لعل الإنعطافات السريعة والمفاجئة التي ضربت العالم بعد الربيع العربي، قد جعلت بلدان العالم العربي تتخبط في مشاكل عديدة لا حدود لها، بخاصة الصراعات العسكرية الإقليمية، ونزاعات الحدود، والحروب الأهلية، وغيرها .وتشير إحصائيات الأمم المتحدة الأخيرة إلى أن بلدان العالم العربي قد أخذت تتوجه نحو التسلح بدلاً من التنمية الإقتصادية والإجتماعية، وهذا التسلح يستنزف المليارات من الدولارات كل عام، ويزيد بذلك في حالة الفقر والجوع الذي يقسم ظهر البشر، حيث يموت الآلاف منهم يومياً أمام مرآى ومسمع العالم.

وفي هذا السياق، فإن هناك أكثر من سؤال يُطرح حول مستقبل العالم العربي، وحول نظرة الدول العظمى إلى الواقع الجديد الذي أخذ ينهش بلحم دول هذا العالم .. أي حالة الحروب والصراعات العسكرية والفقر والجوع والحروب الأهلية ؟وقد لا يشعر المرء باطمئنان كبير لما تفكر فيه الدول العظمى تجاه العالم العربي.. والدليل على ذلك، أن هذه الدول هي نفسها التي تبيع السلاح إلى تلك البلدان، وهي نفسها تشجع الحروب والصراعات وتوسع بؤر التوتر بين بلدان هذا العالم، وهي نفسها تدير ظهرها لمآسي الفقر والجوع التي تتعرض له الشعوب المتناحرة، وهي نفسها تتدخل في كل صغيرة وكبيرة لحماية مصالحها في المناطق الغنية بالثروات والمواد الأولية.
bull; ودول بيع السلاح تدّعي بأنها تساند الديموقراطية، وتحمي حقوق الإنسان، وتساعد الشعوب في التخلص من النظم الديكتاتورية، بينما واقع الحال يشير إلى عكس ذلك، حيث ابتلت الشعوب بممارسات الدول العظمى أكثر مما إبتلت به النظم الديكتاتورية، بل وإن بعض الديكتاتوريين كانوا يتمتعون بحماية غير معلنة، بل ومعلنة من قبل هذه الدول عندما كانت تساند مبارك، وزين العابدين، والقذافي، وعلي عبد الله صالح، وغيرهم.
وعالمنا العربي دفع ويدفع ثمناً غالياً في مأساته الدائمة على أيدي الدول العظمى.. هذه المأساة التي خُطِطَ لها منذ سايس بيكو، وعلى ما يبدو فإن الدول العظمى هذه قد إتخذت منذ مأساة فلسطين، قراراً بمنع وحدة الوطن العربي، بل وتكريس التجزئة والقطرية، وتشجيع الصراعات والنزاعات الحدودية وغير الحدودية، وإطالة عمر التخلف من خلال إستنزاف ثروات المنطقة وتحويلها إلى سوق إستهلاكية للبضائع الأجنبية، وإغراقها بالأسلحة التي لا تشكل خطراً على مصالحها ومصالح حليفتها إسرائيل.
هذا هو واقعنا المزري، وليس أمامنا إلا أن ننصاع لإدارة الدول العظمى في كل شيء، بما في ذلك التخلي عن سيادتنا على أرضنا بعد أن أصبحت منطقتنا تعج بالقواعد الأجنبية، وبحارنا مليئة بسفن الدول الكبرى، بينما نحن نراشق بعضنا البعض بتهم تاريخية تتراوح ما بين مجوسية وصفوية، ورافضة ووهابية، وسنة وشيعة، بل وصليبية أحياناً، ناهيك عن الليبرالية، والعلمانية، والسلفية، والأخوان، إلخ .. هذه هي السوق الرائجة التي تشتعل بين شعوب منطقتنا .. وإذا وُجد من يدعونا الى أن نقف موقفاً موحداً ونتناسى خلافاتنا، ونعيد إلى روح التضامن العربي روحه وكيانه إتُّهم بالتخلف والقومجية وما شابه ذلك من إتهامات.
أما أولئك الذين إرتبط مصيرهم بمصير الأجنبي وتخلوا عن كرامتهم وأصبحوا في منآى عن طموحات أمتهم فقد قالت الشعوب فيها كلمتهم ..
بقي أولئك الحكام الذين يتربعون على كراسي الحكم ولا يأبهون بمتطلبات شعوبهم، فهم لا يدركون أن التاريخ سوف لن يرحمهم وسوف تلاحقهم لعنة الأجيال إلى أبد الآبدين إذا لم يتعلموا الدرس الذي فشل فيه شاه إيران، وفاروق، وماركوس، والعشرات غيرهم ممن لم يستجيبوا الى متطلبات شعوبهم!!..