ليس سرّا ان الاردن يواجه صعوبات كثيرة. سبب ذلك الوضع الاقتصادي في المملكة والمنطقة والعالم والاضطرابات التي تشهدها غير دولة شرق اوسطية. فالمملكة الاردنية الهاشمية من افقر بلدان العالم بسبب افتقادها للثروات الطبيعية ولمصادر الطاقة والمياه خصوصا. لكنّ الاردن لم تفقد الامل في مستقبل افضل لشعبها بعد استثمار المملكة في الانسان. سمح ذلك للبلد بتجاوز ازمات كثيرة والصمود في وجه العواصف الاقليمية التي اكّدت ان الاردن اقوى بكثير مما يعتقد وان نظامها السياسي قادر على ان يتطور وان يواكب المتغيّرات التي يشهدها الشرق الاوسط والعالم، بما في ذلك quot;الربيع العربيquot; المرشح لان يكون ربيعا quot;طويلاquot; حسب تعبير الملك عبدالله الثاني.
المطروح حاليا في الاردن، بكلّ بساطة، مواجهة الازمة الاقتصادية والتصدي الجدي لمشكلة البطالة وايجاد فرص العمل للشباب من جهة وتاكيد ان لا عودة عن الاصلاحات من جهة اخرى. في النهاية ان صمود الاردن وتحسن اوضاعه مصلحة عربية بكل معنى الكلمة لا لشيء سوى لانّ اي حدث سلبي في المملكة سيؤثر على امن دول الخليج وستكون له انعكاسات سيئة على الصعيد الفلسطيني. ما لا يمكن تجاهله ان الاردن تقف سدّا منيعا في وجه مشروع الوطن البديل الذي يحلم به اليمين الرئيسي والذي تشجّع عليه مجموعات معيّنة في الداخل الاردني نفسه. من بين هذه المجموعات جماعة الاخوان المسلمين التي اعتمدت في الاسابيع القليلة الماضية لهجة تصعيدية تثير الاستغراب. ربّما كان ذلك عائدا الى ان الاخوان باتوا يعتقدون انهم حققوا اختراقات داخل المجتمع الاردني، خصوصا في الاوساط العشائرية وهذا امر مشكوك فيه الى حد كبير من جهة ويدلّ على سياسة قصيرة النظر، حتى لا نقول انتهازية، من جهة اخرى...
في الواقع، يسعى الاخوان ومن لفّ لفهم الى استغلال الازمة الاقتصادية قدر الامكان. انهم يستغلّون عمليا التقصير الذي بدر عن الحكومات الاردنية في الفترة الاخيرة غير آبهين بالجهود التي تبذلها الدولة على اعلى مستوى من اجل التغلب على الصعوبات والتفكير في مخارج وبدائل، بما في ذلك تطوير مصادر بديلة للطاقة.
من المفيد الاشارة الى ان هناك مؤشرات ايجابية في الاردن. من بين المؤشرات الوعي الموجود على اعلى المستويات لطبيعة المشاكل القائمة. من بين هذه المشاكل طمأنة المستثمرين الاجانب، خصوصا المستثمرين الخليجيين، الى ان هناك رغبة صادقة في تسوية بعض المسائل العالقة التي تسبب بها بعض الوزراء والمسؤولين السابقين الذين لم يعوا اهمية حماية المستثمرين والمحافظة على مصالحهم.
مثل هذه الرغبة الصادقة ستشجع من دون ادنى شك الخليجيين على ادراك ان الاردن حلقة اساسية في حماية الامن العربي، خصوصا ان ايران تبذل جهودا كبيرة منذ فترة طويلة من اجل تحقيق اختراقات على كل المستويات في المملكة. في النهاية، عندما يساعد العرب الخليجيون الاردن، فانهم يساعدون انفسهم من منطلق انه لا يمكن التفريق بين الامن الاردني والامن الخليجي.
من الثابت ان على الاردن ان تساعد نفسها اوّلا. من المهمّ ان لا يتنكر الاردنيون للاردن وان يعوا ان عليهم ان يكونوا فخورين بالتجربة الاردنية وبالطريقة التي تعاطت بها القيادة السياسية مع quot;الربيع العربيquot;. ما يستغربه كثيرون ان هناك اردنيين لا يعون اهمية بلدهم. انهم لا يعون ان الملك الحسين، رحمه الله، والملك عبدالله الثاني اسسا دولة حديثة بكلّ معنى الكلمة. تكفي جولة في شوارع عمان والمناطق المحيطة بالعاصمة للتأكد من ذلك، وللتأكد خصوصا من الاردن استطاعت على الرغم من قلة مواردها من حماية الفلسطينيين وتوفير مكان لائق يقيمون فيه، ولو موقتا، في انتظار قيام الدولة الفلسطينية يوما. اكثر من ذلك، لا يعرف كثيرون ان هناك ما يزيد على نصف مليون سوري مقيمين في الاردن. وثمة من يقول ان العدد يراوح بين ستمئة وسبعمئة الف سوري يعيشون بشكل دائم في المملكة. يضاف الى هؤلاء عشرات الآلاف من الذين لجأوا الى الاراضي الاردنية نتيجة القمع الذي يتعرّض له الشعب السوري الذي انتفض في وجه نظام اقلّ ما يمكن ان يقال عنه انه يريد استعباده!
يمكن الحديث ايضا عن مئات آلاف العراقيين الذين لجأوا الى الاردن في السنوات الاخيرة وحتى في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي. ما الذي كان سيفعله هؤلاء في غياب الاردن ولو لم يكن في الاردن من يفكّر في المستقبل وفي كيفية متابعة عملية بناء مؤسسات لدولة حديثة بغض النظر عن العواصف الاقليمية؟
لم يتغيّر شيء في الاردن. لا يزال هناك تصميم على متابعة عملية بناء الدولة الحديثة. مثل هذا التفكير وراء اصرار الملك عبدالله الثاني على الذهاب في الاصلاحات الى النهاية. هدف الاصلاحات قيام نظام ديموقراطي على اساس حزبي فيه معارضة وفيه موالاة. والاصلاحات تعني اوّل ما تعني التمسك باجراء انتخابات نيابية قبل نهاية السنة الحالية وذلك بعد اقرار قانون جديد للاحزاب وآخر للانتخابات وانشاء المحكمة الدستورية.
ثمة من يفهم ماذا يعنيه الملك بالاصلاحات، في هذه الظروف بالذات، وثمة من يمتلك اجندة خاصة به لا تأخذ في الاعتبار الحاجة الملحة الى معالجة المشاكل القائمة بدل الاستسلام لها واللجوء الى التسويف والتنظير. التنظير شيء والعمل الجدّي شيء آخر. وهذا ما دفع عبدالله الثاني الى ابلاغ رئيس الوزراء السابق السيّد عون الخصاونة الذي قدّم استقالته بعدما عمل كلّ شيء من اجل تأجيل الانتخابات الى السنة المقبلة:quot;لا نملك ترف الوقت ولا امكانية التأجيل والتأخير بالنسبة الى ما التزمنا بهquot;.
نعم الاردن تفكّر في الاصلاحات. وتفكر في كيفية تجاوز الازمة الاقتصادية، وهي ازمة خطيرة بكل معنى الكلمة. الاردن في وضع لا تحسد عليه، لكنّ ما يبعث الى التفاؤل وجود رغبة في المضي الى امام من دون تجاهل ان هناك تقصيرا اردنيا في بعض المجالات. ما يبعث على التفاؤل ايضا ان في الاردن من يؤمن انه قبل طلب مساعدة الآخرين، عليك ان تساعد نفسك اوّلا!
- آخر تحديث :
التعليقات