لعل أعظم ما يميز الحضارة العربية، أنها كانت حضارة شاملة لكل ميادين المعرفة بدءاً من العلوم الطبيعية وإنتهاءاً بالعلوم الإنسانية، حيث عبّر عنها (تويمبي) في إحدى رسائله بأنها كالمحيط ليس لها نهاية أو بداية..
وكثيراً ما نتفاجأ نحن العرب حينما نسمع من المستشرقين الغربيين الذين درسوا الحضارة العربية وتمعنوا في أسرارها: بأن أجدادنا كانوا أول من وضع أسس العلم الفلاني، وأول من إكتشف أسرار العنصر الفلاني، وأول من صنع الآلة الفلانية، وهكذا!!!
bull; وإذا حاولنا أن نضع إحصائيات بين المتعلّمين العرب حول معالم الحضارة العربية، ورجالات العلم، والفن، والثقافة، والفقه، واللغة، من أولئك الرواد الأوائل الذين جادت بهم العصور تلو العصور لوجدنا أن بعضنا، ومع الأسف الشديد يكاد يتسمّر في مكانه حينما يسمع لأول مرة بواحد من العظماء العرب الذي تعرفه أوروبا ويجهله أبناء قومه.
bull; قبل فترة حدثني أحد المستشرقين من إحدى الدول الأوروبية الشرقية قائلاً: تصّور أنني في يوم ما ذهبت إلى إحدى القرى في منطقة بوهيميا لزيارة أصدقائي هناك، وعندما قضيت ليلتي عندهم إصطحبوني في اليوم التالي لزيارة بيت صغير يقع في حافة القرية لأحد الأمراء من القرن الثامن عشر، وقد حولته الدولة إعتزازاً لمقتنياته الثمينة إلى متحف قد يتذكره الزوار أو السياح القلائل جداً والذين يأتون بين الحين والآخر إلى هذه القرية البعيدة، فيلقوا بنظرة لا تكلفهم أكثر من دقائق معدودة، لأنه عبارة عن قاعة صغيرة وبضع غرف موزعة حول القاعة.
وحين ذهبت ملبياً طلب الأصدقاء لزيارة المتحف وجدت أن أثمن التحف الموجودة في هذا المكان كانت تلك التحف والمقتنيات العربية والإسلامية وبينها كتبٌ ومخطوطات.. وقد سمح لي مدير المتحف بتصفح بعضها، وإذا بي أقع على كنز ليس له ثمن من روائع علم الفلك العربي والملاحة العربية وعلم البحار (للادريسي) وغير ذلك من نوادر الكتب العربية القديمة.. ومنها علمت فيما بعد أن العرب هم الذين أعطوا البشرية أصول الملاحة، وعلموا الغرب صناعة السفن التي تقاوم سلطة المحيطات وأهوال البحار، وهم الذين إبتكروا أدوات ضبط المسافات، وأدوات حساب الزمن، وتحديد الإتجاهات الأربعة (البوصلة).
bull; هذه المعلومة تعكس الأبعاد العظيمة التي وصلتها الحضارة العربية..
ولكن أليس من حقنا أن نعتب على شبابنا الذي يجهل معالم هذه الحضارة، بينما يكرس جلَّ اهتمامه لمتابعة كرة القدم التي تجري في أنحاء العالم؟!.. ويحفظ عن ظهر قلب الأغاني ذات المستوى الرقيع والكلمات المبتذلة بأصوات من يجعرون بكاءً على الحبيب الذي احتقرهم!!.. وهذه هي سمة الغناء العربي المعاصر منذ سنوات؟!.. ومتابعة المسلسلات الهابطة؟!!.. في حين لا يعرف البعض منهم من هو الكندي، أو الجاحظ، بل هناك من لم يقرأ كتاباً واحداً لطه حسين أو العقاد أو حمد الجاسر وغيرهم!!..
bull; وإني لأتذكر الآن ما قاله لي الدكتور طه حسين حين التقيته عام 1968: (إننا نمر في مرحلة منحطة في شتى مناحي الحياة!!..)
لو أدركنا الدكتور طه حسين وما نحن عليه الآن، لا أدري كيف يصف ما نحن عليه من انحطاط؟!..
التعليقات