هؤلاء العظماء وما كتبه التاريخ عنهم بعد موتهم بما هو حافل بالأكاذيب والاساءات والتشهير، لهو بمثابة الجرائم اللأخلاقية التي يرتكبها المدلسون للنيل منهم لأسبابٍ يظنون أنها تخدم قضاياهم الراهنة، فيعمدون الى طمس انجازاتهم العظيمة، ويبرزون مثالب قد افتعلوها!!..وعلى سبيل المثال فحينما مات أبو الهند المهاتما غاندي الذي حمل أمته على راحتيه وبين ضلوعه حتى وضعها في موضعها بين الأمم، صدرت العديد من الكتب المسيئة له، التي نعتته بمختلف الأوصاف اللئيمة، بل وإدّعت بعضها أن هذا الرجل كان ساحراً ومجنوناً وفيه نزعات من الشعور بالنقص والخِذلان، وصدر أخيراً كتاب يشير إلى أنه كان مثلياً، وهناك مراسلات بينه وبين عشيقه الألماني في جنوب أفريقيا، وكان يتوسل الإنكليز بجعله في مقدمة الحياة السياسية.. ولم يتذكر هؤلاء المبتذلون أن غاندي كان مناضلاً من طراز خاص، كان مثقفاً ومفكراً وشاعراً، وقد نبغ في السياسة من بين أحضان شعبه الجائع المقهور، وهو الذي أعاد لأمة الهند كرامتها ومكانتها بين الأمم.

* * *
bull; وبعد أن انتقل أحمد سوكارنو الى العالم الآخر، ظهرت الكثير من المؤلفات المسيئة التي نالت من تاريخ هذا الرجل الذي قارع الإستعمار مقارعة العارف بحاجة شعبه إلى الحرية والإستقلال وحاجة شعوب العالم الثالث إلى مثلها، فعقد الأمر على أن تكون أندونيسيا المتحررة نقطة إنطلاق لشعبها ولشعوب العالم الثالث، فمد يده لِنهرو وعبد الناصر وجوزيف تيتو وغيرهم من قادة العالم الثالث لتأسيس منظمة دول عدم الإنحياز التي كانت طوال الستينات موضع التأثير في مسرح السياسة الدولية.
bull; ولازالت أقلام بعض أولئك الكتبة من المتجنين تقوم بإعادة تقييم سيرة العُظماء ممن أحدثوا إنعطافات تاريخية هامة في حياة شعوبهم وبلدانهم والعالم أجمع... وتمتد هذه الأقلام إلى رموز عربية وأجنبية، ومنها جمال عبد الناصر.
إن هذه الأقلام غير الموهوبة وغير المعروفة تتكأ على روح العداوة حينما تريد تقييم تجربة سياسية أو مرحلة تاريخية أو رمزٍ من رموز الحياة العامة في هذا البلد أو ذاك.. وهي تخضع إما لكراهيتها الشخصية أو لإختلافها الفكري والإيديولوجي، فلا يعنينا أمر نيكروما أو لومومبا أو غيرهم من زعماء أفريقيا فيما إذا كانوا مجانين أم عقلاء كما كتب البعض عنهم، ولا يهمنا أيضاً مقارنة ضحايا لينين بضحايا ستالين وهتلر، ولا عدد الذين ماتوا في عهد عبد الناصر، وعدد الذين قتلهم غاندي وأحمد سوكارنو وتيتو، ولا نريد أن نخلق من الأقاويل حقائق، وإنما الذي يعيينا كثيراً هو مصداقية تلك المنابر التي تنشر مثل هذه الأقاويل غير النزيهة تجاه هذا الرمز العربي أو ذاك الرمز الأجنبي، أو تجاه تجربةٍ نضالية وتشويهها كما حدث من المحاولات اليائسة التي بذلتها وكالة الاستخبارات الأمريكية لتشويه المناضل جيفارا..
والغريب ndash; يُفترض - أن صحافة الغرب لا تسمح بنشر أي مادة إلا بعد أن تتحقق من مصداقيتها حتى إن كانت مع أو ضد.. إلا ما تعلق منها بتشويه رموز الشعوب من العظماء الذين رغم أن البعض منهم قد مضى على وفاته خمسة عقود، إلا أن أفكاره لا زالت تقض مضاجعهم.