لم يعد الامر سرّا. هناك رغبة لدى ايران في وضع يدها على لبنان بغض النظر عمّا يمكن أن يحصل في سوريا. تلك هي الخلاصة التي يمكن التوصل اليها من خلال التمعّن بالكلام الذي صدر قبل ايّام عن الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط المهتمّ بكيفية ضمان مستقبل طائفته الصغيرة التي تشغل مواقع مهمّة على الخريطة الجغرافية للبنان. تحدّث جنبلاط الذي كان الى ما قبل فترة قصيرة زعيما وطنيا عن معادلة سياسية هي طائف جديد في مقابل تخلّي quot;حزب اللهquot;، وهو حزب لبناني تابع لايران، عن سلاحه!
سيخسر النظام الايراني سوريا حتما. هناك كذبة طالت كثر مما يجب اسمها النظام السوري. لم تدرك العائلة الحاكمة أنّه كان عليها أن ترحل عن البلد بعدما جمعت ثروة تسمح لها بالعيش بالطريقة التي تشاء في اي مكان من العالم. لم تدرك العائلة أنه كان عليها الاستفادة من الثروة في غياب القدرة على الاحتفاظ بالسلطة والامساك بها وبالسوريين وبمقدرات سوريا.
الآن، بعد سقوط ما يزيد على سبعين الف قتيل سوري، فات وقت الرحيل بطريقة سلمية ولائقة. ايران تدرك ذلك. لا ينقص النظام القائم فيها شيء من الدهاء. لعلّ اكثر ما تدركه أنه لا يمكن المحافظة على الوضع الذي كان قائما في سوريا. لكنّ ايران مصرّة على عدم خسارة لبنان ايضا بعدما وظّفت فيه كلّ هذا المال والجهد منذ مطلع الثمانينات من القرن الماضي وبعدما نجحت، في اعتقادها، في تغيير طبيعة الطائفة الشيعية فيه...وبعدما اشترت قسما من المسيحيين عبر استيعاب الميليشيا التابعة لها، اي quot;حزب اللهquot; للنائب المسيحي ميشال عون.
استطاعت ايران حتّى توظيف عون في خدمة اهدافها وجعلت له نوّابا وزراء يعتقدون أنّهم يشبهون رجال السياسة الى حدّ كبير وأنهم على علاقة بما يدور في العالم وفي الشرق الاوسط والمنطقة المحيطة بلبنان. اكثر من ذلك، تمكّنت ايران من فرض حكومة على لبنان واللبنانيين مستفيدة الى حدّ كبير من عجز السيّد نجيب ميقاتي، ابن طرابلس السنّي، عن رفض ما يطلبه منه الرئيس السوري بشّار الاسد. هناك هامش يمكن ان يلعب نجيب ميقاتي في اطاره، بالتفاهم مع quot;حزب اللهquot; ورضاه طبعا. ولكنّ عندما يتعلّق الامر بالاساسيات، مثل تغطية جريمة اغتيال اللواء وسام الحسن، أو الامتناع عن الاستقالة من موقع رئيس مجلس الوزراء لا يعود مجال لا للعب ولا لتلاعب.
ماذا تريد ايران الآن؟ تريد بوضوح تغيير طبيعة السلطة السياسية في لبنان كي تكون في احسن الاحوال صاحبة الثلث المعطّل في البلد. تعتقد أنّ الاسلوب الذي اتبعته مع الطائفة الشيعية يمكن ان ينطبق على لبنان كلّه، خصوصا أن لديها الحزب المسلح الوحيد في لبنان وأن المسيحيين منقسمون على انفسهم وأن السنّة ليسوا على استعداد لمواجهة ذات طابع عسكري. الدليل على ذلك، السهولة التي سيطر بها مسلحو quot;حزب اللهquot; على الاحياء السنّية في بيروت في السابع والثامن من ايّار- مايو 2008... ووقوف الجيش اللبناني موقف المتفرّج في اثناء تلك الاحداث الدموية.
تبدو فحوى رسالة ايران الى اللبنانيين، أنّه من دون اتفاق طائف جديد يؤدي بين ما يؤدي الى المثالثة، بين المسيحيين والشيعة والسنّة، لا مجال لتخلي quot;حزب اللهquot; عن سلاحه الموجّه منذ البداية الى صدور اللبنانيين. لا هدف لهذا السلاح سوى نشر البؤس في البلد وضرب الحياة الاقتصادية فيه وتهجير اكبر عدد من اللبنانيين من بلدهم، فضلا بالطبع عن تعميق الشرخ السنّي- الشيعي وعزل لبنان عن محيطه العربي...
في العامين 1989 و1990، لعب ميشال عون الذي كان يسيطر على قصر بعبدا بصفة كونه قائدا للجيش ورئيس لحكومة موقتة هدفها الاشراف على انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفا للرئيس امين الجميّل الدور المطلوب منه. أمّن quot;الجنرالquot;، بفضل بطولاته الوهمية وخطاباته الجوفاء، السيطرة السورية على كلّ لبنان، بما في ذلك القصر الجمهوري ووزارة الدفاع اللبنانية.
ساهم ذلك في افراغ اتفاق الطائف، الذي يكرّس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، من مضمونه العربي والدولي وتمكين النظام السوري من تطبيقه على طريقته.
حصل ذلك، خصوصا، بعدما منع عون الرئيس المنتخب الشهيد رينيه معوّض من الوصول الى قصر بعبدا مسهّلا على النظام السوري التخلص منه ومن كلّ ما يمثله من وطنية لبنانية صرفة. اكثر من ذلك، ذهب عون الى شنّ حرب على quot;القوات اللبنانيةquot; التي كانت وقتذاك ميليشيا بهدف تدمير المنطقة المسيحية على رؤوس ابنائها معتمدا على الدعم الذي كان يوفّره له وليّ نعمته في تلك المرحلة، اي الرئيس العراقي الراحل صدّام حسين.
لم يعرف ميشال عون يوما أن يكون اكثر من اداة، او اداة لدى الادوات. خدم النظام السوري، في الماضي، كما لم يخدمه اي لبناني.
في السنة 2012، وفي السنوات التي سبقتها، يبدو أنّه وضع نفسه في تصرّف المشروع الايراني الهادف الى طائف جديد يكرس وجود شيعي نائبا لرئيس الجمهورية يمتلك صلاحيات تنفيذية محددة مع حق الفيتو على ايّ قرار حكومي لبناني، حتّى لو أتخذ بالاكثرية.
مثلما فشل المشروع السوري في لبنان، سيفشل المشروع الايراني. سيفشل شيعيا قبل أن يفشل لبنانيا، لا لشيء سوى لأنّ هذا المشروع لا يمتلك اي مضمون حضاري على علاقة بالشراكة بين اللبنانيين وحقوق المواطنة والمساواة... ولأنّ ايران ستكتشف عاجلا ام آجلا أن شيعة لبنان لبنانيون اوّلا وأن ليس لديها اي نموذج ناجح تقدّمه لهم ولابنائهم باستثناء نشر ثقافة الموت والبؤس...
سيقاوم اللبنانيون المشروع الايراني لأنّه مرفوض في ايران اوّلا. كيف يمكن فرض مشروع ما على لبنان في وقت يتأكّد كلّ يوم أن هذا المشروع مرفوض في بلد المنشأ!
- آخر تحديث :
التعليقات