لا بدّ من الانتظار قليلا قبل الادلاء برأي في شأن الانتخابات الكويتية وما اسفرت عنه.هل انتهت جوانب كثيرة من الازمة السياسية في الكويت بانتهاء الانتخابات النيابية التي جرت للمرة الاولى على اساس الصوت الواحد، ام ان الابواب شرعت لجوانب اخرى ذات طابع مختلف من الازمة على قاعدة ما ادت اليه الانتخابات؟
في بلد مثل الكويت من الضروري الانتظار قبل الاجابة، فهنا التسرع في الاحكام والمواقف لا يستقيم، كذلك الامر بالنسبة الى الرهانات سواء اتت من السلطة ام من المعارضة. فالسلطة التي راهنت على مشاركة شعبية اوسع وعلى خوض شخصيات معروفة السباق الانتخابي خسرت بعض رهانها وان كانت نسبة المشاركة التي تجاوزت الاربعين في المئة تعتبر كبيرة قياسا لحجم الضغوط التي فرضت على المرشح والناخب. كذلك خسرت السلطة رهانها على فوز بعض المرشحين من قبائل معينة او مناطق معينة. هذا لا يمنع الاعتراف بأنّ نسبة المشاركة تعتبر في نظر مراقبين محايدين اكثر من معقولة اذا اخذنا في الاعتبار أن تلك النسبة في الانتخابات الماضية كانت 58 في المئة...وذلك من دون أن تكون هناك اي دعوة للمقاطعة او للتظاهر!
اما المعارضة فخاب رهانها على نسبة مشاركة تقل عن 20 في المئة، وخاب رهانها على خلق ظروف تحول دون اجراء الانتخابات، وخاب رهانها على هز استقرار الوضع العام من خلال زج الشبان في مواجهات مع قوى الامن واحتلال الشارع بالندوات والمسيرات.ساهمت المعارضة التي دعت الى المقاطعة، من حيث تدري او لا تدري، في وصول تلك الكتلة الشيعية الكبيرة الى البرلمان في وقت تحتاج فيه الكويت اكثر ما تحتاج الى الابتعاد عن كل نوع من انواع التجاذب المذهبي او العشائري او التفريق بين البدو والحضر.
ربما كان من اهم ما افرزته النتائج حصول الطائفة الشيعية على 17 مقعدا في البرلمان وهو الامر الذي يحصل للمرة الاولى في تاريخ الكويت، وهو يعني ان النواب الشيعة ستكون لهم اليد الطولى في كثير من الامور التنظيمية والتشريعية تحت قبة عبد الله السالم (قبة مجلس النوّاب)، سواء لجهة انتخاب رئيس مجلس او لجهة التمثيل في الحكومة او لجهة الاستجوابات المقبلة او لجهة اصدار قوانين وتشريعات...او الاعتراض على جانب من السياسة الخارجية والمعاهدات والاتفاقات ذات الطابع الاقليمي.
قريبون من مراكز القرار في الكويت يرون ان وصول هذا العدد من النواب الشيعة الى البرلمان سببه المقاطعة التي جرت في عدد من المناطق حيث كان يستحيل فوز اي من هؤلاء لو شارك ابناء هذه المناطق بكثافة. لكن هؤلاء لا يبدون اي مخاوف من حصول الشيعة على ثلث مقاعد المجلس ويقولون انه لن يكون الثلث المعطل بل الثلث المنتج. ويرفض القريبون من مركز القرار التعامل مع النواب الشيعة على اساس انهم كتلة طائفية واحدة quot;ففيهم من التنوع واختلافات الرؤى الشيء الكثيرquot;، ويعتبرون ان هدف الامير الشيخ صباح الاحمد ان يكون النائب ممثلا فعلا للدائرة والوطن لا للطائفة، وان استيعاب كل التيارات مهما بلغت من الاعتدال والتطرف تحت سقف اللعبة السياسية quot;هو الامر الوحيد الممكن للحؤول دون اتساع الخلافات افقيا في الشارع وعموديا في هيكل النظام السياسيquot;.
آخرون يعتقدون ان الكتلة الشيعية متماسكة، وأن موالين لايران باتوا يسيطرون عليها عبر جمعية معروفة. اكثر من ذلك، هناك في الكويت من يعتقد أن الكتلة الشيعية تضم ايضا خمسة نوّاب سنّة على الاقل يعود الفضل في وصولهم الى مجلس الامة للصوت الشيعي اوّلا واخيرا. وهذا يعني في طبيعة الحال أن الوزن الايراني في الكويت صار يحسب له حساب (اكثر من 22 نائبا من اصل 50 يشكلون مجلس الامة).
بعد الانتخابات صارت الكويت داخل مثلث اضلاعه الحكومة والبرلمان والمعارضة. الامر الاكيد، مرّة اخرى، أن الانتخابات لم تجب عن كلّ الاسئلة بما في ذلك كيف تتسع الحصص وتمتد ومن يأخذ من درب من ومن يقوى ومن يضعف؟
اسئلة تحتاج الى ترقب قبل التسرع في الاجابة والدخول في متاهات التفسيرات غير المقنعة. لكن المهم في الامر ان الامير نجح في اعادة الازمة من الشارع الى المؤسسات بعدما نقلتها المعارضة من المؤسسات الى الشارع، وان القوى، على رأسها الاخوان المسلمون، التي رأت في انتصاراتها في quot;الربيع العربيquot; فرصة لها للسيطرة على مفاصل سياسية في الكويت عادت ولو موقتا الى خريفها... وهو الفصل الاجمل مناخيا في الكويت.
الثابت أنّ اجراء الانتخابات في هذا التوقيت بالذات وبموجب القانون الذي شاءه امير البلاد، جاء ليؤكد أنّ هناك مرجعية في البلد وأنّ هذه المرجعية مستعدة للتدخل متى شعرت أن هناك خطرا يهدد مؤسسات الدولة والحياة السياسية واللعبة الديموقراطية.
بغض النظر عمّا اذا كان قانون الصوت الواحد ادى الى ايجابيات او سلبيات، يظلّ أن الكويت اظهرت مرّة اخرى أنها دولة من دون عقد وأنه في حال كانت هناك حاجة الى تصويب الحياة السياسية واالعبة الديموقراطية، ليس ما يحول دون ذلك، حتى لو تطلّب الامر اجراء انتخابات اخرى بعد ستة اشهر او سنة او اربع سنوات...استنادا الى قانون جديد يسدّ الثغرات التي نجمت عن قانون الصوت الواحد.
المهمّ عودة التعاون بين مجلس الامة والحكومة بغية اطلاق مشاريع التنمية التي تحتاج اليها البلاد، بعيدا عن المناكفات والمزايدات التي لا تقدّم ولا تؤخر. المهمّ ايضا أن لا تبقى الكويت، بما تملكه من امكانات ورجال، تراوح مكانها في حين بعض الدول القريبة منها تخطو خطوات جبارة نحو التطور والالتحاق بركب التنمية والتقدم، بمعناه الحضاري، على كل الصعد.
التعليقات