لا تفيد كثيراً عملية العودة إلى تمحيص بنود بيان جنيف الأول، أو البحث عن الفوارق التي يحملها الثاني، كما لا يمكن لأي عقلية مهما كانت خبيرة بنصوص الإتفاقيات إجتراح المعجزات وإستيلاد مقاربة صالحة للحل من هذا النص المربك والمعقد.

نص يفيض أزمة من متنه وهوامشه، ثمة أعطال في آليات التنفيذ تجعل إمكانية تحريك العملية أمراً مستحيلاً، وثمة لبس في الضمانات والإلتزامات ومألات الإتفاق وما سينتج عنه، وثمة إشكاليات وعلامات إستفهام حول طبيعة الأشخاص والجهات التي سيوكل إليها تنفيذ الاتفاق. الخلاصة الوحيدة أن هذا النص بحد ذاته يشكل أزمة في المفاهيم التي يتأسس عليها وفي المنطوق السياسي الذي يصدر عنه، ويحمله، بنفس الآن. فضلاً عن كونه ينوء تحت ثقل شبهة عدم جدية الأطراف الراعية له.

ليس غريبا ان تتلاقى كل شروط الأزمة في نص دولي، بل وتتضافر لإنتاج سياق مواز ويفوق في تعقيداته وقائع الأزمة المعاشة على الأرض، رغم هولها، ما دام quot; النصquot; هو نتاج أزمة أكبر أكثر تعقيداً، وما دامت الصياغات والمنابر هي ميادينها الممكنة والمتاحة، ذلك أن الحالة السورية لم تعد تعيش على صدع الأزمات الدولية، بل أن الأزمات الدولية ذاتها باتت المغذي الأكبر لكتلة التعقيدات التي تعيشها أزمة سورية.

لم يعد خافياً عن الأنظار أن العالم، وبعكس مراحل كثيرة سابقة عاصرتها أجيالنا، يعيش تحت وطأة أزمة تراتبية القوة الدولية، حيث توجد مجموعة من الدول، عندما تعد على نفسها عناصر القوة، تجد انها أكملتها، وتجد أنها إكتملت شروط حصولها على مواقع مؤثرة وفاعلة، لكنها في التطبيق العملي لا تستطيع ترجمة ذلك من ناحية الفعالية والتأثير والحضور،فتنصرف ردات فعلها على هذه الحالة بتجريب قدرتها في التعطيل والتخريب، أي إثبات أهليتها في الجوانب السلبية والمؤذية، مثال ذلك روسيا والصين ودول البريكس عموماً. وثمة دول تبدو انها فقدت كثير من عناصر القوة لديها لكن حاجة العالم لها وعدم وجود بدائل ناجزة تبقيها موجودة على خط الفعل، ولكن بفعالية أقل لا تؤهلها لإنجاز فعل إيجابي، مثال ذلك الأكثر سطوعاً، الولايات المتحدة الأمريكية.

بالتزامن مع ذلك، يعيش العالم في قلب أزمة إقتصادية مالية تهز كل أركانه، وليس المراكز الرأسمالية التقليدية، على ما تحاول بعض الدعايات ترويجه، حتى الصين تقع في قلب هذه الأزمة وتحت نذير تداعيات إجتماعية وإقتصادية وسياسية كاملة، وهذه الأزمة سببها التحولات السريعة في أنماط الإنتاج وأسعار العملات وحالة عدم الثبات والإطمئنان الإقتصادي.

ولا شك ان هذه الحالة إنعكست أزمة قيمية ثقافية بدأت تعبيراتها واضحة من خلال تمظهرات عديدة، في أكثر من مكان في العالم، بعضها عبر عن نفسه على شكل إنطواء تجاه العالم ولا مبالاة بمشاكله وقضاياه، كحالة المجتمعات الأوروبية، وبعضها الأخر في حالة تحفز وإستنفار وترقب، مثل حالة الكثير من المجتمعات الأسيوية واللاتينية.

وهنا، وعند هذه الخلاصة، لا بد أن ثمة سؤالأ بدأ يفرض نفسه على هذا النص التحليلي، لماذا ظهرت هذه الأزمةquot; الأزماتquot; على هامش الحدث السوري دون غيره؟، ولعل الإجابة المتوفرة والسهلة حتى اللحظة تلك التي تذهب إلى أن الحدث السوري، بمواصفاته وقماشته وتركيبته، جاذب لكل أنماط التناقضاتquot; الأميركي- الروسيquot; quot; السني- الشيعيquot; quot; الأوروبي- الأسيويquot; quot; الشرقي ndash; الغربيquot; quot;النفط الأحفوري - والنفط الصخري - والنفط البحريquot;.

ليس معنى ذلك أن حل الأزمة السورية مرهون بتفكيك شبكة الأزمات المذكورة، ولا بإيجاد توافقات حول بعضها، على شكل صفقات وغير ذلك، أطراف الأزمة دمرت كل إمكانية حصول صفقة فيها، وإنما المقصود هو بحث العالم نفسه عن طريقة يستطيع أن يتعايش معها كأزمة مفتوحة ومديدة، ربما تكون مثل الأزمة الكورية طوال النصف الثاني من القرن العشرين

على ذلك، يبدو أننا أمام سياق نصوص جنيف قادمة تحمل أرقام 3 و4...ألخ، بإنتظار أن يتخطى العالم أزمته الحقيقية، والتي لا يجسدها هنا شخص بشار الأسد ولاquot; جبهة النصرةquot;، بقدر ما ثمثلها حاجة العالم في هذه المرحلة إلى ميدان يتصارع فيه قانونياً وأخلاقياً وسياسياً، إلى حين الثبات على هوية جديدة وتوصيف أخر، وإلى ذلك الحين ليس أمام الصراع السوري سوى إكمال دورته وإخراج كل ممكناته ومكامنه.