صلاحية وصحة نظرية الانفجار العظيم البغ بانغBig Bang
5- البشر وكائنات السماء الأخرى في الكون المرئي : معضلة الاعتراف والإنكار
تمكن العلماء من خلال مهمة التلسكوب الفضائي بلانك LE SATELLITE PLANCK الذي أطلقته الوكالة الأوروبية للبحوث الفضائية سنة 2009، من التغلغل عبر الزمن والعودة إلى ماضي الكون المرئي السحيق، إلى الأصول المعلومة ليرسم لنا خريطة للكون البدئي أذهلت الفيزيائيين والفلكيين على السواء، لقد تمكن هذا التلسكوب من رسم صورة مذهلة بين تاريخ اطلاقه في 2009 و نهاية سنة 2012 للإشعاعات الأولية الضوئية الأولى التي أطلقها الكون البدئي منذ نشأته الأولى قبل حوالي 13.8 مليار سنة وبدقة أكبر بعد 380000 سنة من ظهور الكون المادي الذي نعرفه ونعيش فيه.
وهذا يعني من بين أشياء كثيرة أن بلانك أثبت وبشكل قطعي علمياً صحة وصلاحية نظرية الانفجار العظيم المعروفة باسم البغ بانغ Big Bang أي أن كوننا المرئي الذي يتخذ الشكل الدائري أو البيضوي la forme drsquo;une sphegrave;re قد تشكل في أعقاب انفجار هائل بدأ من نقطة متناهية في الصغر ومن ثم مر بمرحلة التضخم الانفجاري الهائل inflation الذي أثبت تلسكوب بلانك حدوثه فعلاً وبعد ذلك دخل مرحلة التوسع والتمدد بمعدل 67 كلم في الثانية.
إلى جانب الإنجازات الإيجابية التي أعطاها تلسكوب بلانك الفضائي إلا أنه كشف عن جملة من الألغاز الغامضة التي تبحث عن حلول. فهناك بقع taches في الصورة يصعب تمييزها من قبل الناس العاديين لكنها ألغاز تحتاج للتفسير والتوضيح بالنسبة للعلماء. ويعتقد العلماء أن المعطيات التي حصدها تلسكوب بلانك سوف تلقي الضوء على المراحل الموغلة في القدم التي سبقت حدث الانفجار العظيم أي في مرحلة ما قبل الولادة.
يعتقد علماء أن مفتاح أسرار الكون المرئي سوف يكتشف في السنوات القادمة من خلال الجمع بين نتائج تلسكوب بلانك ونتائج مسرع أو معجل الجسيمات في سيرن lrsquo;acceacute;leacute;rateur de particules europeacute;en، le CERN الذي كشف لنا بوزونات هيغز أو بوزونات الرب Boson de Higgs وهي جسيمات أولية تعتبر مصدر الكتلة للكثير من الجسيمات الأولية الأخرى وهناك اعتقاد بأن بوزونات هيغز كانت موجود قبل وقوع الانفجار العظيم حيث تحولت من كونها مصدر غير فيزيائي إلى مظهر فيزيائي.
تكلل قرن من البحوث بالنجاح بفضل مهمة التلسكوب الفضائي بلانك الذي أعطانا صورة دقيقة عن الضوء الأقدم في الكون المرئي. حيث تمكن من العثور على بقايا وآثار الانفجار العظيم ومازال أمام العلماء عمل دؤوب وحثيث وجهد كبير لاستكمال التحليلات والدراسات التي يجروها على هذه الصورة المذهلة لطفولة الكون المرئي والقيام برحلة في الزمان والمكان وسبر أغوار الفضاء للعثور على أجوبة للتساؤلات الوجودية التي طرحتها البشرية على نفسها حول كيفية ظهور الكون وهل كان وليد الصدفة وماذا كان يوجد قبل ظهوره أو ولادته؟ فلقد ثبتت صحة النموذج المعياري modegrave;le standard ومعلومات غنية وكثيرة عما كان عليه الكون قبل وقوع الانفجار الكبير. فبعد التحليل الدقيق للصورة الخريطة cartographie التي التقطها التلسكوب بلانك للكون بعد ولادته مباشرة لوحظ وجود تشوهات وخروج على القياس وبعض الشذوذ des anomalies وتباين ملفت ومدهش في التناظر بين القطب الشمالي والقطب الجنوبي لصورة الكون الأولية أي نوع من اللاتماثل واللاتساوق dissymeacute;trie يشير إلى الشمال كان أبرد من الجنوب حيث يعجز مستوانا العلمي الحالي عن تفسير ذلك رغم أنه يطعن بفرضية الاتساق الكوني lrsquo;homogeacute;neacute;iteacute; de cet Univers ويعتقد الأخوة إيغور وغريشكا بوغدانوف Igor et Grichka Bogdanov أن ذلك يدل على بقايا لما كان موجوداً قبل الانفجار الكبير أو العظيم مما يعني حسب علماء الوكالة الأوروبية للبحوث الفضائية lrsquo;Agence spatiale europeacute;enne (ESA) إمكانية وجود مرحلة سابقة لحدث الانفجار الكبير أو العظيم للكون المرئي فالكون الحالي ليس على الصورة التي كنا نتوقعها عنه لكننا وصلنا الآن إلى الحدود القصوى لمعرفنا الكونية. يبدو الكون بعد 380000 سنة من ظهوره في غاية الدقة والتنظيم ويخضع في سيرورته وعمله إلى قوانين فيزيائية غاية في الدقة والحال إن تلك القوانين خاضعة بدورها لقيم وقواعد مرقمة ثابتة غير قابلة للتغيير ومجردة رياضياتية مثل العدد بي chiffre Pi الذي بدونه لم يكن ممكناً لكوننا أي وجود حقيقي. فهذه المعايير والخصائص الرياضياتية ces proprieacute;teacute;s matheacute;matiques موجودة قبل البغ بانغ الانفجار العظيم وقبل أن يؤدي هذا الانفجار إلى ولادة المادة. فالمادة والطاقة متمثلة بالضوء والثقالة أو الجاذبية لم يكونا موجودين قبل الانفجار الكبير أو العظيم كما لو أن شيفرة أو كود جيني كوني code geacute;neacute;tique سابق للوجود المادي كان موجوداً قبل الانفجار العظيم على غرار الشيفرة الجينية للكائن الحي الموجودة قبل ولادته في الجينات الوراثية لأهله وهي مرحلة المعلومة المكونة من الشيفرة الكوزمولوجية egrave;re de lrsquo;informationraquo; serait constitueacute;e drsquo;un code cosmologique حسب تعبير الأخوة بوغدانوف في كتابهما الأخيرة عن أسرار مهمة التلسكوب بلانك الذي صدر قبل أيام. وكانت تلك الشيفرة من الدقة بمكان بحيث تجعلنا نفكر بأن الكون لم يكن وجوده وليد الصدفة على الإطلاق. ويمكن التحقق من صحة هذا الافتراض بواسطة أداتين علميتين متوفرتين بين يدي العلماء اليوم ألا وهما تلسكوب بلاك الفضائي ومسرع أو معجل ومصادم الهادرونات الكبير في سيرن فالأول يوفر آثار ملموسة ومرئية للمرحلة المعلوماتية التي سبقت البغ بانغ حيث سيكشف عن المزيد من الأسرار والألغاز الغامضة وينتظر الكشف عن القسم الثاني من المعلومات في نهاية عام 2014، والثاني وهو مسرع ومعجل ومصادم الجسيمات العملاق في سيرن CERN الذي كشف عام 2012 عن بوزونات هيغز التي أولدها حقل أو مجال هيغز champ de Higgs وهو مجال أو حقل غير موجه champ laquo; scalaire لا يمكن أن يوجد إلا في مرحلة سابقة للانفجار العظيم، وبالتالي فنحن على أعتاب ثورة في عالم العلوم سوف نلمس آثارها في السنوات القليلة القادمة. فبعد الانتهاء من معرفة كوننا المرئي أو المنظور وسبر أغواره وكشف اسراره سيقودنا ذلك حتماً إلى الخروج منه إلى ما ورائه أو ما حوله الذي قد يتكون من أكوان أخرى متعددة مجاورة أو متداخلة معه أو موازية له. ولكن هل هناك أكوان موازية حقاً؟ وهل نحن وحدنا في هذا الكون؟ بل هل سبق أن طرحت على نفسك مثل هذا السؤال من قبل؟ وماذا لو تساءلت هل هناك أكثر من كون؟
لم تعد مسألة أن هناك أكوان أخرى غير كوننا المرئي الذي نعيش فيه تثير الاستهجان. فالعالم الأمريكي من أصل ياباني ميشيو كاكو يقول : تخيل أن يكون هناك نسخة منك في أكثر من كون وأكثر من أرض..rdquo; فأنت في كون تعمل مهندساً ولكنك في الكون الأخر تعمل محامياً أو ربما في محطة بنزين أو غير ذلكquot;. أكوان متعددة ولكن توجد لك أكثر من نسخة مختلفة! في كل كون هذا ما تقوله نظريات الكون المتعدد: هناك أكثر من نسخة ldquo;أكثر من كون واحد فهل هناك أكثر من أرض؟ فلنفترض أننا في كون واحد ولكننا في أكثر من أرض، لكن هذه الأرض الأخرى قد تكون أقرب إلينا من القمر، وقد تقع في أسفل أقدامنا في باطن الأرض.. تصور لو أن مركز الأرض ليس إلا عبارة عن طبقات من الأراضي المختلفة، والتي يعيش فيها أناس مثلي ومثلك لهم غلاف جوي مثل كوكبنا بل إنهم يرون ضوء الشمس مثلك تماماً!!! كيف وأين ومتى؟!!.. هذا ما تقوله rdquo; نظرية الأرض المجوفةrdquo;..
نظريات العلماء:
(1) الكون المتعدد يعني أن هناك ldquo;أكثر من كون واحد rdquo; :
نظرية تعدد الأكوان أو الـ Multiuniverse هي عبارة عن المجموعة الافتراضية المكونة من عدة أكوان ndash; بما فيها الكون الخاص بنا ndash; وتشكل معاً الوجود بأكمله:
- نظرية The Tangent Universe _الكون الموازي Parallel Universe وتعني الكون الموازي لعالم الفلك الشهير ستيفن هوكنغ، وهي نظرية من ميكانيكا الكم والتي يقول فيها أن هناك أكواناً أخرى غير كوننا بأبعاد مختلفة عن التي نعيش فيها، فإذا كان الإنسان يعيش في أربعة أبعاد يشكلها المكان طولاً وعرضاً وارتفاعاً والزمان كبعد رابع فإن نظرية الكون الموازي تفترض وجود أحد عشر بعداً في تلك الأكوان. والبعض يفترض وجود خمسة أبعاد وهناك من يقول أن هناك سبعة أكوان وجميعها أرقام افتراضية.
يعتقد العلماء بإمكانية وجود أكوان متوازية وقد يكون هناك عدد لا حصر له من الأكوان المتوازية، ونحن نعيش في واحد منها ونشاركهم مصيرهم. هذه عوالم أخرى تحتوي على المكان والزمان، بل أن بعضهم قد يحتوينا نحن كأشباه لنا بصورة مختلفة قليلاً!!
ويعتقد العلماء أن هذه الأكوان المتوازية يمكن أن تبعد أقل من ملليمتر واحد منا أو متداخلة معنا ولكن في بعد خفي غير مرئي، وفي الواقع فإن الجاذبية هي مجرد إشارة إلى ضعف يتسرب من كون إلى آخر!
إن الكون الذي نعيش فيه هو مجرد واحد بين العشرة فقاعات الغشائية، وفي تصريح لـبي بي سي قال الدكتور باري جونز وهو أحد العلماء المعروفين ldquo;أن هناك عدداً كبيراً من تجمعات الكواكب الموجودة بعيداً عن نظامنا الشمسي، ولقد اكتشف العلماء أن هناك ثمة كواكب مشابهة للأرض منتشرة في كل أرجاء الكون المرئي والحال أن العلماء اكتشفوا مؤخرا مجموعة من الكواكب الشبيهة بكوكب الأرض تدور حول نجوم أخرى شبيهة بالشمس ويعكفون حاليا على دراستها.
وهناك أقاويل عن بعض نظريات آينشتاين في هذا المجال التي وجدت في بعض مذكراته، حيث قال أنه قام بحرق ما دونه من هذه الافتراضات، وقال ldquo;أن العالم الآن ليس مستعداً لمثل هذه النظريات فلقد افترض آينشتاين أن العالم عبارة عن كتاب مكون من عدة صفحات وكل صفحه عبارة عن عالم ldquo;كونrdquo; مستقل بذاته، فلو أن عالمنا مدون بالحبر فالعالم الآخر في الصفحة الثانية مدون بالحبر السري أو غيره وبهذا فإننا لانراه لأنه مختلف عنا بمواد تكوينه ومحتوياته وقوانينه.
ماهي محتويات ومكونات الكون الموازي المفترض؟
يعتقد بعض العلماء أن في الكون الموازي شخصيات تشبهنا في الشكل تماماً وذلك لتحقيق التوازن في الكون بل إن البعض قد يقول إنك في الوقت الذي تقرأ فيها هذا الكلام الآن قد تكون في الكون الأخر تشاهد التلفاز أو في ملعب لكرة القدم وفي الكون الثالث غارقاً في نومك أو في كون رابع تكون قد توفيت. بينما يرى البعض ان الأكوان الموازية ما هي إلا رديف للكواكب المأهولة الشبيهة بالأرض أو كما تسمى ldquo;الكواكب الأرضيةrdquo;، وهي كواكب تقع في مجرات أو مجموعات شمسية أخرى بنفس الظروف المناسبة لوجود حياة فيها وهي المناطق المأهولة أو الآمنة. ففي عام 2007 عثر على كوكب أطلق عليه اسم Gliese 581 d وفي عام 2009 وجد أنه يقع في المنطقة المأهولة من حيث بعده عن نجمه. اكتشف كذلك كوكب أطلق عليه اسم Gliese 581 g عام 2010 وهو أكثر كوكب شبيه بالأرض حتى يومنا هذا ويبعد عنا 20 سنة ضوئية.هناك رأي يقول بأن الكون الموازي ما هو إلا انعكاس لعالمنا الحالي حتى يحدث التوازن بين العالمين، فلابد من وجود عالم معكوس لنا فما يقع في جهة اليمين في عالمنا يكون بشكل عكسي في العالم الموازي ويقع في جهة اليسار، بل إن الانعكاس قد يكون في الجوانب النفسية أيضاً أي أن مواقع الخير والشر معكوسة أيضاً!!
استعان عدد من العلماء المهتمين بموضوع إمكانية السفر والتنقل بين الأكوان المتعددة إلى نظرية العالم لي سمولان Lee Smolin التي تقول أن أكواناً جديدة تولد دائماً من جراء قذف المواد التي ابتلعتها الثقوب السوداء والتي تخرج من أعماقه بعد تعرضها لعمليات غريبة لكي تتلائم مع أبعاد زمكانية وفيزيائية جديدة تقع في الجانب الآخر للثقوب السوداء أي افترضوا أن هناك إمكانية للخروج من الثقب الأسود ولكن ليس داخل كوننا المادي المرئي المحدود بي في أكوان موازية. المبدأ العلمي في كوننا المرئي يقول باستحالة ذلك لأن الثقالة أو الجاذبية الموجودة داخل الثقب الأسود من القوة بمكان تجعل كل ذرات المادة تتفتت علماً بأن هندسة الزمكان الآينشتيني تقدم لنا معادلات رياضياتية تقول أن مثل الرحلة ممكنة وليست مستحيلة لكنها يمكن أن تحدث عبر بعض أنوان الثقوب السوداء الخاصة جداً والتي تشبه إلى حد ما الثقوب الدودية tous de vers التي درسها العلماء بجدية نظرياً والتي افترضوا إمكانية التنقل من خلالها لاختصار المسافات والزمن للسفر بين مناطق ومجرات كوننا المرئي أو السفر بين الأكوان الموازية
من النوع الثاني ولقد وصف العالم تيبو آرمور Thibaut Armour ذلك علمياً قائلاً: الثقب الدودي هو عبارة عن تشويه deacute;formation لنسيج tissu الزمكان لكي يربط بين نقطة وأخرى دون الحاجة إلى قطع المسافة كاملة على سطح المكان. فلو تخيلنا كوننا المرئي على شكل صفحة ثنائية الأبعاد أي ذات بعدين فقط فيمكننا تمثل الثقب الأسود بالعنق gorge يربط صفحتنا أي كوننا المرئي بصفحة أخرى أي كون آخر بطريقة مختصرة ولكن لا أحد يعرف كم من الوقت ستستغرق هذه الرحلة فربما ينتهي الثقب الدودي ببدايته أو بمدخله وليس بمدخل كون آخر وقد يكون من نوع خاص بحيث تستغرق الرحلة بداخله مليارات السنين بالنسبة لمراقب من خارجه في قد تدوم الرحلة بضعة دقائق أو ساعات ولكن لا أحد يعرف بالضبط كم من الوقت يمضي على المركبة التي تبحر في داخله.
يذكر هنا أن بعض صناع السينما في هوليود قد تبنوا مثل هذه الأفكار في بعض الأفلام منها : فلم للممثل العالمي جات لي بعنوان الواحد الذي أنتج سنة 2001
The One والذي تدور أحداثه بناءاً على فكرة تعدد الأكوان وهروب احد الأشخاص ldquo;المجرم بوrdquo; من كون لأخر والتسبب في فوضى كونية بسبب قيامه بقتل نفسه في أكثر من كون واحد وهذا حتى يصبح هو الواحد او الوحيد فقط ldquo;ويكتسب قوتهمrdquo; ويشترك في صراع مع نفسه في كوننا ويطارد من قبل مكتب الشرطة وكذلك ldquo;سلطه الكون المتعددrdquo; إلي تحاول القبض عليه واعادته إلى كونه الأصلي. وهناك مسلسل العلوم الهامشية Fringe الذي أنتج سنة 2008 إلا أن قصة هذا المسلسل بعيدة عن الكون المتعدد فهي متعلقة بالعلوم الهامشية وهي النظريات والعلوم غير المقبولة في الأوساط العلمية. الأمر الملفت هو إن أبطال المسلسل ينتقلون إلى عالم موازي آخر وفي هذا العالم نفس الشخصيات ولكنها في موقع العدو، ومراكز أخرى بل إن البعض يحاول غزو كوننا الحالي قادمين من ذلك الكون الموازي والانتقال إلينا.
وسواء كانت هذه النظريات صحيحة أو خاطئة لازلنا نجهل الكثير عن عالمنا، وأن العلوم التي ندرسها الآن ومازلنا نتعرف عليها ليست سوى نظريات قد تكذبها نظريات أخرى، وأن العلم مازال ولا زال يكشف لنا المزيد من ألغاز هذا الكون الذي لا نشكل منه سوى ذرة من الرمل في صحراء كبرى..
وأخيرا بودي أن أقدم ملخص لمخطوطة كتاب على شكل مسودة مخطوطة بخط اليد كتبه مؤلفه الذي لم يفصح عن إسمه لأحد عدا قلة قليلة لا تتجاوز أصابع اليد من المقربين الموثوق فيهم، ولم يطبعه قبل موته ولا حتى بعد موته، وقد دونه قبل وفاته ببضعة أشهر وعنوانه كنت ضيفا في السماء صب فيه خلاصة تجربته مع الكائنات الفضائية التي أخذته في رحلة لم تدم سوى ثلاث ساعات، كما أشارت ساعة يده، في مركبتهم كما يصفها بدقة مذهلة ومشوقة، لكنه عندما أعيد إلى الأرض كانت قد مضت ثلاث سنوات على اختفائه في ظروف غامضة حتى يأس أهله من العثور عليه وأعتبر مفقودا، لا هو بالحي ولا هو بالميت، لكنه قرر عدم التحدث في الموضوع أو تقديم أي تفسير لغيابه بل ادعى فقدانه للذاكرة وإنه لا يتذكر شيئاً، وبقيت القصة طي النسيان طيلة أربعين عاماً لأنه لا يحتمل ولا يريد أن يكون موضوعاً للسخرية منه والاستهزاء به وتعريض عائلته للمشاكل فترك المخطوطة كما هي دون أن يدفعها للطبع والنشر التجاري لكنه أوصى بها لأحدهم من الذين شاطروه المحنة وتفهموا حالته، وهو رجل عصامي جاد وصارم وصادق وأمين إلى أبعد الحدود ويعمل موظف كبير في الدولة، وكان لي شرف الاطلاع على المخطوطة كما جاء في وصيته ونقل في كتابه المخطوط إجابات للكثير من الأسئلة التي كانت تدور في خاطره كما هو حال الملايين من البشر على الأرض وناقش بعضها مع خاطفيه الذين لم يقدموا له تفسيرا عن اختياره هو بالذات من بين مليارات البشر فما هي خصوصيته وكان جوابهم :لا يمكنك إدراك ذلك أو فهم واستيعاب الشرح والإجابة التي لدينا. فهم لديهم معلوماتهم وتحليلاتهم الجينية والتركيبة الدماغية لكل كائن بشري يعيش على الأرض منذ فجر التاريخ وحتى يومنا هذا لذلك يختارون عينات محددة من البشر يعرفونهم سلفا لإجراء أو استكمال تجاربهم العلمية عليهم بين الحين والآخر. ولكن هل نحن على الأرض بمحض إرادتنا وما هو الهدف الحقيقي لهذا الوجود الحي؟ قيل له هذا سؤال مركب ويخضع لمفهوم القضاء والقدر المنتشر عند البشر فأنتم البشر جزء جوهري ومهم من الوجود الحي للكون المطلق الحي ولكم دور ووظيفة محددة لكنكم في طوركم التطوري الحالي لا تدركون ماهيتها إلا أنكم أساسيون للتوازن والديمومة فهناك الماهية الحية المطلقة التي أنجبت البشر وباقي كائنات الوجود برمته. كما تم إخباره بأننا نحن البشر طورنا من جينات كائنات بشرية تعيش في مجرتنا وتتقدم علينا بملايين السنين وهم الذين أوجدونا على الأرض بعد أن تدخلوا لتحسين وتطوير ظروفها المناخية خلال ملايين السنين وعلى مدى أجيال كثيرة مثلما كان حالهم هم أيضاً حيث أوجدتهم حضارات أكثر تطورا وأقدم بكثير منهم، خلقوهم في كوكبهم الذي يبعد عن الأرض حوالي 20 سنة ضوئية وأخبروه أن البشر سوف يتطورون بدورهم في المستقبل البعيد ويصلون إلى درجة أو مستوى استعمار واستيطان كواكب غير مأهولة بالحياة وتطويرها وتغيير ظروفها المناخية لكي تكون قابلة لاحتواء واحتضان الحياة ثم زرع مستوطنات بشرية هناك بعد السيطرة على ميدان الهندسة الوراثية والاستنساخ البشري والتحكم بالظروف المناخية وهذه العملية مستمرة منذ مليارات السنين. هناك عمر محدود للفرد ولكن لا يوجد عمر محدود للبشرية كجنس فموت خلية في جسم الانسان لا يعني موت الجسم حيث تولد خلية بديلا عنها وهناك دورة حياتية أبدية يفنى فيها الجسد ويدوم الوعي والذاكرة لأنهما جزء جوهري من الوعي الكلي المطلق والذاكرة الكونية الكلية حيث ينتقل الوعي الفردي بعد موت الجسد ليلتحق بالوعي الكلي وتعاد برمجته ليبث في جسد آخر على غرار معتقد تناسخ الأرواح الهندوسي والبوذي ويمكن أن يبقى الوعي الفردي هائما لفترة قد تطول أو تقصر حسب معايير نجهلها لكن الوعي والذاكرة تظلان كامنتين في الأكوان المتوازية التي يستحيل ولوجها إلى أن يأتي دورهما في عملية تحول مادي جديدة. وهذا يعني أن لا شيء متروك للصدفة والعبث والعشوائية وما يتعرض له البشر من كوارث وحروب وأوبئة وأمراض جماعية وظروف حياتية مرفهة أو قاسية ليست سوى حيثيات تفرضها التباينات والتوازنات الطبيعية والمادية والفيزيائية المكانية والزمانية للحفاظ على التوازن الكوني الشمولي فكل جسيم وكل خليه مادية تحمل موروثها الجيني وذاكرتها ووعيها وتعرف دورها ومآلها كأن تكون لسان أو عيناً أو دماغاً منذ الأزل وإلى الأبد فهي كينونة مبرمجة سلفاً. يمكن للبشر لو تطورا قليلا أن يعوا أهمية الحفاظ على البيئة وإنقاذها من التلف والتدهور ويتم ذلك بالوسائل التكنولوجية حيث يمكنهم تكييف كل شيء مع أية بيئة يخلقونها وفي أي مكان في الكون. وسوف يصل الإنسان في المستقبل إلى وضع ومستوى يمكنه من قهر الأمراض والشيخوخة والآلام ومن ثم سيصل إلى حالة الخلود التي وصلتها الأقوام التي خلقت البشرية الأرضية فهم لا يشيخون ولا يموتون ولو انقرض النحل على سبيل المثال فسوف يبتكر البشر وسائل تعوض النحل وتقوم بنفس الدور الذي يقوم به في المرحلة الحالية من التطور البشري فدماغ الإنسان كنز لا ينضب ولم يستغل البشر حاليا سوى جزء ضئيل جداً من إمكانياته، الكون المطلق لم يخلق ولا يوجد هناك إله مطلق خلقه لأن الكون المطلق هو الإله المطلق الذي يحتوي كل موجوداته ومكوناته من أصغر جسيم لامتناهي في الصغر في الكون المرئي وباقي الأكوان الأخرى إلى اللامتناهي في الكبر فنحن أجزاء من جسيمات الكون المطلق الحي التي هي مجموع الأكوان المتعددة التي تمثل خلاياه. يمكن للخلايا أن تموت وتولد بدلها خلايا أخرى ونفس الشيء يحدث للأكوان المتعددة اللامتناهية في أعدادها.
- آخر تحديث :
التعليقات