياة، ولم تتبلور بعد قوة ذات رؤى عقلانية بناءة.
bull; جريمة نظام مبارك أنه أتاح خروج ووظف بعض ما بداخلنا من قبح، أما الآن فكل ما بجوفنا من بلايا طفحت لتملأ المكان والزمان. الطريف أن من يلوكون ليل نهار شعارات الاستقلال الوطني وعدم التبعية، يبدو أقصى طموحهم الانتقال من أحضان أمريكا إلى أحضان روسيا، تدعيماً لمسيرة الفقر المعاصر بقلم عبد الناصر. وياليت أشاوس اليسارجية ينتبهون إلى أن روسيا صارت الآن رأسمالية. إلى حد ما يدخل جنوحنا لروسيا ضمن المثل الشعبي quot;اتلم المتعوس على خايب الرجاءquot;. تلك الخيبة التي تتمثل أيضاً في عدائنا الأبدي لإسرائيل، رغم أنه لا تستحق لقب دولة عصرية في منطقة الشرق الأوسط سوى دولة إسرائيل. والصهيونية ليست أيديولوجيا أو فكرة عنصرية، كما ندعي أو نتصور، فهي تتبنى قضية ما يعتبرونه quot;قومية يهوديةquot;. دونما عداء أو استعلاء على أي قومية أو عنصر آخر. وهنا يكمن الفارق الجوهري بينها وبين أيديولوجيا العروبة، التي يعد العداء فيها لكل آخر محوراً أساسياً. وقد كان آباء الصهيونية الأوائل ما بين علمانيين وملحدين ويساريين. فكما أن الدفاع عن المرأة، دون التعالي على الرجل، والدفاع عن السود، دون التعالي على البيض، ليس عنصرية، فالدفاع عن اليهود، والسعي لتأسيس وطن يحميهم ويضمهم، بعدما حدث لهم من مجازر، ليس أيضاً عنصرية. فالعنصرية الحقة في الموقف الذي تتخذه شعوب المنطقة منهم. كما أن أيديولوجية الإخوان الإسلامية تعد خيانة للوطنية، بنفس قدر خيانة عبد الناصر للوطن بأيديولوجيته العروبية.
bull; أي حديث عن مشاركة لتيارات الإسلام السياسي في ظل الديموقراطية مجرد هراء وسخافة، فهي تقوم بالأساس على فكر هو الضد للديموقراطية، فإذا كانت الديموقراطية تعني حكم الشعب، فالإسلام السياسي يحدثنا عن الحاكمية لله، أي أن الديموقراطية حكم الأرض، والإسلام السياسي حكم السماء، وبالتالي فالمسافة بين هذه التيارات وبين الديموقراطية، كالمسافة بين الأرض والسماء. . التسامح جائز مع الجرائم في ذاتها، لكن ليس مع الفكر الذي دفع لارتكابها. أفهم أن يحدث حوار مصري تلقائي في كل أنحاء البلاد، بين الأغلبية وبين مصريين كانوا ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية المحظورة. لكي ينضم الأخيرون إلى مسيرة مصر المستقبل، بعد التطهر من الفكر الإرهابي المتخلف. لكن حوار مع الإخوان بصفتهم التنظيمية والفكرية، أمر مرفوض من كل من ينشد مصر حديثة وحرة ومتقدمة.
bull; لعل الفارق الأبرز بين عمرو موسى وحسام الغرياني هو اللحية، وتتجللى عبقرية عمرو موسى الدبلوماسية، في استخراع دستور سلفي، بطعم وريحة المدني. في لجنة الخمسين: عقول عصافير، وتلون حرباء، وتفاهة أوراق الشجر المتساقطة في الخريف. يطبخون دستوراً يتأسس على الهيمنة والتخلف، ثم يبدأون النقاش حول عمل بعض الثقوب الضيقة، بشرط ألا تكفي لدخول النور والهواء الطلق. مازلنا نلهث وراء مداواة الطفح الجلدي، الذي ظهر في كل أنحاء الجسد المصري، ونصر في الوقت ذاته على التمسك بالصديد الذي يجري في شرايينه، باعتباره هويتنا الأصيلة. الدستور والقانون quot;مافيهوش زينبquot;، ولما يكون فيه quot;زينبquot; يبقى قانون فاسد، حتى لو quot;زينبquot; هذه هي أي من مكونات المجتمع، فالقانون يعني المساواة التامة بين البشر. وإذا بحثنا عن قوانين ونصوص دستورية تحمي الأقليات، فهذا يعني أن الأغلبية محكومة بنظم وقوانين فاسدة وجائرة ومتخلفة. حقوق مرأة. حقوق أقباط. حقوق شيعة وبهائيين وملحدين. حقوق نوبيين. حقوق بدو. حقوق أمازيغ. حقوق فلاحين. حقوق صيادين. . . . كلام فارغ وتخبط مخجل ومؤسف. يوجد فقط وحصرياً حقوق إنسان في دولة. . متى ندرك أننا من يجب أن نتغير من داخلنا، قبل تغيير نظام الحكم أو الدستور؟!!
بعد خلو ديباجة الدستور من المادة 219 السابقة، واعتماد أحكام المحكمة الدستورية العليا، تفسيراً لمصطلح quot;مبادىء الشريعة الإسلاميةquot;، من المبالغة أن نطلق على الدستور وصف quot;دستور قندهارquot;. . هو دستور مهلهل مترهل حافل بالمتناقضات، تماماً كالحالة المصرية الراهنة، وكما هو حال أسوأ نخبة عرفتها مصر في تاريخها الحديث. . هكذا لا أدعو بذات الحماسة السابقة لإسقاط الدستور، وأنا شخصياً لن أبارح مكاني يوم الاستفتاء، كي لا أقول quot;نعمquot; ولا حتى quot;لاquot;، لدستور مكانة الطبيعي سلة المهملات!!