يركّز الاخوان المسلمون في مصر على quot;الشرعيةquot; في محاولة لاعادة الدكتور محمّد مرسي الى الرئاسة. قد تكون quot;الشرعيةquot; مبررا كافيا للمطالبة باعادة عقارب الساعة الى خلف...في حال كانت هناك quot;شرعيةquot; حقيقية مستندة الى انتخابات جرت في ظروف طبيعية. لكن في حال مصر، لا وجود لمثل هذه quot;الشرعيةquot; التي تسمح للاخوان بالعودة الى السلطة عن طريق واجهة في موقع رئيس الجمهورية. فما بني على باطل لا يمكن وصفه الّا بأنّه باطل.
في النهاية، لا يستطيع أحد تزوير التاريخ، خصوصا عندما يتعلّق الامر بأحداث لم يمرّ عليها الزمن. لا يمكن الكلام عن quot;شرعيةquot; من اي نوع كان عندما يكون هناك ملايين المصريين يعتبرون أنفسهم تعرّضوا لخداع الاخوان المسلمين. تبيّن مع مرور الوقت أن هؤلاء يستطيعون الهدم ولا علاقة لهم بالبناء...وأن كلّ ما سعوا اليه يتمثّل في الاستيلاء على السلطة والاحتفاظ بها الى ما لا نهاية عن طريق صناديق الاقتراع. لدى الاخوان، في كلّ مكان، شبق لا مثيل له الى السلطة ولا شيء آخر غير السلطة.
هناك بكلّ بساطة مشكلة بين الاخوان وصندوق الاقتراع، أو على الاصحّ مع العودة الى صندوق الاقتراع. لا لشيء سوى لأنّ صندوق الاقتراع يعني قبل أيّ شيء آخر التداول السلمي للسلطة. انه ليس مجرّد وسيلة تستخدم للوصول الى السلطة والبقاء فيها كما يشتهي الاخوان.
بكلام أوضح، لا وجود لانتخابات من اجل الانتخابات. الانتخابات تتويج لمسيرة ديموقراطية تقوم أوّل ما تقوم على الاعتراف بالآخر وبحقه بممارسة نشاطه السياسي بكلّ حرّية. هذا من جهة. أمّا من جهة أخرى، تعني الديموقراطية أوّل ما تعني احترام مؤسسات الدولة واستمراريتها. ما حصل في مصر أنّ أوّل ما فعله الاخوان هو المسّ بهذه المؤسسات. حاولوا بكلّ وقاحة تحويل الدولة المصرية الى دولة للاخوان. هذا ما لم يسمح به المصريون. هذا ما لم تسمح به المؤسسة العسكرية التي كانت شريكا في quot;ثورة الخامس والعشرين من ينايرquot; التي خطفها الاخوان.
كشف الاخوان لعبتهم باكرا. انقلبوا على المؤسسة العسكرية التي لعبت دورا محوريا في حمل الرئيس حسني مبارك على التنحي عن السلطة. استخفّ الاخوان بالمؤسسة العسكرية، مثلما استخفوا بالشعب المصري. اعتقدوا أن اللعبة هي لعبة تذاك. وقعوا في فخ لعبة التذاكي. هذا كلّ ما في الامر. تبيّن ان الشعب المصري ليس بالغباء الذي يعتقدون وأن المؤسسة العسكرية تمتلك ما يكفي من الوعي لادراك أنّ ليس في استطاعتها أن تنتهي أسيرة تنظيم متخلّف يعتقد أنّه يكفي تجهيل الشعب المصري من أجل الامساك به وجعله أداة طيعة في يد تنظيم ديني لا يستطيع التعاطي الجدّي مع أي مشكلة مصرية.
لا شرعية من أي نوع كان للاخوان، لا في مصر ولا في غير مصر. لا يمكن بناء شرعية على هدم مؤسسات الدولة بدءا بالقوات المسلحة وصولا الى القضاء مرورا بوزارة الداخلية والمحافظات. بلغت الوقاحة بالاخوان، في أواخر عهد محمد مرسي، حدّا لا يستطيع عاقل تصوّره. عيّن شخص مسؤول بشكل مباشر عن ضرب السياحة واستهداف السيّاح محافظا لاسوان. لم يكن ذلك تصرّفا معزولا عن سياسة عامة تصبّ في تغيير طبيعة المجتمع المصري بهدف تدجين المصريين والسيطرة عليهم.
انّ نجاح تجربة اسقاط الاخوان في مصر لا يمكن الاّ أن تكون لها انعكاسات ايجابية على المنطقة كلّها. ولذلك، لا يمكن الاّ توجيه الشكر لكلّ عربي سعى الى دعم الثورة الحقيقية، quot;ثورة الثلاثين من يونيوquot; التي اطاحت حكم الاخوان غير المأسوف عليه. للمرّة الاولى في التاريخ الحديث يقدم العرب الواعون على عمل ايجابي يصبّ في خدمة الاجيال الصاعدة. ما قامت به دولة الامارات، التي سارعت المملكة العربية السعودية والكويت الى اللحاق بها، لا يمكن الاستهانة به. فسقوط مصر كان يعني سقوط المنطقة كلّها.
الاهمّ من ذلك كلّه، أن تحرّك العرب الواعين، وبينهم الملك عبدالله الثاني الذي أصرّ على زيارة القاهرة ولقاء الرئيس الموقت عدلي منصور وكبار المسؤولين المصريين، أجبر الادارة الاميركية على اعادة النظر في موقفها بعدما سايرت الاخوان المسلمين طويلا ارضاء لايران واسرائيل في الوقت ذاته. نعم، ايران واسرائيل في الوقت ذاته!
تبدو ورقة quot;الشرعيةquot; التي يسعى الاخوان الى استخدامها من النوع الذي مرّ عليه الزمن. أيّ شرعية لنظام متواطئ كلّ التواطؤ مع quot;الامارة الطالبانيةquot; التي اقامتها quot;حماسquot; في قطاع غزة؟ أيّ شرعية لنظام لا يجد مثالا أعلى يحتذي به سوى تجربة quot;حماسquot; في غزة، وهي تجربة بائسة لم تجلب على الفلسطينيين سوى الويلات وساهمت في زرع فوضى السلاح في سيناء بما بات يهدد الامن المصري كلّه؟
من يريد شرعية حقيقية وليس quot;شرعيةquot; مستمدة من عملية خطف موصوفة لـquot;ثورة الخامس والعشرين من ينايرquot; ولطعن في الظهر للمؤسسة العسكرية ثم لطموحات الشعب المصري وتطلعاته، لا يبتزّ دول الخليج العربي عن طريق اقامة علاقات مع ايران ولا يضع غزة مثلا أعلى له.
هناك شرعية وquot;شرعيةquot;. ما حصل في مصر كان سحبا لـquot;شرعيةquot; مزيّفة ونهاية للعبة سمجة. لا بدّ من أن تكون للحدث المصري انعكاساته الاقليمية، خصوصا داخل غزّة حيث تتظاهر quot;حماسquot; وهي فرع من فروع الاخوان بأنّ لا علاقة لها بما يجري في القاهرة وأنها بعيدة كلّ البعد عن الانتشار الارهابي في سيناء ومناطق مصرية أخرى.
كان لا بدّ من انقاذ مصر. كان انقاذ مصر أكثر من ضرورة، خصوصا أن لا شرعية لمن لا أساس لشرعيته. فما بني على باطل، حتى لو كان عملية انتخابية في ظروف أكثر من مريبة، لا يستطيع استخدام هذه الورقة لاقامة نظام ديكتاتوري. هذا النظام الديكتاتوري، الذي لم يعمّر أكثر من سنة، جعل المصريين يترحمون على حسني مبارك...وحتى على جمال عبدالناصر، بطل هزيمة 1967، الذي لم تكن لديه سوى حسنة وحيدة تتمثل في مقاومته للاخوان...
التعليقات