يسعى النظام السوري، بكل ادواته وباشراف ايراني وروسي الى تغطية المجازر التي يقوم بها في حقّ الشعب السوري. يفعل ذلك عن طريق الاستمرار في المتاجرة بالقضية الفلسطينية والفلسطينيين واطلاق الشعارات المضحكة- المبكية من نوع quot;المقاومةquot; وquot;الممانعةquot;.
لا يفوت فرصة الاّ ويعلن أنه مع فلسطين، علما أن كلّ ما فعله هو الرهان على حال اللاحرب واللاسلم من جهة وعمل كلّ شيء من أجل بقاء الفلسطينيين في حال من البؤس تزيد من عذاباتهم وشقائهم من جهة أخرى. مثل هذه السياسة القائمة على الاعتماد على الشعارات والهرب المستمر الى خارج تفسّر تركيزه، مع حلفائه، على أهمّية احياء ذكرى quot;نكبةquot; فلسطين في العام 1948 في الخامس عشر من أيّار- مايو.
لدى العودة سنوات الى خلف، أي الى أيّام quot;النكبةquot; قبل خمسة وستين عاما، نجد أنه كان هناك دائما ما يجمع سوريا وروسيا، حتى قبل قيام النظام الحالي في دمشق. كانت هناك دائما سياسة سوفياتية وروسية تقوم على الهدم انطلاقا من ضرورة أخذ العرب الى مآزق لا يستطيعون الخروج منها الاّ عن طريق الاستعانة بموسكو. كان، ولا يزال مطلوبا، الاستعانة بالكرملين من أجل بقاء العرب ضعفاء تحت رحمة الدب الروسي.
في الذكرى الـ 65 لـquot;النكبةquot;، تبدو موسكو وquot;النكبةquot; توأمان. هناك رفقة عمر بينهما. من يتابع تطوّر الاحداث، يكتشف أن الاتحاد السوفياتي لم يكن يوما مع العرب. أما روسيا الجديدة التي ورثت الامبراطورية التي لم تكن سوى نمر ورق، فهي تتّبع السياسة نفسها. لو لم يكن الامر كذلك، لكانت روسيا أوّل من سارع الى ادانة الجرائم التي يرتكبها النظام السوري ولكانت أكّدت بذلك أن شيئا ما تغيّر في موسكو وأن لا حاجة الى دعم الانظمة الديكتاتورية على حساب الشعوب العربية.
كان الاتحاد السوفياتي أوّل من اعترف بدولة اسرائيل بعد قيامها. سبق في ذلك الولايات المتحدة. صوّت مع قرار التقسيم ولم يقل للعرب حقيقة ما يدور في العالم وحقيقة التوازنات الاقليمية التي لا تسمح بشنّ حرب على اسرائيل والتي تفرض عليهم القبول بالقرار وأن مصلحتهم في ذلك.
في كل محطة مهمة من المحطات التي مرّ بها الشرق الاوسط، كانت موسكو تدفع بالعرب الى الهاوية. وعندما تعرّضت مصر للعدوان الثلاثي في العام 1956، عاد الفضل الى الولايات المتحدة في اعادة بريطانيا وفرنسا واسرائيل الى جادة الصواب وتأمين الانسحاب من سيناء.
بدل أن تسعى القيادة السوفياتية وقتذاك الى اقناع جمال عبدالناصر بأنّه لم يحقق انجازا عسكريا وأن عليه التوقف عن اللعب على نغمة الانتصار لالهاب quot;الجماهيرquot;، لقي ناصر ترحيبا سوفياتيا لدى اطلاقه العنان لخطاب سياسي فارغ اوصل مصر الى الوحدة مع سوريا التي عادت بالويلات على البلدين واسست للنظام الامني في دمشق. حصل ذلك على حساب الشيوعيين اللبنانيين والسوريين الذين لم يكونوا في حسابات الكرملين سوى وقود يستخدم في عملية لاهدف لها سوى تكريس هيمنة الانظمة الديكتاتورية على الشعوب العربية.
اعتقد الاتحاد السوفياتي أنه سيكون المستفيد الاوّل من مصر الناصرية التي لم تكتف بتدمير الاقتصادين المصري والسوري، بل لعبت دورا مهما في اطاحة النظام الملكي في العراق. منذ اطاحة هذا النظام في الرابع عشر من تموز- يوليو 1958، لم ير العراق يوما ابيض.
أخذ الاتحاد السوفياتي العرب الى حرب 1967. كان في استطاعته شرح حقيقة الوضع والتوازنات العسكرية لعبدالناصر، لكنّ الرغبة في اخذ مصر الى الهاوية بدعم من البعث السوري، كانت أقوى. كان لا بدّ من اذلال مصر، كي تسهل السيطرة عليها لا اكثر ولا أقل، وذلك في ظلّ حسابات مرتبطة اساسا بمرحلة الحرب الباردة!
لدى عرض ما قدّمه الاتحاد السوفياتي للعرب منذ quot;النكبةquot;، نكتشف أنه لم يتردد يوما في توفير الاسلحة اللازمة للديكتاتوريات العربية كي تقهر شعوبها وليس لمواجهة اسرائيل او اجبارها على التوصل الى تسوية معقولة ومقبولة مع الشعب الفلسطيني. كان الهدف استخدام منظمة التحرير الفلسطينية في خدمة الاهداف السوفياتية، في اطار الحرب الباردة، وليس مساعدة الشعب الفلسطيني في تحقيق اهدافه واستعادة بعض حقوقه. هل صدفة أنه لم تصدر يوما كلمة حقّ عن موسكو تجاه لبنان عندما تورط الفلسطينيون، بطلب سوري، في حروبه الداخلية وفي اقتتال ذي طابع طائفي؟
لم يتردد الاتحاد السوفياتي يوما في تخريب العقل العربي أكثر مما هو مخرّب. وصلت به الامور الى دعم قيام نظام ماركسي في ما كان يسمّى اليمن الجنوبي بغية القضاء على امكانية قيام دولة مزدهرة في تلك المنطقة من العالم العربي. ساهمت موسكو الباحثة عم موطئ قدم في شبه الجزيرة العربية في القضاء على ميناء عدن الذي كان احد أهم الموانئ في العالم. كان حظ عدن سيئا نظرا الى أن اليمن الجنوبي استقلّ في العام 1967 في وقت كانت قناة السويس مغلقة. اغتنم السوفيات هذه الفرصة لوضع يدهم على البلد معتقدين أنهم سيستغلون اليمنيين في الجنوب كي يتوسّعوا في اتجاه الشمال من جهة وفي اتجاه سلطنة عُمان من جهة أخرى. من يتذكّر ثورة ظفار وما رافقها من دعم مصدره اليمن الجنوبي بمباركة سوفياتية؟
لا حاجة الى الدخول في تفاصيل الاضرار الذي خلفتها السياسة السوفياتية في كل بلد عربي. لم يكسر الحلقة المغلقة، التي اراد السوفيات أن يدور العرب في اطارها، سوى انور السادات بحسناته وسيئاته. طرد السادات الخبراء الروس من مصر في العام 1972 وخاض حرب 1973 من أجل الوصول الى تسوية تعيد سيناء بدل البقاء في اسر منطق اللامنطق الذي تنادي به موسكو.
في المقابل، بقيت سوريا اسيرة هذا المنطق نظرا الى أن النظام فيها لا يريد استعادة الجولان ولا هدف له سوى وضع العراقيل في طريق تقدّم القضية الفلسطينية ولو خطوة واحدة الى أمام.
كان الامل كبيرا في حصول تغيير ما في موسكو بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وقيام روسيا الاتحادية قبل 21 عاما.
لم يحصل شيء من هذا القبيل. لا تزال موسكو تزوّد النظام السوري بالاسلحة والمساعدات من أجل قتل شعبه...ولا يزال بنيامين نتانياهو مرحبّا به في الكرملين.
بعد خمسة وستين عاما على quot;النكبةquot;، لم يتغيّر شيء في موسكو. لا تراجع في سياسة تخريب الوضع العربي قيد أنملة!
التعليقات