على عكس الكثير من الازمات السابقة، بدا المالكي في الازمة العراقية الحالية اقل حيلة.

رئيس الحكومة خرج من اغلب المعارك السياسية السابقة رابحا، وان كان الربح هنا لا يعني بناء الدولة، بل كسب الماسك بالسلطة. وحدها تظاهرات الخامس والعشرين من شباط 2011 وضعت الرجل وكل الطبقة السياسية في تحد خطير، وقلصت من الشرعية التي يستند لها رواد السياسة في العراق، حتى وان كانت تلك التظاهرات قد انتهت بدون ان تحقق نتائجها المعلنة.

لا تشبه تظاهرات الانبار احتجاجات 2011، الاهداف والاسباب مختلفة، لكنها في النهاية حراك شعبي، وفي هذا تكمن اهميتها التي تضع اي خصم في زاوية حرجة. ومهما ينجح السياسي او رجل السلطة في الحد من غلواء خصومه السياسيين، فان الحد من نفوذ الاحتجاج الشعبي وتأثيره صعب جدا، اذا لم يستند الى تعاط ايجابي مبني على المصداقية والوضوح.

لا تقتصر صعوبة الموقف على العلاقة بين المالكي والسنة، او بينه والبلدان الاقليمية الداعمة لهم، بل انها تنبع ايضا من علاقة متوترة مع الحلفاء الشيعة، واكثر من ذلك. بعض المصادر تتحدث عن خلافات داخل حزب الدعوة حول طريقة التعاطي، وان قيادات متنافسة داخله تستعد للترشح في الدورة المقبلة، وعلى رأسها علي الاديب وزير التعليم الحالي والقيادي الابرز داخل الحزب، وربما طارق نجم عبد الله الذي يفاوضه رئيس الحكومة لإعادته مديرا لمكتبه مجددا.

خلال السنوات الماضية، نقل المالكي الدعوة من حزب نخبوي لا يملك قواعد شعبية واسعة الى اخر يسجل حضورا في اوساط الناس العاديين بما للسلطة من كارزما. وتسبب في المقابل بوضع الحزب في عين العاصفة، لدرجة انه قد يواجه مصير كل الاحزاب التي خسرت السلطة بجريرة زعاماتها. هذا الامر يدركه شركاؤه الحزبيون، والكثير منهم يتخوف من اقتراب المصير.

يقف اقدم الاحزاب الدينية العراقية، امام مفترق طرق: يذهب الكل مع الفرد باتجاه النهايات المحتومة في ظرف كظرف العراق واداء كأداء رئيس وزرائه، او تغيير القدر وثني الفرد من ان يكون الممضي على قرار النهايات.

من حق اي حزب وشخص، خوض غمار التنافس للوصول الى السلطة، ومن المؤكد ان بقية الاطراف السياسية العراقية ليست افضل حالا من حال الدعوة. لكن ثمانية اعوام من الاخفاقات على مستوى الخدمات وعلى مستوى تدعيم الحكم الديمقراطي وتحقيق الصيغة الانسب للشراكة، يجب ان تدعو الماسك بالسلطة الى عملية نقد ذاتية كاملة. ولم يحصل النقد، الاخفاقات تتكرر، والسلطة ترفع شعارات النجاح باستمرار وهي فاشلة..

اهمل الماسك بالسلطة مراجعة اخطائه، وعجز الحزب عن معرفة مكامن خلله وتعديل علاقته بالناس عبر تواصل حقيقي وليس شعارات. لذلك ليس من خيار الا ان يفسح المجال لغيره بدل الاستمرار في مشوار عقيم. ائتلاف دولة القانون اخفق في المحافظات. والكلام ذاته ينطبق على الحكم في بغداد.

سيقال ان جميع اطراف الحكومة ومجلس النواب شركاء في الفشل، كلام سليم. لكن لا ينسينا هذا الكلام ان رئيس الوزراء هو المسؤول الرئيسي عن الاخفاق.. هو من قدم التنازلات كلها، وقبل الاتفاقات بما فيها من خرق للدستور، كي يبقى في منصبه. هو من عين المسؤولين في الهيئات المستقلة الشاغرة بالوكالة دون ان يسمح بالسياقات الدستورية ان تأخذ مجراها، هو سبب رئيسي في بقاء وزراتي الدفاع والداخلية بلا وزير، هو الذي لم يُقل اي مسؤول متورط، واكتفى بملاحقة المتهمين من خصومه.. هو من تسبب في وضع القضاء موضع المتهم... هو المعني ببقاء الفاشلين في حكومته، هو من يقسط ملفات ملاحقة المتورطين بالقتل والارهاب بحسب الحاجة لها. هو الذي لم يقدم عنصر امن للقضاء على خلفية الكثير من انتهاكات حقوق الانسان في كل مكان، هو الذي جعل العسكر يتحكم بنبض حياة المدن دون ان يسأل نفسه الى اين نحن متجهون؟.

الفشل الموزع على الجميع حقيقة، الخرافة ان يكون هذا بمثابة صك عبور لرئيس الجميع. بعد ثمانية اعوام من الاخفاق المستمر في بناء الدولة، لابد ان يتغير الكثير، أحد المتغيرات اللازمة ان يفسح رئيس الوزراء وحزبه الفرصة لآخر، على الاقل في الدورة المقبلة.. لماذا يجب ان يجرب العراق ما جربه في سنوات صناعة الازمة؟.

ليت الامر ايضا يشمل كل من امسكوا بزمام المناصب في العراق، ان يفسحوا المجال لغيرهم، لانهم ايضا فشلوا. صحيح ان تغيير الوجوه لا يعني تغيير الحال، ولكن يبقى ان بلدا يريد تعلم صيغة التناقل السلمي للسلطة، يحتاج الى ان لا يقيم رجل او امرأة في زوايا حكمه فترة تجعله يطمع ويطمح.