تصاعد في الآونة الأخيرة إهتمام دول العالم صغيرها وكبيرها بقضية حق النقض quot;الفيتوquot; الذي إحتكرته الدول الخمس الكبرى العضوة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وهذا الإهتمام جاء نتيجة للمستجدات التي طرأت على خارطة العالم بعد أن استخدمت كل من روسيا والصين حق الفيتو بعدم إدانة مجلس الأمن للنظام السوري، والذي يبدو لي أن روسيا وأمريكا قد تبادلتا وجهات النظر في هذا الموضوع ndash; السوري ndash; فكان استخدام هذا الحق الذي تمخض عنه إزهاق آلاف الأرواح في سوريا، ولازال العنف مستمراً دون حل يلوح في الأفق..
ومنذ سنوات تجري المحاولات لإضافة دول كبرى أخرى لكي يكون لها الحق باستخدام الفيتو، ولكن المحاولات لم يحالفها النجاح.. ويبدو أن دول العالم الثالث وبخاصة الهند، وهي أكثر الداعين إلى إعادة النظر في تشكيلة مجلس الأمن، وذلك لأن ظروف العالم قد تغيرت ولم يعد هنالك ثمة صراع للأقطاب، كما لا يوجد من يُمثل هذه الدول في هذا المجلس الذي يمتلك أيضاً صلاحيات تنفيذية قادرة على إتخاذ الإجراءات المختلفة تجاه الدول الأخرى.
ولكن ردود الفعل لا زالت غير مشجعة من قبل الدول العظمى وغيرها وبخاصةً الولايات المتحدة وإسرائيل، فالأولى تحاول إستبعاد دول العالم الثالث كلياً عن هذا المجلس، لإعتبارات تخضع لإستراتيجيتها السياسية والإقتصادية والعسكرية، فدول العالم الثالث تدخل ضمن دائرة المصالح القومية للولايات المتحدة.. وبعبارة أخرى أن هذه الدول أصبحت الآن بعد غياب الإتحاد السوفييتي لقمة سائغة في فم الولايات المتحدة ولا تريد أن تتحول هذه اللقمة إلى شوكة تغصبها متى ما أرادت إبتلاعها.
وعلى هذا الأساس، فإن quot;الفيتوquot; يبقى السلاح الذي تشهره الولايات المتحدة وحلفائها لتعويض أي مشروع لا يتناسب ورغبتها.
وطبعاً لم تعد الولايات المتحدة، كما كانت في السابق لسان حال الأمم جميعها، بسبب إزاحة القطب الآخر quot; الإتحاد السوفييتي quot; من دائرة الصراع وإنفراد الولايات المتحدة كقطب واحدٍ وحيد في قيادة العالم.
ومن هنا نجد أن إسرائيل هي أكثر المتحمسين بعد الولايات المتحدة لفكرة استبعاد دول العالم الثالث عن عضوية مجلس الأمن بصورة دائمة، ونحن نعرف دواعي إسرائيل التي لا تضمرها، حيث تعتبر أن قيام هذا الإجراء من شأنه أن يفتح الطريق لوصول ممثلين عن دول عربية أو غير عربية معادية لإسرائيل إلى عضوية مجلس الأمن.
إذن سيبقى مجلس الأمن ويبقى حق النقض quot; الفيتو quot; بيد الدول العظمى وبالذات بيد الولايات المتحدة حليفة إسرائيل قائماً، وستبقى الأمم المتحدة عبارة عن هيئة إستشارية تابعة للإدارة الأمريكية، أما بلدان العالم الثالث، ومن بينهم البلدان العربية فعليهم أن يقبلوا بما تريده هذه الدول، وأن يوافقوا على تبعيتهم لها، وأن يفتحوا بلدانهم باستمرار أمام الجيوش الأجنبية التي تحوم حول النفط العربي والفوسفات العربي والحديد العربي.. وأن تقبل الدول العربية بسرقة خيراتها ومخزونها النفطي من قبل الدول الكبرى باسم الشرعية الدولية وباسم المصالح العليا المشتركة وباسم حماية المنطقة من التوترات والحروب التي تتحمل تلك الدول تبعية قيامها وليس الدول العربية.. وعلى إسرائيل أن تنام مرتاحة البال ساكنة الأعصاب لأن quot;الفيتوquot; الأمريكي بالمرصاد لأي دولة عربية أو غير عربية تطالب بتوسع حق النقد الفيتو، وأن لا يكون مقتصراً على الدول الخمس فقط!..