أمام وتيرة أحداث متسارعة تسود المنطقة، وقرارات ادارتكم بتقديم السلاح لنزف المزيد من الدماء في سوريا، والتحضير لمؤتمر جنيف الثاني، والتصاعد الذي يحدث على كافة الأصعدة، بعد الموقف المصري الأخير من سوريا، ومجيء رئيس جديد في إيران، ناهيك عن متابعتكم لما يجري في تركيا، وإجمالاً أجد صعوية بالغة في رصد ما تعج به الساحة السياسية الحبلى بأحداث لا يعلم إلا الله عما ستسفر عنه من كوارث يدفع ثمنها الانسان العربي، بسبب سياستكم التي أبسط مثال يضرب فيها، هو مواقفكم المتناقضة على امتداد تاريخكم، فبالأمس مثلاً ناصرتم الشيعة في العراق ضد الحاكم السني، واليوم تناصرون السنة ضد الحاكم الشيعي في سوريا!!..
أقول: أمام كل هذا وجدتني أكتب إليك هذا الخطاب رغم إيماني بعدم توفر الظرف الموضوعي لطرحه الآن!!..

* * *
السيد الوزير..
عندما رُشحّت للرئاسة، وكعادة مرشحي الرئاسة للبيت الأبيض أن يُسرفوا في استجداء عطف اللوبي الصهيوني، المهيمن على صندوق انتخاب طريق الرئاسة الأمريكية، فدعوت الى تدعيم قوة اسرائيل بالأموال والسلاح!!.. وكذلك فعلت هيلاري كلينتون التي كانت ndash; هي الأخرى مرشحة للرئاسة ndash; أشد تحمساً منك الى جانب اسرائيل.. وقد فعلت الشيء الكثير في هذا المضمار.. ولم تفعل شيئاً يُذكر لقضية فلسطين التي صارت تُسمى في ملفاتكم قضية الشرق الأوسط.
ومنذ أن توليت منصبك في الخارجية الأمريكية، وبعد أن ترددت على المنطقة أكثر من مرة، والتقيت بأطراف النزاع، فليس هناك ما يُشير الى أنك ستحرز تقدماً في هذا الملف.. فأنت ما فتئت تدعو الى السلام في المنطقة على شكل جعجعة، ستنتهي بلا طحين!!..

* * *
bull;السيد الوزير..
إن أمن هذا الجزء الحيوي من العالم في حالة قيام الدولة الفلسطينية التي تنادون بها، سيحول دون إندلاع حرب إسرائيلية عربية على المدى المنظور، ومن شأن ذلك أن يؤدي في النهاية إلى التخفيف من مخاطر وخيمة على أمن وسلامة الانسان في المنطقة والعالم!!..
حيث أن بوادر مثل هذه الكارثة قد بدأت ملامحها بالصراع الذي يجري في سوريا الآن، وبتدخل حزب الله، وربما بتدخل ومباركة من إيران ndash; التي تُطالب بإزلة اسرائيل من الوجود - باشعال المنطقة، ووصولها الى كوارث لا تُحمد عقباها!!..

bull;يا سيدي قد شاركتَ في حرب فيتنام، وأُسرت هناك، ولاشك أنك تُدرك أبعاد مآسي الحروب!!..
إذن ما جدوى التعنت الأمريكي الاسرائيلي في عدم إقامة الدولة الفلسطينية وإعطاء الفلسطينين حقوقهم ؟!..

bull;أنت تعلم أن المنطقة عانت الكثير بسبب وجود اسرائيل، وحتى ما يجري في سوريا الآن وغيرها في الوطن العربي، وفي مصر تحديداً، ليس بمعزل عن قضية فلسطين!!.. وقد أصبحت المنطقة برمتها تسعى الى الأمن والاستقرار والرفاهية، إذ ليس هناك أي شعبٍ في الوطن العربي ndash; الذي تمزق منذ نشوء اسرائيل - لا ينشد التقدم والسعادة بين بني البشر على إختلاف مشاربهم وإختلاف أصولهم وإختلاف أديانهم.. فالسلام صار هو شعورنا المشترك، وهو رغبتنا الصادقة، وهو تطلعنا الذي لا تحده حدود!!..

bull;رغم ردود الفعل التي اتخذت من الدين منطلقاً لمواجهة اسرائيل، بل ومواجهتكم في عقر داركم، قد اشتدت ضراوتها في مناطق متعددة ليس في العالم العربي فحسب، بل في العالم بأسره.. وكانت السبب الرئيس في تفشي الارهاب هنا وهناك.. وكنتم تحيلون كل ما يحدث من إسالة للدماء والتدمير والتخريب الى مجلس الأمن.. على اعتبار أنكم تحترمون القوانين الدولية!!..
ولكن مجلس الأمن الذي تهيمنون على قراراته لازال يتعامل مع قضية الشرق الأوسط، والسلام الحقيقي الذي يطرحه العرب لحل هذه الأزمة، المتمثلة بقضية فلسطين التي تعتبر لب الكوارث والمذابح الدموية والخسائر الاقتصادية، ناهيك عما يجري في الوطن العربي الآن من مواجهاتٍ بين أبناء هذا الوطن بسبب اسرائيل، وبسبب أن السياسة الأمريكية تتعامل مع قضية السلام من منظور ما تفصّله المعامل الإسرائيلية والأمريكية ليكون مناسباً لما يجب أن يلبسه العرب!!.

* * *
bull;السيد الوزير..
إن الظلم في التعامل مع السلام المنشود يكاد يكون بارزاً جداً في سياستكم الأمريكية، وهو موضوع تشكيك حتى من قبل المؤسسات الغربية القريبة منكم في سياستها!!..
وإن جهود الأمم المتحدة فشلت حتى الآن في إيجاد صيغة مقبولة للسلام بين العرب والإسرائيلين، كذلك فإن إمكانيات عدم الإتفاق النهائي لازالت قائمة، ما دامت إسرائيل لا تريد حلاً صحيحاً وعادلاً للقضية الفلسطينية، وما دامت تراهن على إستجابة العرب للضغوط الأمريكية والإسرائيلية معاً في ظروف تحكمها حالة من الضعف والتشتت والإنقسام والتراجع الذي يواجه العالم العربي.
ولكني سأتوجه إليك بالسؤال:
الى متى ستبقى هذه الحالة قائمة ؟!.. أليس هناك من تفكير جدي وإنساني تتبناه الولايات المتحدة الأمريكية لإقامة الدولة الفلسطينية التي لوّحت بها أمريكا أكثر من مرة، وأشرتَ إليها أنت عقب حواراتك مع نتنياهو ؟!..

* * *
bull;هذه مقالة من آلاف المقالات التي تُضاف الى أطنان الأطنان من المواضيع التي تُكتب عن فلسطين، لعلها تصلك بشكل أو بآخر، لتتخذ ما تراه مناسباً بشأن هذه القضية!!..
... أم أنني حالم لسيطرة مثل هذه التصورات على تفكيري!!.. أعتقد أنني لست حالماً فحسب، إنما أنا ساذج!!..