مرحلة طويلة من الأحداث والصراعات انطوت منذ أن ظهر النفط في الوطن العربي، ومنذ أن بدأ إستثماره، ومنذ أن نشأ كقطاع أساسي وهام.. غطى على القطاعات الأخرى، وبخاصة قطاع الزراعة التقليدي في بعض البلدان النفطية.
وقد شهدت البلدان العربية ومعها دول الجوار الكثير من الأحداث والتطورات، واختلفت وسائل قياس النتائج بعد هذه الأحداث، ولكن بقي مقياس لا تخطئه العين ويخضع للجدل لأنه مقياس رقمي واضح وهو: قياس مستوى معيشة الفرد!..
فالحرب والسلم، الاقتصاد والسياسة.. كلها أمور مترابطة ومندمجة ومتصارعة فيما بينها، وتنعكس على حالة الفرد وحالة الأمة في آنٍ واحد.. ولكن بالنسبة للفرد، فإن السؤال دائماً هو: هل تحسنت وسائل معيشته أم تراجعت؟.. هل تمت تلبية حاجاته المعنوية والمادية بشكلٍ أفضل؟!.. وبخاصة فيما يتعلق بالغذاء والتعليم والصحة؟!..
هذا كله يمكن حسابه على صعيد دخل الفرد كتعبير عن مستوى معيشته.. إنه الرقم الذي يجيب عن السؤال الواضح!!
ففي تقارير البنك الدولي عن التنمية في العالم العربي يشير الى أن للبلدان العربية ودول الجوار الحيز الأكبر في التصنيف السياسي والاقتصادي.. وتستشهد التقارير بأن نسبة النمو لدخل الفرد العربي هي أقل نسبة نمو في العالم، تصوروا!!.. أقل نسبة!!.. مع ما للعالم العربي من ثروات هائلة بإمكانها أن تنقله إلى مصاف أعظم الدول، ومع أنه بإمكان أموال العالم العربي أن تحقق نمواً كبيراً بالقياس إلى الدول الأخرى التي تمتلك ثروات وموارد أقل منه بكثير..
ومفاجأة الأرقام، هي ما تعرضها التقارير حول المراحل الراهنة، أن أسعار النفط قد ارتفعت بأشكال مضاعفة عما كانت عليه في العقود الماضية.. وإن ذلك كما قيل سيخلق واقعاً اقتصادياً جديداً، حيث أدت عوائد النفط إلى حدوث حركة تنموية واسعة، امتدت آثارها من دول النفط إلى بقية الدول العربية، كما خلقت هذه العوائد إمتدادات أكثر للإقتصاد العربي في الأسواق العالمية التي أصبحت أكثر ارتباطاً بها..
ولكن مع كل هذه الإنطلاقة، بقيت نسبة النمو على مستوى الأفراد المختلفة، وفي حدود متدنية.. كيف هذا؟!.. وما فائدة التنمية إذا لم تُعنى بالإنسان العربي أولاً وأخيراً؟!.. وأين تذهب كل تلك الأموال الضخمة؟!
الجواب يتلخص في: أن بعض القادة العرب قد أنفقوا هذه الأموال التنموية غير الإنتاجية.. أُنفقت على الحروب، والاعلام الذي يجمل سياساتهم بشكل دائم..
والبعض الآخر منهم، افتتحوا مشاريع.. ولكنها أخفقت بسبب الارتجال في اتخاذ القرارات غير المدروسة.. ومنهم من احتكروا حاجيات البلاد الاستهلاكية، واقتصروها على أقاربهم وأزلامهم وبطاناتهم!!..
وهناك منهم من آمن بالتجارة الحرة، لكن هذه التجارة قد إقتصرت على المواد الكمالية فقط!!..
أما من اهتم منهم بتشييد المصانع، فإنه لم يسع لمصانع الانتاج الذي يمكن تصديره، وإنما اكتفى بمصانع تكميل المواد المستوردة من الخارج!!..
هذا عدا عن شراء وتكديس الأسلحة وما يستثمرونه منها من رشىً وعمولات، والفساد في أمر شراء الأسلحة وعمولات النفط سائد في المنطقة منذ سنوات طويلة..
وقد يسأل سائل: أليس هناك من إيجابيات؟!.. أجيب:
إن الثروات التي تمتلكها الأمة العربية.. سواء الطبيعية منها أو البشرية، تجعل من البنك الدولي يضع تقريره حتى العقدين القادمين، يشير فيه إلى أن هذه الأمة العربية هي في مؤخرة دول العالم المتقدم اقتصادياً، واجتماعياً!.. من أين لي أن أُشخص الحل غير الإشارة إلى تلك السلبيات؟!.. وإلى ذلك الفساد المتفشي في أوساط القيادات العربية، وهو الذي جعلنا في مؤخرة الصفوف..
وبسبب أنهم لا يؤمنون بالإنسان وبحريته، وبالتالي فإنهم يعيشون في حالة رعب من أي ظاهرة ديموقراطية.. فكان أن انتكست محاولات التقدم في هذا الوطن إلى الحضيض، وإلا فهل يُعقل أن بلداً كالعراق يعيش في مؤخرة الصفوف اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، مما دفع بأحد الشعراء يخاطب قادته قائلاً:
النفط والشعب والنهران ملككم وأنتم تشتكون الفقر والملقا؟
وما كشفت عنه التحقيقات عقب الربيع العربي عن مليارات حسني مبارك وعائلته وأزلامه، وزين العابدين وعائلته وأعضاء حزبه، وكذلك هو الثائر الأممي القذافي وأولاده وأعضاء قيادته العسكرية.. وفي بلد كاليمن تطحنه الأمية ويضرب الجهل أطنابه في البنية الاجتماعية والاقتصادية، نجد أن علي عبد الله صالح كان يمتلك المليارات هو وعائلته وأزلامه.. ناهيك عما يجري في سورية من فساد، حيث أن النفط كان ومازال الاتجار به محتكراً على عائلة مخلوف أخوال عائلة الأسد.. هذا ما كُشف عنه النقاب مؤخراً.. ماذا عن المستور الذي لم يُكشف أمره بعد، فالحديث عنه ذو شجون!!..
* * *
bull;واذا كنا نأمل خيراً من الربيع العربي فالنتائج التي نراها لا تُبشر بأن القادم أفضل من الماضي، ولكن ميزة هذا الربيع أنه كسر حاجز الخوف، وجعل من الانسان العربي يدرك أن ما وقع عليه من الضيم لقرون وقرون آن أن ينتهي.. حتى وإن حكم الأخوان المسلمون ضمن إطار الديموقراطية التي تضمن تداول الحكم وفقاً للمنهج الديموقراطي وحرية الأحزاب.
ومادام حاجز الخوف قد كُسر أمام وثبات الشعوب، فالأمل بمستقبل اقتصادي أفضل سيتحقق، ولكن ليس قبل أن تدفع هذه الشعوب ثمناً باهظاً لإزالة عوائق ترسبات التركة الثقيلة من جراء الفساد الذي كان مستشرياً في العقود الماضية.
- آخر تحديث :
التعليقات