منذ شهور تبنيت الشعار الديماغوجي الناصري quot;لا صوت يعلو فوق صوت المعركة quot; وعليه تجاوز الكثيرون عن اخطاء المعارضة السياسية والعسكرية في مقابل التفرغ لمواجهة الأسد وعصاباته.

لكن ما جرى في البرلمان البريطاني من فشل التصويت على اقتراح لرئيس الحكومة البريطاني quot; ديفيد كاميرونquot; من شأنه مشاركة السلاح البريطاني في عملية عسكرية ضد النظام السوري، وما سمعناه من نقاش طويل جدا من اعضاء البرلمان البريطاني يجعلنا نقرع ناقوس الخطر لمجريات الثورة السورية لدرجة اعتبر فيها هذا التصويت هو شهادة دفن لأحزاب وقوى المعارضة السورية التي كانت عبارة عن رمم اعلن البرلمان وفاتها رسميا بالأمس .
لمن يستغرب الربط بين الامرين، اوضح، انه طالما قالت المعارضة انها لم تشعل الثورة ولم تعلن اندلاعها، وطالما اعلنت انها ضد العمل المسلح وضد العسكرة حتى اذا ما اصبح الامر واقعا ركبت المعارضة العمل المسلح،تماما كما ركبت قيادات من يسمى الجيش الحر على دماء شبابنا الذين قدموا حياتهم فداء للوطن دون مقابل، والتي استثمرها جنرالات الجيش الحر العاطلون عن العمل والمعارضة السياسية المتطفلة على الثورة .اما الاغاثة واللاجئين ومعالجة الجرحى وغيرها فهي من عمل المنظمات الاغاثية والانسانية وحجة المعارضة جاهزة دوما بقلة الدعم وانتفاء التمويل والسرقة والفساد في حال توفره بندرة.
اذاً بقيت الشماعة الوحيدة لعمل المعارضة هي ايصال صوت الثورة للعالم والدفاع عن الثورة امام منطق التشبيح الذي يجيده من يسمي نفسه quot;معارضا وطنياquot; قبل ان يجيده النظام، مهمة المعارضة برأسيها المجلس الوطني والائتلاف الوطني كانت كما حددوه هم بأنفسهم، ان يكونوا سفراء للثورة السورية في العالم وحشد الدعم والتأييد لها.
السؤال هنا، ان كانت دولة مهمة كبريطانيا عضو في مجلس الامن، وكبلد داعم للثورة من اول يوم، بل وطالب مرارا بكسر الحظر عن توريد الاسلحة للمعارضة المسلحة، اضافة لتحمله عبء حوار الطرشان مع الجانب الروسي لتليين موقفه، ناهيك عن التواجد التاريخي للمعارضة السورية في لندن من اخوان مسلمين وغيرهم من كل الملل والطوائف والاعراق، حيث وضعت امامهم كل الامكانيات من لجوء سياسي وانساني ودعم واعلام وصحافة وفتح دكاكين حقوقية وسياسية بتمويل علني ومستور، حتى ان بريطانيا من اول الدول التي اعترفت بالمجلس الوطني quot;يمثلنيquot; وبالائتلاف الوطني بل وشاركت تصنيعه، وكانت ثاني دولة تفتح سفارة للمعارضة في لندن وتترك حرية تسمية السفير لمعارضة الائتلاف..
ماذا كانت النتيجة ؟ 285 صوت ضد 272 صوت كان من نتيجته رفض اقتراح رئيس الحكومة والذي هو يمثل وجهة نظر المجلس والائتلاف المعارضين ..
الا يحق لنا كسوريين ان نتساءل كيف ان اكثر من نصف ممثلي الشعب البريطاني لا يملك ادنى فكرة عن حقائق الثورة السورية واهدافها ؟! هل سمعتم ذلك النائب الذي سأل رئيس الحكومة عن انعكاس الضربة العسكرية ضد الاسد على اليمن!؟ ومن ذلك المنطلق يرفض توجيه الضربة !! واضح طبعا ان سعادة النائب لا يعرف الفرق بين الصومال وسورية وربما تشوش بالموقع الجغرافي لكل منهما . اما بقية النواب الذين اعترضوا فغالبا ما كانوا يتحدثون عن حرب اهلية وحرب طائفية وعن بلد يقتل فيه المسيحيون على الهوية وتغتصب فيه المرأة على حواجز التفتيش وليس مهما من هو ينتمي للسلطة او المعارضة لانهم يتناقشون عن بلد اقتسمت فيه القاعدة والاسد النفوذ quot; وفق رأيهم quot; ولاوجود لمعارضة سياسية مدنية ديمقراطية، اما الجيش الحر فهو وهم لم يستطع احد اقناعهم بوجوده.
يعني ممثلي اكثر من نصف الشعب البريطاني لا يعترف بالمعارضة السياسية، بل لا يراها، وهم محقين لأنهم لو قابلوها او تحاوروا معها او حتى استمعوا او قرأوا لها على ادنى حد ..لربما غيروا رأيهم مما يحدث بسورية .
أيعقل ان يكون اغلب معارضينا quot;الانكليز quot; في بريطانيا لا يعرفون اللغة الانكليزية ولا يفكون طلاسمها وهم يعيشون على قفا دافعي الضرائب البريطاني من سنوات ويحملون جنسية الملكة ! أيعقل الا تكون لهم مقالات في الصحافة البريطانية تبين عدالة الثورة السورية ومطالبها، في الاوبزرفر او الغارديان او التايم او حتى في الصحف الصفراء التي تسمى بصحف التابلويد، تاركين الساحة للشبيحة البريطانيين مثل روبرت فيسك وباتريك سيل يصولوا ويجولوا على هواهم، هوى النظام؟!.
أيعقل الا يكون لنا مركز ابحاث او دراسات او على الاقل تنظيم ورشة عمل او حتى محاضرات او محاضرة نتواصل فيها مع الطبقة السياسية هناك، اليس غريبا عدم الحوار والتواصل مع منظمات المجتمع المدني الكثيرة في بريطانية او زيارة الاحزاب البريطانية ومجلس النواب ودق ابوابهم او زيارة الجامعات والمعاهد الانكليزية...طبعا المعارضة مشغولة باقتسام الفتات وغارقة بمحاربة بعضها ودق الاسافين فيما بينها والاقتتال على تقاسم جلد الدب قبل اصطياده، طبعا تبقى تلك الاسئلة ساذجة امام عدم تواصل المعارضة مع الجالية السورية او حتى العربية والاسلامية وهم من الاصدقاء المفترضين لثورتنا سلفا، فكيف نطالبهم بالتواصل مع البريطانيين!.
من ايام وجدت شلة من السوريين بأحد فنادق استانبول قدموا انفسهم انهم من المعارضة السورية في بريطانية، وتساءلت عن سبب وجودهم هنا بلا مؤتمر او اجتماع لائتلاف سبق و اعتدنا ان نجد حلقات طفيلية على هامشه، خاصة وانهم تحملوا نفقات السفر والاقامة وفي توقيت دقيق يفترض فيه العمل كل في ساحته، فقيل لي انهم يريدون الالتقاء برئيس الائتلاف والذي كان بدوره مشغولا بعشرات المواعيد الرسمية اضافة لمشاركته باجتماعات المجلس الاعلى العسكري والاركان وممثلي الحراك الثوري ..مما اضطر الوفد للبقاء في الفندق يومين متتالين بدلا من بقائهم في بلدهم والعمل مع السياسيين هناك لتلافي ما حدث .
ان معارضتنا وجه اخر للنظام، بل هي تلميذ نجيب له، كما كان النظام السوري يبني علاقاته من فوق ويكتفي بالعلاقة مع الرأس، تعممت تلك الثقافة بالمجتمع السوري فاصبحت العلاقة مع الوزير دون الوزارة ورئيس الشركة دون الموظفين سواء كانت الشركة قطاع خاص ام عام وهكذا ..انه مفهوم المعلم، ويكفي ان تكون علاقتك جيده بالمعلم وانسى ما دونه، من هنا كان النظام السوري بحاجة الى اعادة ترتيب اوراقه دوماً في كل مرة يفقد الراس الذي اعتاد ان يحميه، خبرنا ذلك ايام الاتحاد السوفيتي بوفاة الرؤساء برجينيف واندربوف وتشرينينكو ومع كل وفاة يبدأ النظام من الصفر، بل وحدث ذلك مع quot;المعلمquot; الايراني بانتهاء ولاية رفسنجاني الثانية حيث اتى للحكم محمد خاتمي و كانت حينها افتر علاقات للنظام مع ايران، فجأة وجد النظام نفسه اقرعاً دون لوبي او صحافة او احزاب او جمعيات.. تجبر خاتمي على السير بنهج خلفه. ومعارضتنا تكتفي بالعلاقة ايضا مع quot;المعلمquot; وفي مثالنا المعلم هو quot;وليم هيغquot; وعند غيابه فالمعلم هو السفير جون سفير بريطانية في اليمن سابقا وبديل السفيرة فرانسيس غاي لدى المعارضة السورية، وجون ليس معلما بالاسم بل بالفعل ايضا، فهو يرسل اوامره للمعارضين مرة بالأيميل ومرة بالهاتف لدرجة انني مرة قابلت احد المعارضين في استديو قناة العربية بإحدى الدول عندما ارسل له السفير quot; جون quot; مسج على موبايله يطلب منه التصويت لـ غسان هيتو كرئيس حكومة مؤقتة ويطلب منه عدم الانسحاب من الائتلاف، ذلك الائتلاف الذي رأسه شيخ لم يقدم سوى استقالات وفتاوى العادة السرية ليخلفه بالوكالة رجل منسي من ايام الاتحاد السوفياتي وعندما يتكلم يتطاير الغبار من فمه، اما الرئيس الحالي فقد ورث تركة ثقيلة يحتاج الى غير هذا الطاقم كي ينجح في عمله.
أتساءل هنا عن مصير الاف السوريين ان نجحت تجمعات بعض الاتراك الاحتجاجية ضد رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان في ان تتحول لثورة او انقلاب على الطريقة المصرية .
اجد نفسي اردد شعار الثورة quot; مالنا غيرك يا الله quot; لكن هذه المرة ليس من منطلق ايماني فقط بل من منطلق المفلس العاجز.
*الأمين العام لتيار التغيير الوطني