يناضل الإخوان المسلمون من أجل استرجاع ما اغتصب منهم، من أجل إرجاع الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي، إلى رئاسة مصر، وبغض النظر عن شرعية ما حصل على يد الجيش، ولكن السؤال الجوهري: لماذا هذا النضال والتضحيات؟
هل ليعودوا إلى نفس المربع السابق، حيث ظهروا، ولا سيما في آخر عهدهم، في موقف العجز، وتراكمت مشكلات البلاد والناس، حتى الحيوية منها، وأضحت صورتهم في الإعلام غير جذابة، في أقل الأوصاف؛ ما مهد لخروج ألوف الناس في مظاهرات لا يمكن التقليل منها، تطالب بانهاء حكم الإخوان.
فهل يريدون العودة إلى هذه الحالة غير المفيدة لهم؟ بغض النظر عن الجهة التي تسببت في إظهارهم أو إيصالهم إلى هذه الحالة، فوجود قوة قادرة على تعطيل فعالية الحاكم يدل على ضعف حقيقي يعاني منه هذا الحاكم، كما يدل على أن القاعدة الشعبية التي استند إليها الإخوان لم تكن كافية لمساندتهم مساندة حاسمة، وطاغية، وهو الأمر الذي يذكّرنا بالنسبة الضئيلة التي تفوّق فيها مرسي على الفريق أحمد شفيق.
وحتى حزب النور السلفي الذي كان مساندا للإخوان تخلى عنهم، أو ابتعد عنهم، وليس هنا مقام بحث الأسباب، هل هي في الإخوان؟ أم في حزب النور؟
هنا مسألة مهمة، وبسيطة، هي مسألة القدرة والآهلية لهذه المهمة الخطيرة، ليست على مصير الإخوان فقط، ومستقبلهم السياسي، ولكن على مستقبل مصر ومصيرها .
فقد كان استمرار الإخوان في حكم مصر، مع استفحال مشكلاتها، وعدم وجود تعاون حقيقي وكامل من القوى السياسية ومؤسسات الدولة، مَحْرَقة للإخوان، وسببا لتآكلهم، شعبيا، بالرغم من كونهم حاولوا تجنب الإفشال الخارجي، بمسايرة أمريكا مسايرة شبه كاملة.
لكن أمريكا تركتهم لمصيرهم، كما تركت من كان أوثق علاقة بها منهم، وهو الرئيس السابق حسني مبارك، تركتهم في دائرة الصراع الداخلي، مع وجود دعم عربي من بعض الأقطار، مثل قطر، واعتراف عربي، من دول أخرى كالسعودية، ودعم إقليمي جدي من تركيا. وحتى إيران لم يظهر منها معاداة لحكم الإخوان، ويبدو أن قيادتها عولت على خط في الإخوان يؤيد تعزيز العلاقات مع طهران، فكانت زيارة الرئيس الإيراني، أحمدي نجاد، وهذه المواقف العربية والإقليمية لم تكن بمعزل عن الموقف الأمريكي.
فقد توفر للإخوان بيئة مقبولة دوليا وإقليما وعربيا، ومارس مرسي أدوارا حظيت برضا الإدارة الأمريكية، وحتى إسرائيل.
ولكن المجتمع المصري، ولا سيما قوى المجتمع المدني، والإعلام، ومؤسسات الدولة من الأمن إلى القضاء، وحتى غيرها لم تكن مؤمنة بفكرة الإخوان، أو راضية بالاحتكام إليهم. وكذلك كان أصحاب المصالح والامتيازات التي تحققت في زمن مبارك.
وأما التأييد الشعبي فهو ما لم يكن واعيا، فإنه يظل مذبذبا، وفي حمأة الصراع، والأزمات فإنه أكثر تذبذبا، وتفلتا، ولا سيما أن الشعب لم يتكرس في وعيه صورة الإخوان، حكاما له؛ فهم في حالة اختبار، وهو اختبار عسير؛ لأن مزاج الشعب لم يكن مثاليا، بل كان انفعاليا، بعد انعتاقه من حكم استبدادي، وكان في أمسّ الحاجة إلى أن يلمس تحسنا في حياته، وكان سقف آماله وأحلامه، في جانب الحرية والكرامة عاليا، كحالة ثأرية يريدها نقيضا للحالة السابقة.
فإذا كان الإخوان لو تمكنوا من العودة إلى ما قبل 30 يونيو لن يكونوا في وضع يمكنّهم من بيئة سياسية واجتماعية مساعدة فما دوافع هذا النضال الذي يخوضونه اليوم؟
قد يقال إنه لاستعادة حق مغتصب، وشرعية مهدورة، وحكما ديمقراطيا ، أو حياة سائرة نحو الحرية والديمقراطية.
مع أن هذه الأمور محل جدل، إلا أنه لو جرى التسليم بهذه الدعاوى فإن هناك فرقا بين مرتكزاتك النظرية، وبين قدراتك الفعلية.
وإذا نظرنا من الزاوية المقابلة، زاوية القيادة العكسرية والقوى المصرية المؤيدة للتخلص من حكم الإخوان، فإنهم جادون في المضي في خارطة الطريق، بإقرار الدستور الجديد، وإجراء انتخابات جديدة على أسس تسمح للقوى المختلفة بالمشاركة، بمن فيهم الإخوان.
ولكن مطالب القيادة الجديدة والحكومة المؤقتة، بأن يعترف الإخوان بخريطة الطريق، هي مطلب صعب؛ لأنه تفترض بهم الانتقال من النقيض إلى النقيض، من الرئاسة والمطالبة بـ quot;عودة الشرعيةquot; إلى القبول بالتنحية والانخراط في المرحلة التي تطوي صفحة الإخوان.
فقد يكون الموقف الأنسب للإخوان هو الكف عن المطالبة بعودة مرسي إلى الحكم، ولو لم ينخرطوا في خارطة الطريق، مع إعطاء الشعب المصري فرصة للحكم على الحكام الجدد وامتحان قدراتهم على إخراج البلد والشعب من أزماته، وفي هذا الوقت يستمر الإخوان في خوض نضال سياسي يسلط الضوء على أداء الحكام، مع استمرار عملهم الدعوي والتربوي، وفي هذا مسافة زمنية لإعادة التقييم، كل طرف يقيم نفسه وغيره، ويحتفظ الإخوان لأنفسهم بدور مقبل لا يزال ممكنا، ولا نبالغ لو نقول إنه ربما يكون وضعهم أفضل مما لو ظلوا في الحكم، ثم أزيحوا عنه، بعد استكمال المدة بانتخابات جديدة.