لعلها واحدة من أهم الظواهر المجتمعية و السياسية التي باتت تؤرق متابعي الشأن المغربي في العالم العربي، فزيادة أعداد الشباب المغربي في صفوف الجماعات و التيارات الجهادية و الأصولية باتت تطرح إشكالية حقيقية حول المناهج التربوية و كيفية التعاطي مع الملف الشبابي وطبيعة التوجهات الفكرية والآيديولوجية لمجتمع يشكل الشباب الغالبية العظمى فيه في ظل زمة إقتصادية طاحنة، ووضعية إجتماعية غير مريحة، وبطالة تضرب أطنابها حتى العمق، وفي ظل جوار متلاصق للقارة الأوروبية التي لم تعد كما كانت في السابق أرض المن و السلوى و العسل، بل تحولت لتكون أرضا وبيئة طاردة للهجرة و المهاجرين في ظل إستفحال ألأزمة الإقتصادية للعالم الرأسمالي و المترافقة مع تخبطات كبيرة في إدارة الملفات الدولية و تصاعد التيارات المتطرفة لمختلف الآراء و التوجهات و الجماعات الدينية في جنوب العالم و اليمينية المتطرفة في شماله، فظاهرة تطوع الشباب المغربي أو المغاربي على وجه الدقة في مناطق النزاعات السياسية/ العسكرية في الشرق الأوسط خصوصا قد شهد زيادة مضطردة منذ عقدين من الزمان، إبتدأت مع ظاهرة الأفغان العرب الذين يشكل المغاربة نسبة عددية ملفتة للنظر فيها و تصاعدت النسبة مع حرب إحتلال العراق و ما وفرته من بيئة خصبة للجماعات الجهادية التي شربت الفخ الأمريكي الذي حول العراق لميدان رماية وقتل و إصطياد للجماعات الأصولية التي تدفقت على ذلك البلد المنكوب لتقاتل بشراسة ودموية من أجل قضية خاسرة أصلا تداخلت فيها الرؤى و أنعدمت فيها الرؤية، و الغريب أن الفئات العمرية التي تتطوع للقتال في المناطق الساخنة و تنفصل عن أهاليها لتمارس القتال وغاليا ماتعود على شكب جثث ممزقة أو تعتقل في معتقلات بعيدة و لفترات طويلة هي من فئة الشباب الصغير المراهق الذي لم يتفتح وعيه بعد على حقائق الدنيا، ويفضل ترك الدراسة أو العمل و إعالة الأسرة من أجل المساهمة في حروب لن يخرج منها بنتيجة شخصية له، بل أنها تعبر فقط عن الإستجابة لمرحلة فورة الشباب وحماسها و نتيجة لغسيل المخ الفظيع الذي يتلقاه في المساجد أو الزوايا أو من خلال منتديات الإنترنت، ومن الملاحظ إن غالبية الشباب المغربي المجاهد يأتي من شمال المغرب و تحديدا من منطقة ( الريف ) المغربي! و المعروفة في أدبيات الإعلام المغربي بكونها من المغرب ( غير النافع )!
وهي مناطق كانت و لفترات طويلة إمتدت منذ بواكير الإستقلال عام 1956 وحتى فترات قريبة محرومة من خطط التنمية و التطوير و برامج التشغيل و الإدماج، وكانت تعتمد على خزان الهجرة للقارة الأوروبية و الذي يعتبر حلم الشباب المغربي و حتى العربي بشكل عام، كما أن صغر أعمار الشباب و المتراوحة بين 16 و18 عاما فقط لاغير يلقي مسؤولية أخلاقية كبرى على الدولة التي فشلت في إستيعاب الطاقات الشبابية و تركتها لخيارين أما خيار الإنغماس في عالم المخدرات و الحشيش و الكيف، أو الخيار الآخر وهو الخيار الجهادي، وحيث أضحت الجماعات الأصولية المجاهدة المقاتلة تعتمد على خزان الشباب المغربي لسد إحتياجاتها من المقاتلين في المناطق الساخنة!، أما الحكومات المغربية فهي غارقة في مشاكلها البنيوية المستعصية، وتفتقد برامجها لأي برنامج إستيعابي حقيقي لتلكم الطاقات، فحتى التجنيد في المغرب ليس إجباريا بحيث يمكن الإستفادة من تلكم الطاقات في بناء البلد من خلال القوات المسلحة نتيجة لأسباب إدارية ومالية وبرامجية بحتة، وفي ظل إنسداد الأفق و سوداوية المستقبل و الزيادة السكانية المهولة وغياب البرامج التنموية الحقيقية وليس الإستعراضية يبدو اللجوء للخيار الجهادي و للمشاركة في حروب أفغانستان و الصومال و العراق و مالي و أخيرا سوريا بمثابة البديل الحقيقي لأزمة إستغلال الطاقة الشبابية المغربية، فالشباب الذي يذهب للقتال في مناطق ساخنة وغريبة عنه لا يمتلك من أدوات الثقافة أو المعرفة شيئا سوى ما يلقنه أولئك الذين يجندونهم من أفكار متطرفة لاتلبي سوى حاجة الجماعات المسلحة لخزين ستراتيجي من الشباب المقاتل دون الإلتفات لخلفياتهم الإجتماعية ولمعاناة أسرهم و عوائلهم و زوجاتهم و أبنائهم، مما يطرح إشكاليات و مصائب مضاعفة تقف أمامها الدولة عاجزة بالكامل عن مداواة الخروق و الجروح المتسببة في ظاهرة الإقدام على الإنتحار من خلال الجهاد في الشرق و الغرب، المسألة تمثل خطر وطني ستراتيجي و أمني حقيقي، ففشل الدولة في إستيعاب طاقات الشباب رغم المخصصات المالية الهائلة من صناديق الدعم العربية و الدولية لبرامج التنمية يطرح تساؤلات حقيقية حول قدرة الحكومة على التعامل مع هذا الملف الخطير الذي يضرب في أعماق الأمن الإجتماعي للمغاربة، فالعائدون من تلكم الغزوات يشكلون مشكلة أمنية غير مريحة بالمرة وهم على إستعداد لنقل خبراتهم الميدانية للداخل كما حصل في حالات عديدة منذ 16 مايو 2003 وحتى اليوم، فالقنبلة الشبابية في المغرب خطيرة و ملغومة و تكون أشد خطورة في ظل الأزمة الإقتصادية الطاحنة و إنسداد الأفق و غياب البرامج الحكومية الفاعلة وعدم القدرة على إستيعاب ملايين الشباب، لاتبدو أي حلول في الأفق أو على المدى المنظور، ومالم يتم تدارك الموقف و تفعيل مؤسسات المجتمع المدني و المشاركة الحكومية الفاعلة في البرامج التنموية فإن البديل المستقبلي مرعب بكل ما تحمله الكلمة من معنى.