لقد إنطلق العنف منذ أن قتل قابيل هابيل.. تلك الجريمة كانت ضربة البداية التي تلتها صراعات إتخذت شكلاً دموياً مأساوياً سنجده واضحاً عندما نستقرئ تاريخ المعارك والحروب التي أججها الإنسان ودفع ثمنها الإنسان.. ولكن لم يحدث أن تصاعدت موجات العنف إلى هذا الحد المفزع الذي يعيشه الإنسان الآن.. دع عنك ما يجري في مالي والجزائر، وانظر الى العالم الذي تحول الى فلم حربي عنيف جداً، أصوات الرصاص طغت على كل صوت، والمطاردات والملاحقات في كل مكان، ومساحات الدماء المراقة تزداد إتساعاً في كل يوم، والأسلحة النارية أصبحت في متناول اليد لدرجة أن الإستيلاء على طائرة بركابها، قد غدا عملاً ميسوراً، حتى الصبيان قد تمكنوا من تحويل مسار الطائرات وإتخاذ ركابها الأبرياء رهائن للمساومة على أتفه المطالب.
انظر حولك: سترى أعمال العنف والإختطاف وجرائم القتل الفردية والجماعية، أصبحت من الأمور اليومية.. وكلها تستند الى مرجعيات تراها مشروعة.. هناك في الصعيد المصري حيث ألقت الشرطة القبض على أُناس يتحكمون بأطنانٍ من الأسلحة ومنها صواريخ مضادة للطائرات.. هذا قبيل الانتخابات الرئاسية بأيامٍ قليلة، وفي مناطق أخرى فوق أرض الكنانة أخذ العنف يزداد بشكل مكثف، وكذلك احتل التيار العنيف مساحة كبيرة من أرض الجزائر وليبيا وتونس واليمن ndash; ولندع سوريا جانباً فالعنف هنا أمره يختلف ndash; وما جئنا عليه ما هو إلا عينات لمناطق شاسعة فوق يابسة هذا الكوكب.. بل ومياهه أحياناً ( في الصومال )!!..
* * *
bull;فمنذ نهاية الحرب الأولى والمصانع تتفنن في إبتداع الأدوات الفتاكة، والإنسان هو الضحية.. فحضارة هذا العصر بالرغم من إيجابياتها في مضمار الصناعة، إلا أنها فتحت الأبواب مشرعة أمام العنف ووضعت أمام الإنسان ألف وسيلة ووسيلة بدءاً من الخنجر والمسدس والمدفع والقنبلة والطائرات المقاتلة ومصانع الأسلحة النووية.. وكل أشكال التقتيل والتدمير.. وقالت للإنسان: أنت حرٌ.. نعم هذا ما قالته الحضارة لإنسانها المدمر!!..
لقد أعطت الحضارة لهذا العالم كل شيء، لكنها لم تعطه الطمأنينة والأمن والإحساس العميق بالإنسانية، فأفرز كل ذلك حالات العنف، وكانت الجريمة.. وكان الإرهاب..
* * *
bull;وكثيراً ما ترتفع الأصوات تدعو إلى الحوار بدلاً من الدمار وهذا شيء جميل.. لعل الأخوة في المناطق الساخنة بالعنف يجنحون إلى المجادلة بالحسنى!!.. ولكن منذ متى كان الحوار يُثمر نتائج تُلزم الأطراف التمسك بها ؟!.. فالحوارات التي جمعت الفصائل اللبنانية المختلفة سواءً في داخل لبنان وخارجه، كان يُفترض أن تجعل من هذا الوطن الصغير واحةً للحب والسلام بين اللبنانيين!!.. ولكن ما أن يحدث إنفلات، ولو على صعيد فردي، وإذا بكل الأطراف تضع أياديها على الزناد تحفزاً للدمار.. وهذا ما يحدث في طرابلس بين حينٍ وآخر!!..
وما ينطبق على لبنان يكاد أن يكون صورة طبق الأصل في الكثير من البلدان العربية.. والقلوب واجفة مما سيحدث في العراق على ضوء استنفار سنة الأنبار في مواجهة مظاهرات تأييد رئيس الحكومة من قِبل شيعة الجنوب.
* * *
bull;أمام كل هذا التاريخ الدموي المدمر، فإن الجميع يكذبون على أنفسهم بترديد: نحن أخوة لا تفرق بيننا المذاهب!!.. ويجمعنا وطن واحد!!.. وهم يعلمون جيداً أن قابيل كان شقيقاً لهابيل!!..