أحد الأصدقاء عاتبني، لأنني اعربت عن اسفي لسقوط الشاعر يوسف الصائغ، بين يدي صدام حسين، مستكثرا عليه الأسف.

هما اعلانان شغلا حياة الشاعر يوسف الصائغ. الإعلان الأول، هو اعلان ماركس و انجلز الشيوعي، ( المانفيستو )، والثاني، هو اعلانه الشخصي عن نفسه ؛ اعلان سقوطه الذي نشره، منتصف الثمانينات، في الغلاف الأخير لمجلة المستقبل التي كانت تصدر في باريس، و تمولها سفارة النظام هناك. اعلانه الذي خرّ فيه باكيا مناديا ( انقذني يا سيدي صدام !! ) و فيه يعرب عن ( جزعه اذا ما خسر الفريق العراقي في كرة القدم، فكيف اذا خسرنا حربا يقودها صدام حسين !! ). و فيه يدافع عن مجده الشخصي : ( لستُ غبيا، كي اترك تاريخي الشخصي ليكون مضغة في افواه الأغبياء يقصد رفاقه السابقين).

بل غبي سيد يوسف.. و غبي جدا.. لأنك كنت كتلة من النزاهة، و النضال الذي كان على حافة الشهادة، و الوطنية في ابهى صورها، و الشعر صافيا عاليا، و كان الأحرى، ان يجثو صدام الذي لم يكن اكثر من كتلة من العفن و الإرهاب و التاريخ الطافح بالسقوط، ان يجثو على قدميك طالبا الصفح و المغفرة من شعبه. ولم يكن مجديا ابدا، ضربكَ لرأسك في الحائط، ندما و شعورا بالعار، و انت تسكر في بعض ايفاداتك الى عمان قارئا لسقوطك في عيون اصدقائك القدامى

و اتذكر مشهدا، في تلفزيون النظام، بدا فيه مع امعات من شعرائه محيطين بصدام حسين، حول بركة ماء صغيرة،و هو يأمرهم بكتابة نشيد له، حيث بادره الصائغ مادحا، بكلام ركيك مخجل، بما معناه ( حين ارى صورتك في الماء، فأنا ارى بدل صدام واحد، صدامين !! ). فيوسف بعد ان سقط، لم يستطع كتابة بيت شعري واحد، يرتقي الى مستوى الشعر الباهر الذي كان يكتبه، قبل سقوطه، فرامبو حين قرر الإشتغال بالنخاسة، ترك الشعر اكراما له، فلا يمكن ان تستمر شاعرا و ساقطا في آن واحد.

و النصاعة حين تهوي، كما هوى جون شتاين بك في امريكا، و صلاح جاهين في مصر، يكون سقوطها مريعا. لقد كان يوسف يوسفنا حقاً، و ليس كما اصبحت االفلوجة ( فلوجتنا ! ).. فلوجة سعدي يوسف

يوسف الصائغ الذي حلّقَ بالشعر في مجاميعه عن مالك بن الريب، و انتظريني عند تخوم البحر، و سيدة التفاحات الأربع، و قبلها ( على حافات الشعر ) في صحيفة الفكر الجديد.

يوسف هذا، هو الذي قال يوما:

رمادٌ بوجه الحضارة

اذا كان فيها الشهيد

يموت انتحاراً


لقد كنت انت الشهيد يا يوسف hellip; الذي يموت انتحاراً