منذ ما يزيد عن قرنين من الزمان أثار الرجل جدلا واسعا حول أهدافه ومقاصده من تلك الاحداث التى أثارها حينئذ، لكن ما اتفق عليه الجميع هو أنه حسب عليهم آنذاك زعيما،وحسبوا هم عليه حتى اليوم تابعين، عانى بسببهم ومات غريبا وعانوا بسببه وعيروهم بإسمه، هذا هو (المعلم يعقوب) وفى تسميه أخرى (الجنرال يعقوب)،أول زعيم قبطى تنبأ قبل مائتى عام بما سيئول إليه حال أبناء عرقه اليوم فى وطنهم،لذا قام بما قام به فى ظل الظرف السياسى الزمانى والمكانى المتاح لهذه الحقبة التاريخية وهى حملة نابليون ومعطياتها السياسية المعقدة، والتى هى مثار جدل محتدم حتى اليوم ولم تتوقف محاولات ظهور زعامات فى حقب مختلفة بعضها كان زعامات روحية بحكم المنصب الدينى فى عصور الاضمحلال وبعضها كان زعامات سياسية فى عصور ازدهار واذا استثنينا رأس الكنيسة القبطية فى نصف القرن الاخير وبعض زعامات الوفد التاريخية فى القرن الماضى فلم تظهر شخصية ذات كاريزما نستطيع القول بأنها احتلت مكانة جديرة بكونها زعيما للاقباط.

ترى هل يحتاج ( اليعاقبة ) وخصوصا فى هذا التوقيت إلى قيادة من هذا الطراز؟ وخصوصا بعد مستجدات خطيرة على الساحة، من المستحسن أن نمهد لهذا الطرح بمقدمة ربما نرى انها ضرورية فحسنا فعل رأس الكنيسة المصرية عندما أعلن مؤخرا أن الكنيسة ليست مؤسسة سياسية وبالتالى تظل مهمتها الرئيسية الجليلة هى الارشاد الروحى لاتباعها،وبذا يحسم الجدل الدائر حول دور المؤسسة الروحية (أمكنة وأشخاص)فى العمل العام، حفاظا على هيبة الهيئة الدينية والنأى بها عن مهاترات سياسية، بالقطع هى لا تجيد استخدام مفرداتها الخشنة والمتغيرة والملتوية والتى تتصادم كثيرا مع الخلفية الوجدانية لمكونها البشرى المتأثر بالعقيدة والتى لايجوز تأويل مساراتها أو تلوينها تحت أى ظرف. شيئ آخر، ان النظام السياسى طالما استمرئ انضواء الاقباط تحت لواء الرئاسة الكنسية، ليسهل ارتهان طرف منهم وقت الحاجة لمساومة الطرف الاخر، وقد لجأ السادات ومبارك لهذا الاسلوب القمئ لارهاب الاقباط اللذين يبدون حساسية شديدة تجاه ما يمس رئاستهم الروحية. شيئ أخير هو أن تغييرا حادا قد طرأ على الاوضاع فى نصف القرن الماضى وتغييرا أشد حدة طرأ فى العامين الاخيرين يتطلب أن يبدأ الاقباط (بكل طوائفهم ) فورا ودون إبطاء فى البحث عن (قيادة مدنية)،قيادة تتولى المجابهة والحوار وربما الصدام مع النظام أو مع الكيانات التحتية التى تعبث بمقدرات الوطن، قيادة من خارج مكونات الاكليروس الكنسى بكل اطيافه (حفاظا على هيبته)، وأيضا من خارج أى هيئة إدارية مرتبطة بالكنيسة(المجالس الملية ومجالس الكنائس وغيرها)، قيادة تمثل كل الطوائف، وذلك لابراز الوجه الوطنى المدنى السياسى للقضية،باعتبار أن الاقباط وهم شركاء أصليون فى ملكية هذا الوطن بصكوك غير قابلة للتشكيك، ولهم حق اصيل فى نصيب عادل من السلطة والثروة، وأن المطالبة بهذه الحقوق يتفق مع كل الاعراف،وأن تكوين آليه لتفعيل وبلورةهذه المطالب أصبح قضية ملحة ولا شك سوف تلقى دعم وتشجيع تجمعات واشخاص وكيانات طبيعية ومعنوية فى الوطن وخارجه تؤمن بمبدأ (مختلفين فى العقائد شركاء فى الوطن) وقد يتساءل البعض ألا يوجد على الساحة من يصلح لهذا الدور بدلا من البحث الذى قد يستغرق وقتا وللإجابة عن هذا ربما يفيد طرح بعض الافكار فى هذا السياق للاسترشاد، نقول للاسترشاد لان كل من يملك فكره فى هذا الاتجاه عليه طرحها لتتفاعل الطروحات ويمكن الخروج بتصور يكون بديلا لهذا التخبط على الساحة الذى أضر بالقضية.

أولا:
بعد رحيل عدلى أبادير وهو الاب الروحى لأول إرهاصات هذا الفكر (فكر إفراز زعامة مدنية) فالموجود على الساحة الان هى فعاليات فردية، تنشأ مع الأزمات ومع الاحترام لجهود ونوايا اصحابها إلا أنهم معرضون لضغوط قد تفوق قدراتهم كأفراد، كما ان تصرفات كثيرة حدثت تحت ضغط الانفعال ورد الفعل المتعجل ربما اضرت فى احايين كثيرة بالقضيه،اكثر مما افادتها لذا نعتقد ان الاوان قد آن لظهور بادرة لتجميع هذه الجهود فى كيان واحد منظم بإطار قانونى داخل الوطن ونؤكد على داخل الوطن، كيان يكون هدفه المعلن الواضح (بدلا من التخفى وراء شعارات مبهمة) هو الدفاع عن الشان القبطى بكل مكوناته هوية وثقافة وعقيدة وإعلاء مبدأ (مختلفون فى العقائد شركاء فى الوطن) كيان يستطيع افساح المجال لاعراق ومكونات أخرى فى المجتمع تواجه نفس منهج التهميش والتمييز وترغب فى التوحد فى الهدف نفسه. والتصدى لكل الممارسات العنصرية الموجودة والتى تنشأ على الساحة فى عموم القطر المصرى وفضحها للرأى العام فى الداخل والخارج كل ذلك داخل اطار مخطط سياسى اعلامى وثقافى مؤسسى مدروس.

ثانيا:
البدءفى الدعوة لتكوين حالة من (التوافق) بين الرموز الدينية للطوائف القبطية، التى تمر الان بمرحلة يتوجب على الجميع اجتيازها بسرعة،وطرح الخلآفات (العقائدية) جانبا ويرسل الجميع رسالة مفادها أننا جميعا نواجه خطرا محدقا يهدد هويتنا وثقافتنا وربما وجودنا نفسه، خطرا لم ولن يفرق بين طائفة وأخرى، وأن استمرار حالة النفور والتراشق بالتعبيرات الدينية الخلافية والتوجس المتبادل بين قيادات هذه الطوائف مما يسحب رصيد ليس بقليل من دعم نحن فى أمس الحاجة إليه،وينعكس سلبا على مكونات المجتمع القبطى فى الخارج وربما نطمع فى مرحلة تالية فى حالة أكثر توافقا (بالطبع خارج امور العقيدة) بتشكيل لجنة دائمة للاتصال والتنسيق تجتمع بصفة دورية على ألا تتدخل فى الامور السياسية مطلقا ( وما يشاع عن تكوين مجلس الكنائس المصرى لهو بادرة جيدة بجميع المقاييس).ويكون مهمتها التنسيق مع (الجناح السياسى)اذا جاز التعبير

ثالثا:
يجب على كل من يتصدى لهذه الفعاليات أن يتجرد تماما من أى هوى شخصى فى البحث عن زعامة أو شبهة متاجرة بالقضية أوتصفية حسابات مع كيانات أو أشخاص وان يتحلى بالموضوعية والرزانة الفكرية وعلى استعداد لتحمل تبعات ردود فعل خشنة وتضحيات جسيمة متوقعة بل وحتمية سواء من النظام أو من الخلايا الكامنة للعنصريين المتطرفين ويكون ملما بالمشهد الماما تاما حتى لاتتآكل مصداقية الهدف النبيل ويكون جاذبا لنشطاء داعمين من إخوة الوطن وشركاء المستقبل الداعمين لمبدأ مختلفون فى العقائد شركاء فى الوطن،وهم كثر لكنهم صامتون لاسباب خارجة عن ارادتهم.

رابعا :
على الاقباط ومعهم المؤمنين بعدالة قضيتهم من كل الاتجاهات فى الخارج أن ينشئوا كيانا موازيا متحدا ومنظما، يجمع كل هذه المسميات المتناثرة ويفرزوا من بينهم بالاسلوب الديمقراطى السائد فى مجتمعاتهم،يفرزوا قيادة موحدة- أيضا من خارج اكليروس مهجر- وتكون مقبولة من الجميع وتمثل جميع الطوائف بلا اسنثناء، وتحدد أهداف التجمع بالتنسيق مع الداخل فى اطار استراتيجية متفق عليها ولا مانع من أن يكون هناك جناحان واحد لاوربا والثانى للامريكتين.

خامسا:
يجب مراعاة أن كل ما سبق يجب أن يفرز فى النهاية هيئة تأسيسية ndash;متاح دخولها للجميع بغض النظر عن الدين أو الطائفة -يتفق على عدد أعضائها بين الداخل والخارج (اذا تعذر إنشاء كيان قانونى محلى )وتختار هذه الهيئة شخصية واحدة ( نؤكد شخصية واحدة )من الداخل يلتف حولها الجميع وتكون مقبولة من كل الأطياف حتى يمكن إضفاء الشرعية من الجميع على دورها السياسى.

سادسا :
نتصور ان ياكورة نشاط هذا الكيان المأمول هو وقوف الزعيم الجديد على منبر الامم المتحدة ليطالب بالحقوق المغتصبة لأمة طالت معاناتها على يد متعصبين جاء الوقت لاظهار جرائمهم والمطالبة بمحاكمتهم دوليا ومحليا على جرائم ابادة جماعية وقتل واغتصاب وتهجير قسرى، المطالبة بتحديد هوية كل القتلة فى كل الاحداث منذ منتصف القرن الماضى وحتى اليوم، ولعل الحكم الذى صدر مؤخرا فى قضية مقتل عشرات الشباب دهسا بالمدرعات ورميا بالرصاص سيكون أحد الادلة الدامغة للظلم والجور الذى يعانيه عرق بأكمله ملايين من البشر حجمها يوازى حجم ست دول عربية مجتمعة ملاك أصليين يواجهون ابشع انواع العنصرية البغيضة.

ما تقدم هو ما نعتقد أنه لبنة يمكن البناء عليها ولا بأس من الاستفادة بتجارب شعوب وكيانات كثيرة سبقتنا وحققت ما تصبو اليه كما يجب أن نعبر مرحلة الصراخ والنحيب بأقصى سرعة الى مرحلة عمل منظم هادئ مدروس يخاطب العقل،مرحلة تضحيات اجتازتها امم كثيرة لتنتزع احترام هويتها وثقافتها وعقيدتها ولقد دفع الاقباط ثمنا باهظا وقد حان يوم المطالبة باستحقاقات هذا الثمن الذى دفع مقدما.