بصرف النظر عن الحراك الدائر على أرض مصر الحبيبة، كنانة العرب والمسلمين، وواحدة من أكثر الدول في العالم احتضاناً لأبناء الأرض بوصفها (أم الدنيا) كما يحلو لأبنائها المصريين ان يسموها، فإن شيئاً غريباً (ومستهجناً) في الإعلام المصري يحدث في سياق التدافع الحاصل على مكانة مصر وموقعها الريادي، حول أرض الكنانة (مصر) إلى (طارد) أو (نابذ) للوجود الأجنبي عن أرضها، رغم كون الحملة التي يقودها بعض أطراف الإعلام المصري موجهة إلى اثنين من أكثر الشعوب العربية تعاطفاً وتضامناً مع الشعب المصري عبر التاريخ، وهما الشعب السوري والشعب الفلسطيني.
برامج ومقالات ودعوات وحملات تحريضية صدرت خلال الفترة التالية دعت صراحة إلى ملاحقة ومهاجمة وتصفية اللاجئين السوريين البالغ عددهم أكثر من مئة وخمسين ألف لاجئ، في إحصاءات غير رسمية، واللاجئين الفلسطينيين وبالذات القاطنين في قطاع غزة، بحجة دعم الطرفين لنظام الحكم في مصر قبل تاريخ 30 يونيو، وهو أمر لا يمكن تعقله او تفهمه في ظل حملات التشنيع والتضليل الذي يمارسه بعض رموز الإعلام المصري وقنواته التي تحولت الى قنوات موتورة بكل معنى الكلمة.
quot;رابطة الصحفيين السوريينquot; وهي واحدة من نتاجات الحراك المدني السلمي في سوريا في ظل الثورة، أكدت في بيان لها وجود حملة إعلامية في مصر ضد اللاجئين السوريين، حيث يتعرضون لحملة مسيئة من وسائل اعلامية مصرية محلية وصلت لحد التحريض على قتلهم بما يمثل انتهاكا لحقوق الإنسان وأخلاقيات المهنة ومبادئها الأساسية، وقد صلت حدّ التحريض على قتلهم، عبر الدعوة لإعدامهم مباشرة (على قناة أون تي في)، أو الدعوة لضربهم بالأحذية مع وصفهم بأقذع الألفاظ (يوسف الحسيني - أون تي في)، أو الترويج لأكاذيب تسيء لشرف النساء السوريات في مصر، من قبيل الادعاء بأنهن يعملن بالدعارة لدى المعتصمين في ميدان رابعة العدوية (محمد الغيطي - قناة التحرير)، دون أن ننسى الإهانات المتكررة من قبل توفيق عكاشة عبر قناة الفراعين، أو زعم تسول السوريين طعام المصريين (خيري رمضان).
الحملة على السوريين في مصر لا يمكن وصفها إلا بأنها quot;حملة افتراءاتquot; تستند إلى إشاعات مغرضة تتهم مجمل السوريين بالمشاركة في المظاهرات المؤيدة للرئيس محمد مرسي، وبلغ الأمر بالمذيعة لميس الحديدي (قناة سي بي سي) أن زعمت أن كل من هم في ميدان رابعة العدوية من quot;السوريين المرتزقة الذين يعتصمون مقابل المالquot;!!
وحتى مع افتراض وجود حالات فردية شاركت إلى جانب هذا الطرف أو ذاك، فهل يصح الادعاء بأن هذه المشاركة ظاهرة عامة يتم على أساسها استهداف مئات الآلاف من اللاجئين السوريين الذي لجؤوا إلى مصر يطلبون الأمان ويستجيرون من القمع والضيم الذي لحق بهم في بلادهم؟ ولماذا يتم التجاوز عن حقيقة أن الجالية السورية في مصر أصدرت بيانات عدة تؤكد فيها وقوفها على الحياد ورفضها التدخل في الشأن الداخلي المصري، وتشدد على المسؤولية الشخصية لكل من يشارك إلى جانب أي من الطرفين!.
مثل هذه الإساءات الإعلامية المتكررة للسوريين في مصر تشكل خرقاً فاضحاً لـ quot;ميثاق الشرف الإعلاميquot; الذي يحكم ضمير الصحفي ويوقع عليه بمجرد انتمائه الى نقابة صحفية، والذي من بنوده حظر الخطاب الذي يحضّ على الكراهية وتحريم استهداف مجموعات بشرية معينة لدين او جنس أو عرق، ناهيك عن الدساتير والتشريعات التي تجرّم التحريض على العنف وتؤكد على المبادئ نفسها.
قد يحتاج العديد من العاملين في الإعلام المصري هذه الأيام إلى تذكيرهم بكل تلك القيم، والتأكيد على الروابط العميقة بين الشعبين السوري والمصري، ومن شأن الإساءات المتكررة عبر الإعلام المصري أن تترك آثارها في مستقبل العلاقات بين الأشقاء.
ومصر الكنانة التي تعودت على احتضان كل أبناء العروبة والإسلام والإنسانية، تربأ بنفسها عن ممارسات quot;قلةquot; من مرتادي العمل الإعلامي التحريضي في مصر، وعلى البقية او الأكثرية من أبناء الشعب المصري، والعاملين في الإعلام تحديداً، رفض استخدام اللاجئين السوريين والفلسطينيين في غزة، أو المنتمين إلى حزب أو فصيل فلسطيني، مادة إعلامية أو محوراً للتجاذبات السياسية الداخلية في مصر. كما على القنوات التي تمّت الإساءة عبرها إلى كل من السوريين الفلسطينيين، الاعتذار لهم صراحة، من دون مماطلة أو تهرب من المسؤولية، ومطالبة السلطات المختصة في مصر اتخاذ الإجراءات الضرورية لوقف هذه الظاهرة التي تعرّض حياة لاجئين أمنين ومواطنين سلميين يقيمون على أرض مصر (ويتمعتون بحمايتها)، للخطر.
على الإعلاميين والنقابيين المصريين الاهتمام بهذه القضية، والتصدي لروح العنصرية التي تبثها بعض وسائل الاعلام والتي تشكل إساءة للإعلام والإعلاميين في مصر التي عهدناها ارضا للتسامح والحرية منذ هاجر اليها الشوام (سوريين وفلسطينيين ولبنانيين) قبل اكثر من قرن هربا من الاضطهاد في بلادهم وكونوا صحافتهم التي عبرت عنهم وعن كامل الشعب المصري.
فهل تسترد مصر روحها وهويتها الحقيقية قبل فوات الأوان، وقبل أن تؤذي في تدافعها الداخلي الجاري حالياً دورها الريادي والتاريخي الذي بوأ مصر على زعامة العالم العربي والإسلامي؟ فكيف لمصر أن تجور على ضيوفها وهي أرض الكرم والتسامح والتعايش؟!
كاتب وباحث