نائبان ومئة، حصيلة من صوت لإقالة وزير الشباب والرياضة بحضور 255 نائبا، اي بحضور نصاب قلما ائتلف.

صُورت معركة الإقالة وكأنها تحصيل حاصل؛ المجلس سيزيح حليفا متهما وقريبا من المالكي، تمهيدا لمحاصرة زعيم quot;دولة القانونquot;، وفرض طوق نيابي عليه. الصورة لم تكن كذلك، تصويت الاكثرية ابقى جاسم محمد جعفر على كرسيه. عندئذ تحدث بعض النواب عن صفقات ورشاوى غيرت اتجاه التصويت.

بناء على تلك الاتهامات فإن عشرات النواب خضعوا للرشوة والصفقة كي يغيروا مواقفهم الى معارضين للإقالة. فهل يدرك من قال ذلك، خطورة الامر؟.

تبرير الفشل عبر الاتهامات العمومية السهلة وغير المبنية على الادلة ودون تسمية المتورطين، بات مملا، تكرار يفقده اي قيمة، بحيث اصبح الكلام عن مثل هذه الظواهر عاديا، لا يثير القراء والمتابعين لوسائل الاعلام وتصريحات الساسة. ليت اصحاب تلك المقولات العريضة، يقدموا لنا تفسيرا للفشل المستمر والعضال في اداء مجلس النواب وعمله الرقابي.

اخفاق مجلس النواب المستمر في اقالة مسؤول متهم، يؤشر احد احتمالين: عجزه عن مكافحة الخلل والاخفاق والفساد، او ان المسؤولين نزيهون، ظلمهم طالبو اقالتهم.

الاحتمال الاول، يعني ضعف مجلس النواب، وعجزا مستمرا في ادائه، وفوضى دوره، وتستر تصنعه الاتفاقات والتفاهمات والتوافقات والرشاوى، والاهم يظهره اضعف من الحكومة. وان رجحنا الاحتمال الثاني فإنا امام مجلس ظالم، مخصص لتصفية الحسابات، ومعرقل لعمل السلطات الاخرى. كلا الاحتمالين مر.

خلال السنة الماضية شهدت قبة مجلس النواب استجوابات ومحاولات اقالة عدة، كلها باءت بالفشل، بعضها اتهم بالتسييس، وبعضها الاخر عرف اتهامات بالرشوة والصفقات. كل عملية استجواب جرت، وكل تشريع مثير للجدل، كان موضوعا لتهمة الصفقات. اتهام يمس كل المجلس بأسره، وليس نائبا هنا، او نائبين هناك.

ضعف الاداء النيابي في العراق يكمن بدرجة رئيسية في انه تحول الى ناد لتصفية الحسابات، مكان للتناكف غير المفيد. الاجتماعات والمباحثات والمشاورات النافعة تجري خارجه، ويبقى داخله مخصصا للتصويت الجماعي، بناء على اوامر وتوجهات زعامات الكتل، او ساحة للاحقاد السياسية. يختلف المجلس، فيرحل خلافاته لاجتماعات القادة، واذا ما اتفقوا يقوم بمباركة ذلك عبر التصويت.

ليدلني المجلس الموقر على اي اتفاق مهم جرى داخله، ولم يفرض عليه من قبل الكبار.. لا يحدثنا احد عن قوانين صغيرة مثل منع التدخين في الاماكن العامة، او عن قضايا اخرى كالمصادقة على اتفاقية انضمام العراق الى نادي quot;حماية البيئةquot;. دوره في القضايا الكبرى هو المباركة..

رئيس مجلس النواب ليس افضل حالا، تصريحات عريضة بحجم التغيير، وسلوك فعلي غير واضح التأثير. مثلا، التقى اسامة النجيفي جميع الراحلين او المعزولين من رؤساء الهيئات المستقلة قبل رحيلهم، اخبرهم في اكثر من مناسبة، انه يقف معهم، يعاضدهم. لا افهم معاضدة رئيس السلطة الاولى في العراق سوى في ان يمنع التصرفات الارتجالية ويحول دون رحيلهم، الا ان يكونوا مستحقين للعزل، وهذا ما لم يحصل.

لا يهم ما اذا كان النجيفي قد اصطف في معركة سحب الثقة مع خصوم المالكي، المهم دوره كرئيس لمجلس النواب، المهم ما قدمه لتصحيح الاخطاء والاخفاقات والاساءات والجرائر... ذات مرة حذر في مؤتمر صحفي من استخدام الجيش لأغراض سياسية، وعسكرة المجتمع، جميل ان يحذر، لكن اين هو حراكه كرئيس السلطة التشريعية الرقابية؟. لا حراك، كلام اطلق وبقي معلقا في الصحف والفضائيات دون ادنى حراك فعلي.

الحراك الفعلي مكلف طبعا، وغير مفيد للتسويق الاعلامي، لأنه سيصب في صالح كل المجلس وليس المكاسب السياسية لهذا وذاك. كلما اقتربت الانتخابات، تصبح الاولوية للاستعراضات التي يلمحها ناخب مغفل لا يرى ابعد من الاثارة المقدمة عبر شاشات التلفزة.

يملك البرلمان العراقي حزمة من الصلاحيات، لكنه مفرغ منها بفعله هو. نحن في بلد لم تتشكل بعد، سياقاته الديمقراطية، ولا اطره الدستورية، والسلطة التنفيذية ستمارس كل المحاولات في سبيل كسر طوق الصلاحيات.. فهل نرجوها كي لا تفعل ذلك، ام اننا نطلب من المؤسسة الاهم والقوة الدستورية الاولى ان تمنعها من ذلك؟.