دخل نزار قباني القرن الماضي من أوسع أبوابه، يوم ولد في 21 / 3 / 1923، ورحل عنه في 30 / 4 / 1998..
وحاولت نشر هذا المقال في ذكرى يوم رحيله، إلا أن هناك ظروفاً حالت دون ذلك، ومهما يكن الأمر فموعد تاريخ النشر ليس مهماً، فنزار قباني باقٍ في ضمير ووجدان محبي شعره دائماً.
* * *
bull; ومهما كتب الكتاب وحلل المحللون ونقد النقاد، فإنهم لن يكونوا أصدق من نزار نفسه، يوم كتب عن نفسه قائلاً:
quot;أريد أن أكتب قصتي مع الشعر قبل أن يكتبها أحد غيري، أريد أن أرسم وجهي بيدي، إذ لا أحد يستطيع أن يرسم وجهي أحسن مني، أريد أن أكشف الستائر عن نفسي بنفسي قبل أن يقصني النقاد ويفصلوني على أهوائهم، قبل أن يخترعوني من جديد!!..quot;
ونزار قباني الذي أحدث الصدمة الأولى في المجتمع العربي يوم أصدر ديوانه الأول (قالت لي السمراء) سنة 1944، وكان مدركاً أنه سيواجه معارك لا حصر لها ولا نهاية عندما قال:
quot;ديوان قالت لي السمراء قد يبدو لمن يجلسون الآن تحت الشمس أنه كسر لدى نشره كل الاحتكارات اللغوية، والبلاغية، والخطابية، والببغائية، والأخلاقية، ومدَّ لسانه كتلميذ شيطان لمجتمع الدراويش!!..quot;
وقد صدق نزار، حيث نُشرت في سنة 1946 في مجلة الرسالة المصرية مقالة للشيخ علي الطنطاوي، تناول فيها بالنقد العنيف ديوان (قالت لي السمراء) حيث كتب:
quot;طُبع في دمشق كتاب صغير زاهي الغلاف ناعمه، ملفوف بالورق الشفاف الذي تلف به علب (الشوكولاته) في الأعراس، معقود عليه شريط أحمر كالذي أوجب الفرنسيون أول العهد باحتلالهم الشام وضعه في خصور (بعضهن) ليُعرفن به.. فيه كلام مطبوع على صفة الشعر، فيه أشطار طولها واحد إذا قستها بالسنتيمترات.. يشتمل على وصف ما يكون بين الفاسد والقارح والبغي المتمرسة الوقحة وصفاً واقعياً، لا خيال فيه، لأن صاحبه ليس بالأديب الواسع الخيال، بل هو مدلل، غني، عزيز على أبويه، وهو طالب في مدرسة.. وقد قرأ كتابه الطلاب في مدارسهم والطالبات، وفي الكتاب مع ذلك تجديد في بحور العرض، يختلط فيه البحر البسيط، والبحر الأبيض و المتوسط، وتجديد في قواعد النحو، لأن الناس قد ملوا رفع الفاعل ونصب المفعول به، ومضى عليهم ثلاث آلاف سنة وهم يقيمون عليه، فلم يكن بد عن هذا التجديد!!..quot;
وبالإضافة الى ما كتبه الشيخ الطنطاوي فقد تصدت لديوان نزار الأول (قالت لي السمراء) موجات من الرفض العنيف جاءت من قبل المتزمتين والأخلاقيين ورجال الدين!!.. وكلما ازدادت في وجه نزار صرخات السخط، كلما استمر هو في تحطيم ذلك المتوارث من أصنام البلاغة المتحجرة، لأن أنغام الخليل بن أحمد التي تحدد القافية تعتبر هي النوتة الموسيقية لأهازيجنا وأغانينا القديمة، وأن (البزق) أو (الناي) من تراث الأجداد، لكن ذلك لا يمنع كما يقول نزار أن نرفض البيانو أو الكلارينت، أو نرفض الاستماع الى سمفونية بيتهوفن أو شوبان.. ويضيف قائلاً:
quot;إن أهازيج الأجداد الذي حدد نوتتها الخليل بن أحمد، لا تمنعني من أن أضع النوتة الموسيقية للإطار الحياتي الذي أعيش فيه!!..quot;
وانطلاقاً من هذه النقطة كتب نزار قباني معظم قصائده..
bull; واستمر في السير على هذا المضمار ليكتب للجيل العربي من الشباب الذي كان يعاصره، والذي كان يطرح تساؤلات تبحث عن إجابات لمعنى وجوده، وعن حلول للتناقضات الكبيرة القائمة بين فكره وبين تفاصيل حياته اليومية، فجيل ذلك الوقت كان يقرأ عن مفاهيم الحرية ولا يطبقها، ويسمع بالوجودية، والسيريالية، والدادئية، والتكعيبية، ناهيك عن الايديولوجيات السياسية التي تتراوح ما بين اليمين واليسار والليبرالية.
وكانت أفكار عالم ما بعد الحرب الكونية الثانية بكل ما خلفته من فلسفات ومذاهب وأيديولوجيات، تصطدم بجهاز شباب ذلك العصر العصبي فيشعرون أنهم أخف وزناً، وأكثر قدرة على الدخول في حوار حضاري مع العالم.
وهكذا يرى نزار أنه قد فتح الضوء الأخضر لجيل الشباب والشابات ليعبروا من خلال ديوان (قالت لي السمراء)..
bull; واشتدت حدة المعارك بين نزار وخصومه بعد هاتين القصيدتين (خبز وحشيش وقمر 1954) و (هوامش على دفتر النكسة 1967)، إذ جوبهتا بالرفض والهجوم الحاد على نزار من قبل أولئك الخصوم ومعظمهم من الكتاب والشعراء، حيث طالب البعض منهم حكوماتهم بمقاطعة نزار قباني ومنع أشعاره من الدخول إلى بلادهم.
وقد كتبت الشاعرة (ملك عبد العزيز) ndash; زوجة الناقد محمد مندور ndash; أكثر من مقالة بهذا الصدد، وشاركها في ذلك الهجوم عدد من الكتاب والمثقفين في مقدمتهم أنيس منصور، والشاعر صالح جودت الذي طالب الرئيس جمال عبد الناصر بإتخاذ الاجراءات القانونية ضد نزار قباني، كما دعا اتحاد الكتاب والأدباء العرب الى محاكمته وطرده من عضوية الاتحاد..
bull; لكن الرئيس المصري قد خفف من غلواء تلك الحملة، ووجه دعوة للشاعر نزار قباني لزيارة القاهرة الذي اعترف أمام أجهزة الاعلام أنه لا يقصد بـ (السلطان) الذي خاطبه في قصيدة (هوامش على دفتر النكسة) أنه لا يرمز من قريب أو بعيد الى الرئيس جمال عبد الناصر..
ثم أنشد شعراً:
يا سيدي السلطان
جنودكم ورائي
عيونهم ورائي
أنوفهم ورائي
كالقدر المحتوم كالقضاء
يستجوبون زوجتي
ويكتبون أسماء أصدقائي
ثم قال:
quot;إن هذا الكلام ينطبق على الجميع وليس المقصود به رئيس بعينهquot;.
لكن أحد الحضور قال له: quot; لم لا تكمل القصيدة حيث تقول:
يا سيدي السلطان
إذا خسرت الحرب لا غرابة
لأنك انفصلت عن قضية الانسان؟!..
فكان جواب نزار قباني: quot;ومن لم يخسر حرباً من رؤسائنا؟!..quot;
وعلى ما يبدو من سلوكيات نزار أنه قد اعتاد على النزال والمواجهات بعد أن تسلح لها بما يملك من قوة منطق وصلابة لا تخترقها الطعنات، فأخذ يسهب أكثر فأكثر في جلد الذات العربية التي كثيراً ما كانت تسبب ردود أفعال حادة..
إياك أن تقرأ حرفاً من كتابات العرب!!..
فحربهم إشاعة، وسيفهم خشب!!..
وعشقهم خيانة، ووعدهم كذب!!..
إياك أن تسمع حرفاً من خطابات العرب!!..
فكلها نحو، وصرف، وأدب!!..
ليس في معاجم الأقوام
قوم اسمهم عرب!!..
bull; وبالطبع فإن هذا النوع من الكلام قد كان محفّزاً لثورة الثائرين في تدبيج المقالات التي كتبت محتجة على نزار قباني.. بل إن الكاتب جهاد فاضل قد ألّف كتاباً بعنوان (فتافيت شاعر) يرد به بعنف على قصائد نزار قباني.
واختيار جهاد فاضل هذا العنوان (فتافيت شاعر) كان مقصوداً، لأن الدكتورة سعاد الصباح قد أصدرت ديواناً بعنوان (فتافيت امرأة)، فيريد جهاد فاضل من وراء هذا العنوان أن يرمز الى شيء يشاع عن نزار في الأوساط الأدبية!!..
ولم يعبأ نزار قباني بكل تلك الحملات، إذ أنه على ما يبدو قد استمرأ ذلك الهجوم، فأخذ يسرف هو الآخر بالنقد الحاد والجارح لأمته العربية!!..
لا تسافر بجواز عربي!!..
لا تسافر مرة أخرى لأوروبا!..
فأوروبا كما تعلم ضاقت بجميع السفهاء
وهوجم نزار بشراسة، وتصدت له أقلام كثيرة، ولكنه يقول:
bull; quot;لم يكن يهمني هجومهم يوم كان لحمي طرياً، وسكاكينهم كانت حادة عندما أصدرت (قالت لي السمراء)، لأن جيل الأربعينيات من الشباب والشابات كانوا يرفضون موتي، ويرفضون أن أسقط تحت أقدام الانكشاريين، لأن سقوطي كان يعني سقوط أحلام الشباب، واغتيالي كان اغتيال لأول زهرة من زهرات الحرية، تفتحت في مزهريات الشباب!!.. وصمد (قالت لي السمراء)، وانتقلت قصائدي كالحرائق الصغيرة من يد الى يد، ومن حجرة الى حجرة، فقصيدة (نهداكِ) كانت الشرارة الأولى التي أطلقتني، حيث كان العراقيون يسمرون على ضفاف دجلة، واللبنانيون يمزمزونها على موائدهم في زحلة، وفي المدارس كان الطلاب يضعونها داخل كتب الحساب والجغرافيا، ويكتبون بعض أبياتها على الألواح السوداء في فصولهم، فلماذا أخاف وقاعدتي عريضة وصلبة؟!..quot;
bull; وكلما حلّت في الوطن العربي واقعة سياسية، أو تعرض العرب لأي حرب من الحروب، كان ذلك الحدث مادة خصبة لقصائد نزار قباني، إذ أنها تطفح بصور قاتمة سوداء، وسخرية لاذعة تحمل المرارة:
وطن عربي تجمعه يوم ولادته طبلة
وتفرقه بين قبائله طبلة
أفراد الجوقة والعلماء وأهل الفكر
وأهل الذكر وقاضي البلدة
يرتعشون على وقع الطبلة
bull; والى جانب المعارك التي كانت تنشب بين نزار وبين الرافضين لشتم العروبة والعرب تحت أي مسوغات، فقد فتح نزار جبهة أخرى على نفسه، يوم شنَّ في أشعاره حملة على النفط والنفطيين:
quot;هجم النفط مثل ذئب عليناquot;..
bull; وكان نزار قد كتب في ديوان حبيبتي قصيدة بعنوان (الحب والبترول)، تناول فيها جانباً لم يكن دقيقاً فيه لحياة الانسان العربي في منطقة الخليج، وقد تصدى بالرد عليه عدد من الشعراء والكتاب في مقدمتهم الشاعر أحمد زين السقاف أمين رابطة الأدباء ndash; حينذاك ndash; في الكويت، كما تصدى له عدد من الكتاب السعوديين في مقدمتهم الكاتب حسين زيدان وغيره.
فأخذ نزار يُكثر من قصائد النفط كمادة خصبة، مما دفع بالناقد جهاد فاضل أن يطلق عليه لقب (هجَّاء العرب)!!..
كما أُطلق على نزار من قبل مناوئيه العديد من الألقاب مثل (شاعر المرأة)، و (شاعر النهود)، وهو لا يحفل بكل هذا، ويرد قائلاً:
quot;أنا بالطبع لا أرفض لقب (شاعر المرأة) لأنني أكون بذلك قد رفضت النعمة، لكنني أعترض على تحديدي ووضعي في دائرة مغلقة محددة بلقب.. وأنا لا أفهم كيف انطلت على أحمد شوقي كذبة (أمير الشعراء)، وعلى خليل مطران كذبة (شاعر القطرين)، وعلى حافظ ابراهيم كذبة (شاعر النيل).. في حين ظل شكسبير في الأدب الانجليزي محتفظاً باسمه الحقيقي المسجل في تذكرة ميلاده!!..quot;
bull; وهناك من إعتبر أن نزار قباني قد إنتقل من نادي المرأة إلى النادي القومي بسبب أن معارك شعر المرأة ضيقة ومحدودة وأحياناً معيبة، فجاءت نقلته إلى النادي القومي نظراً لما تحمله من روافد متعددة لتصب في دائرة الخلافات التي أصبح نزار لا يعيش إلا في ظلها.
لدرجة أن أحد الشعراء اللبنانيين الجنوبين (جواد جميل) يرد على نزار بعنف رافضاً قصيدته للجنوب التي يقول في مطلعها:
quot;سميتك الجنوب
يا لابساً عباءة الحسين
وشمس كربلاءquot;
قائلاً له:
quot;لست الذي سميته الجنوب
يا شاعر النهود والقصورquot;
سارداً على نزار تاريخه مذكراً إياه بالقصائد العصماء التي دبجها لصدام حسين، حيث كان نزار في ذلك الوقت من كبار المتصدرين لحضور مهرجان (المربد) ndash; وتصحبه دائماً الدكتورة سعاد الصباح ndash; إذ كان هذا المهرجان الشعري يقام سنوياً لتكريس وشحذ همم الأدباء والشعراء ورجال الفكر العرب لتأييد النظام في العراق حينما كان يشن حرباً على جيرانه، لكن حادثة إنفجار السفارة العراقية في بيروت والتي لاقت فيها حتفها زوجته (بلقيس)، وكتب فيها نزار قصيدته المشهورة والتي وجه فيها أصابع الإتهام إلى من قتلوها، قد صبغت قصيدة نزار فيما بعد ذلك بصبغة مسيسة حتى النخاع!!.. وأصبح من النادر أن نجد له قصيدة تحتوي على مضامين من تلك التي كان يكتبها في الخمسينات والستينات وكانت مفعمة بالرومانسية ومشبعة ndash; أحياناً ndash; بروح التفاؤل.
bull; ورغم مواجهات نزار قباني مع مناوئيه وهم كثر جداً والبعض منهم كان يسرف في إبراز المثالب لنزار، إلا أنه ظل معتداً بنفسه في نرجسية طافحة، إذ أنه كان يرى نفسه أشهر من جميع الكتاب والشعراء والمثقفين بل والحكام!
ويتضح ذلك من خلال إجابته على سؤال وجهه إليه الأستاذ سمير عطا الله في جريدة (النهار)، وكان يتعلق بظاهرة رواج كتبه في العالم العربي فكانت إجابة نزار قباني:
quot;وأين العيب في ذلك!!.. إنني أخرجت الشعر من مرحلة الإستعطاء إلى مرحلة الكبرياء، ولذا فإنني كلما كسرت جسوراً وإمتدت قاعدتي الشعبية، ارتفع الصراخ.. كأنه مرفوض على الشاعر أن يبقى إلى أبد الآبدين حاجباً على باب أمير المؤمنين أو سائساً في إسطبل.. وأنا يشرفني ndash; و الكلام لازال لنزار ndash; أنني أنقذت الشعر العربي من حالة الإستزلام، وخلعت كل الحكام لأجعله هو الحاكم.. وجعلت الحكام من حاشية الشعر بدلاً من أن يكون في حاشيتهم.quot;
bull; وقد وجه بعض النقاد تهمة الشعوبية لنزار قباني، جاء ذلك في مقالة نشرتها جريدة القبس بعنوان (هل الشعوبية مجرد صفحة من التاريخ) حيث إستشهدت بأبيات للجواهري يقول فيها:
quot;لي في العراق عصابة لولاهم ما كان محبوباً إليَّ عراق
لا دجلة لولاهم وهي التي عذبت تروق ولا الفرات يذاق
هي فارس، وهواؤها روح الصبا وسماؤها الأغصان والأوراقquot;
وإعتبرت أن الجواهري في تلك القصيدة كان شعوبياً لأنه يذم بلده، ثم أشارت المقالة إلى نزار قباني وإعتبرته شعوبياً عندما قال:
quot;من عهد فرعون إلى أيامنا
هناك دوماً حاكم بأمره
وأمة تبول فوق نفسها كالماشيةquot;
وأعتُبر ما ورد في القصيدة شعوبية لا لأنه يهاجم الحاكم، وإنما لأنه يهاجم الأمة نفسها.
لكن نزار قباني يرفض رفضاً باتاً مثل هذه التهم، ولا يكلف نفسه بالرد عليها، وله من القصائد التي نجده فيها يذوب عشقاً وهياماً بالعروبة والعرب!!..
bull; نزار قباني الذي رحل عن دنيانا بجسده سيبقى مجذراً في وجدان هذه الأمة، وسيظل ذلك الرجل الذي تمرد على المألوف ليأتي لنا بما يبعث على الدهشة!
نزار رمى بنفسه من فوق سطح المنزل ليكتشف الشعور بالسقوط!
نزار قصّ طربوش أبيه الأحمر بالمقص لأنه تضايق من شكله الإسطواني!
نزار كسر ظهر سلحفاة المنزل بالمطرقة، ليعرف أين تخفي رأسها!
نزار كانت تعذبه قشرة الأشياء السميكة، وكان يبحث عن شكل وراء الشكل وعن لون وراء اللون!
نزار كانت مفاتيحه للشعر ثلاثة:
الطفولة، والثورة، والجنون!
كان بالطفولة يتعامل ببرائة وتلقائية مع الأشياء!!..
وبالثورة كان يحدث خلخلة وتشققاً وكسوراً في كل المورثات الثقافية والنفسية والتاريخية التي أخذت شكل العادة أو شكل القانون!!..
وبالجنون كان يسعى إلى تفكيك ساعة العقل القديمة، والإعتراض العنيف على كل الأحكام القراقوشية الصادرة عليه قبل ولادته!!.
bull; لقد كانت لغة الشعر قبل نزار متعالية، بيروقراطية، بروتوكولية، لا تصافح الناس الإ بالقفازات البيضاء فجعلها تتخلى عن إرستقراطيتها، ولهذا قال عن نفسه:
quot;إنني ظهرت على الورق بوجهي الطبيعي ولم ألجأ إلى الأصباغ والمساحيق... فالجاهليون كتبوا شعراً يشبههم، والأمويون كتبوا شعراً يشبههم، والعباسيون كتبوا شعراً يشبههم!!.. والخمر دائماً هو الخمر، ولكن الكؤوس هي التي تختلف.quot;
bull; ويرد نزار قباني على كل خصومه حيث يقول:
quot;ملف قضية الشعر العربي بين يدي، وأنا كشاعر جزء من القضية التي كُلفت النظر فيها فكيف ألبس ثوب القاضي وثوب المتهم في آنٍ واحد؟!.. كيف أفصل في معركة أنا بعض وهجها ودخانها؟!.. هل أستطيع أن أكون موضوعياً إزاء موضوع إشتبك بلحمي وأنسجتي كما تشتبك خيوط كرة الصوف بين يدي قطة لاهية؟!.. لابد لنا أن نحب وأن نكره وأن نقبل هذه اللوحة وأن نرفضها، وأن نبارك هذه القصيدة أو نلعنها.. إن الوقوف في منتصف الطريق، كأجزاء سيارة مفككة، مختبئين وراء قناع موضوعيتنا فهو إلغاء لإنسانيتنا وحرية إختيارنا.quot;
* * *
bull; رحم الله نزار قباني.. الذي لم يمهله القدر لحضور حفلة تكريمه الذي أعدته له الدكتورة سعاد الصباح، وكلفت الدكتور محمد يوسف نجم أن يشرف على إصدار كتاب ضخم يتناول مراحل مسيرته، حيث كان يُفترض أن يقام ذلك الحفل في بيروت.
لكننا على ثقة أن إحتفالات التكريم، والإشادة بذكر شاعرنا نزار قباني، وإطلاق اسمه على الشوارع في العواصم العربية، وإقامة المهرجانات في كل عام لإلقاء شعره، بالإضافة إلى الدراسات والبحوث التي ستتناوله.. ستفرض نفسها في كافة الأقطار، وهذا أقل ما يمكن لأن نفي مثل هذا الشاعر العملاق حقه.