bull;أيها الناس لقد تعب الفقراء والبسطاء من خطابات النخبة من وعاظ السلاطين التي تناشدهم بأن يمتثلوا لولاة أمورهم.. وهؤلاء الفقراء منذ قرون يتوسلون من أجل العمل على إنتشالهم من بوتقة الجوع والمرض والتخلف، فلم يجدوا أذناً صاغية..
فكان أن أحرق بوعزيزي نفسه، وثارت مصر غضباً، وتبعتها ليبيا واليمن وسوريا والبحرين، وهناك صرخات أخرى مكبوتة، يوماً ما ستنطلق..
وأمام هذا الغليان الذي يحدث، نجد أن هناك بعض المداحين من النخب ممن لم تقرأ التاريخ جيداً، لازالت تصور للشعوب عبر وسائط اعلامية متطورة : أن قادتهم رائعون، ملهمون، يسهرون على راحة مواطنيهم!!.. مع أن هذه النخب من ndash; المداحين ndash; يعلمون قبل غيرهم عدم صحة دعواتهم تلك.. وأن من يمتدحونهم ليل نهار من القادة إنما هم عبارة عن مجموعة من الأثرياء بسبب استيلائهم على أموال الشعوب، والبعض منهم غارق في الغباء والجهل، لأنه لم يفتح كتاباً في حياته.. إلا أن نخبة المداحين ممن لم يتعظوا بما حدث لزين العابدين، ومبارك، والقذافي، وصالح، وبشار، لازالوا يكيلون المدح، مراهنين على غباء الشعوب المدجنة التي يخاطبونها، غير مدركين الى ما سوف يحمله الغد.

* * *
عندما تصور أفلاطون شكل quot; المدينة النموذجية quot;.. وضع الفلاسفة والشعراء الموالين للأرستقراطية في قمة الهرم، بينما وضع الأقنان في قعر الهرم.. وأطلق أفلاطون على قمة الهرم تعبير quot; النخبة quot;، وهذه النخبة اليوم تتكرر في عالمنا العربي تحت عدة تسميات، منها النخبة الحاكمة، والنخبة التكنوقراطية، والنخبة السياسية ونخبة الكتاب والمثقفين.. وما إلى ذلك من تسميات!!
وما يعنينا هنا أن نأخذ من هذه النُخب نخبة المدّاحين الذين يحيطون بالنخبة الحاكمة.. فحسب مصطلحات أبناء النخبة هذه، فإن quot; العقل المركزي للقيادة quot; هو فوق الجميع.. وهذا المفهوم تفوق فيه هتلر، وستالين، وصدام، والأسد، وغيرهم..
وهؤلاء يبشرون بطراز جديد من النخب التي تؤمن بأن المبادئ تكمن في رضا القيادة، أي أن القائد أو الزعيم أو الملك أو الأمير أو السلطان هو الذي يحدد طبيعة المبادئ التي تسير عليها الأمة أو الدولة وهو الذي يعطي قراره بإتباع هذا المبدأ أو ذاك وعلى الرعية الاتباع!!
والملاحظ أن النخبة بإشراف وتخطيط العقل المركزي للقيادة، فرضت مكانتها الإستعلائية داخل الحصن وعلى الملايين المطوقة المحكومة بقوة الردع الفكري، والدموي أحياناً..
وبذلك جعلت من نظرية أفلاطون حقيقة واقعة حين تعاملت مع الناس في قعر الهرم من منطلق quot; القنانة quot;، بل وطالبتهم بتقديم الولاءات وممارسة طقوس quot;عبادة الفرد quot; الحاكم وتمجيده، كما لو كان الوحيد الذي يستطيع التفكير نيابة عن الشعب.. وبالتالي فإن قيم الثواب والعقاب مقرونة عبر إرادة الزعيم، أو الحاكم، أو الملك، أو الأمير، أو السلطان، وبأن صراط الحقوق المستقيم هو أداء الواجبات المفروضة على المواطنين بكل التزاماتها!!..

bull;وهناك طائفة أخرى من نخب المداحين ndash; الذين ما أنزل الله بهم من سلطان - يعتبرون الظلم الذي يصيب الناس في قعر الهرم عبارة عن عقاب لهم على خطيئة إرتكبها أبوهم آدم وأمهم حواء.. حيث يقولون quot; إن الإنسان ولد من جراء خطيئة آدم وحواء إلى دنيا العذاب والموت quot;.. وبذلك ينتزعزن بشرية الإنسان التي شكلت وجدانه وقيمه وتكوينه الفكري والنفسي، ومن ثم يدفعونه لأن يقف مشلولاً، بحيث تبدأ هذه النخبة بممارسة الردع المليء بالنصائح الأخلاقية التي ما فتئوا يمطروننا بها يومياً بخطاباتهم المتواصلة عبر المنابر.. وهذه هي أبشع عملية لغسل الدماغ يتعرض لها الإنسان في وطننا العربي.
والسؤال هنا.. من هو المقصود بالعبارات الطافحة بتلك النصائح الأخلاقية، والتي تطالب الانسان بنبذ أن يحصل على حقه في الحياة؟.. هل المقصود بذلك ملايين الفلسطينيين القابعين في مدن وقرى الطين والصفيح في أطراف العواصم العربية؟!.. أم هم فلاحي العالم العربي التعساء؟!.. أم تراهم البشر الأحياء ممن يتوسدون المقابر في مصر؟!.. لا أدري من هم المقصودون بتلك النصائح؟!.. لعل نخبة هؤلاء المغيبين عن هذا العالم، يقصدون بنصائحهم فقراء السودان أم اليمن أم الصومال، وأبناء العراق وغيرهم في الأوطان الأخرى..