تيسر لي في غضون الأشهر الماضية أن أحضر أكثر من ندوة أقيمت هنا وهناك ما بين الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول أوروبا، فخرجت منها بهذه النتيجة..
bull;كثيراً ما يتهمنا أصدقاؤنا بل وحتى أعداؤنا الأجانب، بأننا نحن العرب نعرف بالشرائع والنظم والعلوم والقوانين السماوية والوضعية أكثر من غيرنا، لكننا - حسب هؤلاء الأجانب - نتحدث أكثر مما نعمل، وإلا لماذا مازلنا نعيش حالات البؤس والتخلف والتراجع!!..
ويحاول هؤلاء الأجانب الإستعانة بالتاريخ، ليؤكدوا أننا نحن العرب نقلنا الحضارة إلى أجزاء من العالم، ولكننا لم نستطع التمتع بثمار هذه الحضارة، في حين أن الأمم الأخرى التي دخلها العرب أصبحت الآن من أرقى الأمم وأكثرها إزدهاراً وتطوراً.
وظهر من العرب الفلاسفة والعلماء ورواد العمارة الإسلامية والشعراء والأدباء والمثقفون المبدعون الذين كتبوا بلغة العرب أرقى ما توصلت إليه فنون الإبداع الانساني!!..
وقد فتح العرب الأندلس وما يحيطها وصقلية وأجزاء في الجنوب الإيطالي بل وأجزاء في فرنسا، فضلاً عن أوروبا الشرقية.. غير أن عجلة التاريخ تراجعت بسبب خلافات أبناء الأسرة الإسلامية الواحدة - كما يحدث حالياً -، وفي كل مرحلة من مراحل التطور العربي الإسلامي، وإنعكست هذه الخلافات على مستقبل العالم وبدأت المراكز الحضارية العربية والإسلامية تتمزق بعد أن تمزقت وحدة الصف وتغلبت الصراعات على أركان العالم العربي والإسلامي، ويقول هؤلاء الأجانب، إنظروا إلى اوروبا رغم العديد من الخلافات فيما بينها إستطاعت أن تبني لها نظماً وحياة ديموقراطية متطورة، بينما العرب لازالوا يعيشون في بعض الدول والمناطق حياة القرون الوسطى، مع التأكيد على أن هذه الدول إما أن إحتلها العرب والمسلمون، أو كادت أن تسقط بين أيديهم.. ومعنى ذلك أنهم كانوا ndash; أي العرب - أكثر تقدماً حضارياً من غيرهم، وإلا فكيف إستطاعوا ان يروضوا العالم ويضعوه تحت قبضتهم في ذلك التاريخ الذي أصبح ماضياً.
ويستخلص هؤلاء الأجانب أن العلة في العرب أنفسهم، وفي أسلوب حياتهم وفي طبيعتهم الصحراوية التي استورثوها والقائمة على التغني بالأمجاد الغابرة.
* * *
bull;لكن هؤلاء الذين يتحاورون هنا وهناك في المنتديات التي لا تتوقف، يتجاوزون عما قامت به دولهم من استعمار ومن زرع كيان لقيط غادر في جسم الوطن العربي.. فبسببه تبددت ثروات العرب ولازالت تتبدد، فلا تنمية إقتصادية، ولا إستقرار سياسي ولا تضامن عربي أو وحدة عربية.. ثم هناك الأنظمة الدكتاتورية الفردية التي ابتلى فيها العالم العربي بمساعدة الدول الكبرى.. حتى أصبح من الصعب جداً أن يفهم العالم أن هنالك أمتين، أمة حاكمة تستخدم الإرهاب والعنف والإضطهاد - وهذا توصيف مجازي -.. لكن الحقيقة الماثلة أن هؤلاء الحكام هم أساس البلاء والبلوة في تدمير مكانة وديمومة الزمن العربي الراهن، وهم العقبة الأساسية في بناء المجتمع المعاصر.. وتحول دون تطبيق الخيار الديموقراطي الذي يهدف الى إقامة المجتمع العادل الذي يتمتع بالمساواة ويضمن حقوق الإنسان!!.. يبدو أن الربيع العربي الذي انبثق كمطلب شعبي أُريد له أن يولد مشوهاً كي لا يلحق بالركب الحضاري، لأن القائمين عليه الآن من ذوي التوجهات المتخلفة وإن أفرزهم الصندوق، فهؤلاء أضافوا للانسان هماً جديداً فوق همومه السابقة!!..
وما يجري فوق أراضي ثلاث حضارات عظيمة ( العراق )، ( سوريا )، ( مصر ) يُدمي القلوب.. ولكن الذين يتحاورون هنا وهناك في أمريكا وأوروبا ينسون عن عمد أن كل ما يحدث في وطننا من مآسٍ بدأ منذ أن انطلقت صيحات اليهود من بازل لإنشاء وطن قومي لليهود.. وتبنى هذه الصيحات العالم الغربي بوعد بلفور، ثم جاء سايكس بيكو.. وهلم جراً..
bull;والمؤسف أن من يطالع وسائل الاعلام العربية بكل فروعها وهي تحلل ما يجري يُصاب بدهشة عندما يقرأ تحليلات طلائع المثقفين العرب، وبالذات مثقفو البترو دولار وهم يناشدون الأمة بالاستسلام للأمر الواقع، وإن العدو الحقيقي هو ليس اسرائيل أو من يساندها، وإنما هناك عدو آخر علينا مواجهته!!.. حتى بات الرأي العام العربي ndash; الرسمي وغير الرسمي ndash; لا يرى أن هناك خطورةً من وجود اسرائيل فهي بلد ديموقراطي يدعو الى السلام العالمي!!.. أنها والله لكارثة!!..
- آخر تحديث :
التعليقات