يُكثر الاسلاميون العراقيون وغيرهم في السنوات الاخيرة من استخدام مفردتي الديمقراطية والدولة المدنية.

يندرج ذلك ضمن خطاب ولد قسرا بفعل تحولات، يسعى التيار الديني للتعايش معها، ومن ثم توظيفها. انه خطاب يوظف المفردات الحديثة بعد افراغها من مفاهيمها وابدالها بمفاهيم اخرى، تبتعد عن مقاسات الدولة الحديثة والديمقراطية الحامية للحريات وحقوق الانسان والضامنة لاستمرار خيار الافراد الحر.
قبل ثماني سنوات اجريت حوارا لإحدى المجلات الفكرية مع زعيم حزب الدعوة نوري المالكي قبل ان يصبح رئيسا للوزراء، قال وقتها quot;نعتقد ان الديمقراطية توصلنا لما نريد على مستوى البناء والتغيير وفي التشريع. ومن لا يريد فهو حر ولكن عليه ان يلتزم بنتائج الديمقراطيةquot;.
سألته عن تأثرهم بالنموذجين التركي او الايراني؟ جوابه كان : quot;نحن لا نفكر بأي النموذجين، لدينا نموذجنا العراقي... نحن بالأساس ليس غرضنا اقامة دولة اسلامية، هدفنا تطبيق حكم الله سواء عن طريق الدولة او المجتمعquot;.
ما قاله المالكي تكتيك أغلب التيارات الاسلامية في العراق. يريدون لـquot;الديمقراطيةquot; ان تولد داخل شعب مسيس اسلاميا. فاشتغلت تلك التيارات خلال السنوات المنقضية على القواعد الشعبية وبناء واقع مجتمعي يضمن تطبيق الشريعة. خطوة كهذه تصنع بيئة مناسبة لتدعيم اي قرار سياسي او قانوني، ولا يواجه برفض انتخابي بل بقبول.
هذا الطريق يضع الفهم الاسلامي للديمقراطية قيد التنفيذ. هي الاقتراع فقط في خطاب التيارات الاسلامية وليس عموم مبادئ الديمقراطية. والدولة المدنية في ادبياتهم، تحمل ملمحا من المدنية فحسب.
استطاع التيار الاسلامي، ان يهيمن على السلطات المحلية والاتحادية التشريعية والتنفيذية، الدستور مكتوب بلغة مرنة تفي بتفسيراته ورؤاه. لكن تبقى السلطة القضائية. فالقضاء العراقي رغم مشكلاته، ظل بعيدا عن التوظيف الديني، قد يطأطأ للسلطة، يخضع للابتزاز، ربما تنفذ السلطة التنفيذية او التشريعية فيه، لكنه يبقى جزء من منظومة اكاديمية ليس للمؤسسة الدينية ولاية مباشرة عليه.
الرغبة بإخضاع السلطة القضائية للولاية الدينية تقف وراء المطالبة بإعطاء حق النقض لرجال الدين في قانون المحكمة الاتحادية المزمع تشريعه. هذه المحكمة تمثل المفصل الرئيس المتحكم بمسار القوانين والعلاقات الرئيسية بين المؤسسات، وتفسير الدستور.
ومهما اختلفت احزاب الاسلام السياسي مع بعضها فإنها تبقى مدركة لاهمية المؤسسة الدينية في توفير الاطار النظري لبناء الدولة. الخطوة الاولى كانت كتابة الدستور، وقتها اصرت الجهات السياسية على حضور ممثلين لتلك المؤسسة في القوائم الانتخابية، وكان لهؤلاء دور بارز في النصوص الدينية الموجودة.
يدرك الاسلام السياسي ان المحكمة الاتحادية تحدد شكل الدولة، وغياب الولاية الدينية عنها يعني باختصار افلات سلطة التفسير والتقنين عن الهيمنة، فبدأ الحراك قبل حدوث اي طارئ. واذا ما عجز مجلس النواب في الاتفاق ستبقى المحكمة الاتحادية القائمة منقوصة الشرعية وعليها الكثير من الاشكاليات، ما يعطي السلطة التنفيذية فرصة التأثير اكثر مما لو كانت الشرعية متكاملة. فالتحالف الاكبر داخل مجلس النواب اوصل الامور الى احد خيارين، اما تشريع المحكمة الاتحادية بشروطه، او الابقاء على وضعها كما هي..
لن تقف القوى الاسلامية عند حدود تسيس الذهنية الدينية للفرد، بل انها ستعمل على ضمان استمرار ذلك التسييس، عبر خطوات عديدة اهمها وضع القضاء او جانب منه تحت عين الرقابة الدينية.
بالفعل هي تجربة تختلف عن اسلاميي تركيا وايران... ايران اعلنت دولتها الدينية بوضوح، وتركيا تشهد دبيبا لاسلام سياسي له اجندته، اما في العراق فان الاسلاميين يقفون بين وضوح ولي الفقيه الايراني ودبيب حزب العدالة والتمنية التركي.