من اغتيال رفيق الحريري ورفاقه في العام 2005، وما قبل ذلك بكثير، مرورا بسلسلة الاغتيالات الاخرى التي استهدفت الشرفاء حقّا من اللبنانيين، وصولا الى تفجير اللواء وسام الحسن في السنة 2012، لا يزال لبنان يتعرّض للنوع نفسه من الجرائم.
الهدف من ذلك، تفريغه من اهله عن طريق تهجيرهم، على غرار ما تحقق في العام 1990 على يدي ميشال عون... ونشر البؤس في ارجائه.
يحصل ذلك من اجل تسهيل وضع اليد على الوطن الصغير لا اكثر. سقط المشروع السوري في لبنان الذي قاده منذ العام 1970 نظام طائفي استثمر طويلا في الوجود الفلسطيني المسلّح والحرب الاهلية... وفي حروب الآخرين على ارض لبنان. هل ينجح في 2012 المشروع الايراني الذي ينفّذ عبر quot;حزب اللهquot; بغطاء من الحكومة التي شكلها الحزب والتي وضع على رأسها ابن طرابلس السيّد نجيب ميقاتي؟
ما نشهده حاليا أقرب ما يكون الى حملة مدروسة تصبّ في عزل لبنان عن محيطه العربي ومنع العرب، خصوصا الخليجيين، من المجيء الى الوطن الصغير وذلك من أجل تحقيق هدف محدد. يتلخّص الهدف بتكريس لبنان مستعمرة ايرانية لا اكثر ولا أقلّ وبيروت مدينة ايرانية على البحر المتوسط والجنوب اللبناني حقل تجارب للنظام الايراني.
اكثر من ذلك، كادت جريمة اغتيال وسام الحسن، بسبب حجمها الكبير أوّلا، أن تغطي على رحلة طائرة quot;ايوبquot; الايرانية التي حلقت فوق اسرائيل بهدف جمع معلومات عن مواقع مهمة في الدولة العبرية لمصلحة ايران. هذا على الاقلّ ما يقوله المسؤولون الايرانيون الذين يريدون تأكيد المرة تلو الاخرى أنّ لا وجود للسيادة اللبنانية، أقلّه من وجهة نظر هؤلاء، وأن قرار الحرب والسلام في الشرق الاوسط عموما وفي لبنان على وجه التحديد، قرار ايراني.
من أجل تحقيق الهدف الايراني في لبنان، لا بدّ من الغاء الطائفة السنّية، وذلك ليس بصفة كونها الطائفة الاكبر عدديا في لبنان فحسب، بل لأنّها صارت ايضا تنادي بـquot;لبنان أوّلاquot;. ولذلك، كان لا بدّ من الاتيان بحكومة تابعة لـquot;حزب اللهquot; على رأسها شخصية سنّية على استعداد للذهاب بعيدا في تغطية ما يقوم به الحزب ومن خلفه ايران في مرحلة استكمال وضع اليد على البلد من جهة وفي ضوء المخاوف من انهيار النظام السوري من جهة اخرى.
تبدو مهمّة الحكومة اللبنانية الحالية واضحة المعالم لجهة تأكيد أنه لم يعد من وجود لصوت سنّي في موقع المسؤولية يقول أن كفى تعني كفى وأن اغتيال وسام الحسن جريمة في حقّ لبنان عموما والسنّة على وجه الخصوص نظرا ألى أنه كان على رأس الجهاز الامني الوحيد الذي رفض الخضوع للنظام السوري والايراني وتوابعهما المحليين وتوابع التوابع من مستوى النائب المسيحي ميشال عون وما شابه ذلك.
لا يمكن عزل اغتيال وسام الحسن عن مسلسل الاغتيالات الذي بدأ بمحاولة الانتهاء من مروان حماده في اوّل تشرين الاوّل- اكتوبر 2004 وصولا الى الجريمة الكبرى المتمثلة بتفجير رفيق الحريري. كذلك، تبدو الجريمة الاخيرة مرتبطة الى حدّ كبير بطائرة quot;ايّوبquot; وتشكيل الحكومة الحالية ومنع اهل الخليج من المجيء الى لبنان وما أدّى اليه ذلك من تعميق الازمة الاقتصادية التي يعاني منها البلد.
كيف يمكن لحكومة لبنانية السكوت عن التهديدات الموجهة الى الخليجيين الذين لعبوا دورا في انعاش الاقتصاد واعادة الحياة الى المدن والقرى اللبنانية؟ كيف يمكن السكوت عن اغلاق مؤسسات لبنانية بسبب الغياب العربي عن الوطن الصغير وعن بيروت؟ كيف يمكن ان لا يكون هناك من لا يقدّر معنى الغياب العربي عن لبنان وما ستؤدي اليه الازمة الاقتصادية المفتعلة، عن سابق تصوّر وتصميم، لجهة افتعال موجة جديدة من الهجرة للمؤسسات والعقول اللبنانية الى خارج البلد؟
ما لا يمكن تصوّره وجود رئيس لمجلس الوزراء، أي شخصية سنّية، على استعداد لتغطية المؤامرة التي يتعرّض لها لبنان في هذه المرحلة بحجة أن الحكومة التي شكّلها quot;حزب اللهquot; ضمانة لتفادي فتنة سنّية- شيعية. كان يمكن تمرير هذا الكلام على السذّج في مرحلة ما قبل اغتيال وسام الحسن وطائرة quot;ايّوبquot; وتهديد المواطنين العرب. الآن، تبدو اللعبة مكشوفة اكثر من أي وقت. هل يمكن أن يستمرّ الغياب السنّي الى ما لا نهاية بحجة أنّ السلاح الايراني صاحب الكلمة الاولى والاخيرة في لبنان؟ هل يمكن السكوت عن اغتيال وسام الحسن بحجة أنّ هناك من دعا، وقد لا يكون ذلك صحيحا في أيّ شكل، الى مهاجمة السراي الحكومية؟
لا يمكن تغطية السماوات بالقبوات. هناك وضع غير طبيعي في لبنان. السكوت عنه يمثّل جريمة كبرى. لا وجود لشيء اسمه فراغ حكومي في لبنان. الفراغ الحكومي الحقيقي يتمثّل في السكوت عن أنّ هناك محاولة لنشر البؤس في البلد وتدمير مؤسساته، او ما بقي منها، الواحدة تلو الاخرى على نحو مبرمج والمكابرة في نفي ذلك.
هل يمكن أن يكون هناك سياسي سنّي يقبل بذلك في وقت استطاع quot;حزب اللهquot; شقّ الصف المسيحي مستخدما تلك الاداة المسمّاة ميشال عون وتدجين الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الخائف على مصير طائفته الصغيرة، لكنّه يراهن على أنّ اللعبة الكبرى تدور في سوريا وليس في لبنان؟