امتلأت شوارع القاهرة والمحافظات بلافتات دعائية للمرشحين فى الإنتخابات البرلمانية القادمة التى لم يحدد لها موعد حتى الان.. اكتست حوائط المنازل والمساجد والحدائق بوجوه الطامعين لدخول مجلس الشعب القادم الذى سيتقاسم السلطة مع الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أول سابقة بالحياة السياسية المصرية طبقا للدستور الجديد..

غير أن المتأمل للافتات الدغاية يلاحظ غياب الأحزاب المصرية التى برز منها بعد 25 يناير حوالى عشرين حزبا وبعد 30 يونيو ما يقرب من ثلاثين اخرين بالأضافة للأحزاب القديمة مثل الوفد والتجمع والناصرى والأحرار وغيرها..

كان الرئيس الراحل السادات قد أعاد الأحزاب عام 1977 تحت مسمى المنابر من وسط ويمين ويسار ثم أسماها بحزب مصر الذى رأسه والأحرار برئاسة مصطفى كامل مراد والتجمع بزعامة خالد محى الدين.. ثم تحول حزب مصر الى الحزب الوطنى الديموقراطى ورأسه السادات ايضا وبالتالى تحول إليه كل أعضاء حزب مصر..&

منذ منتصف السبعينات وحتى يناير 2011 كان الحزب الوطنى هو حزب الأغلبية الحاكم الذى رأسه الراحل السادات والمسجون حاليا الرئيس الاسبق مبارك..

الحياة السياسية المصرية اعتمدت على أن يستأثر الرئيس وحزبه بمقاعد البرلمان، فى المقابل كانت المعارضة تتهمه بالسيطرة والتزوير والعمل على إضعاف المعارضين ومحاصرتهم وعدم السماح لهم بتأسيس أحزاب جديدة سواء دينية أو مدنية..

مات السادات وانتهى مبارك وكانت فرصة الأحزاب المعا رضة " ذهبية " فقد اختفى " الغول " الذى كان يخيفهم، وبات تحقيق حلم مشاركتهم السياسية قريبا.. ومع ذلك فشلت المعارضة الليبرالية المدنية فى أن يكون لها أغلبية فى برلمان الإخوان الذى تم انتخابه عام 2012 اثناء رئاسة مرسى الكارثية..

لم ينجح حزب واحد حتى الان فى إعلان برنامجه الإنتخابى للبرلمان القادم.. وفى الوقت ذاته فشلت كل الأحزاب فى تشكيل تحالف تخوض به الإنتخابات ليكون لها كتلة مؤثرة عند التصويت على مشروعات القوانين المعروضة من الحكومة أو الرئيس.. اّثر كل حزب الأنانية والإنفرادية متوهمين أن لهم ثقلا فى الشارع وهم أضعف ما يكون.. بل أن أهل النخبه والمثقفين يجهلون أسماء كل الأحزاب المصرية..

غير أن أخطر ما يواجه هذه الأحزاب حاليا أنها تتصارع على أن تكون لسان حال الرئيس بدلا من أن تصبح لسان حال الشعب.. مازالت العقلية السياسية التى استمرت لـ 60 عاما مستمرة.. القرب من الحاكم يعنى المزايا والإستثناءات والسلطة والبعد عنه " منفى " سياسى يطمحون الى البعد عنه، بإستثناء الإخوان الذين سيدخلون البرلمان تحت ستار التيار السلفى أو المدنى ثم تفاجىء بهم تحت قبة البرلمان وقد تحولوا الى جلادين للحكومة ومعارضين لأى قانون بدعوى انه ضد مصلحة الشعب.. سيتحدثون الى الإعلام مشوهين الإنجازات ومتصيدين الأخطاء ولن يكون لهم هدف سوى أن يصبحوا " خميرة عكننه "..&

من ناحية أخرى هناك فريق من مؤيدى الرئيس يقولون له انه ليس بحاجة لأحزاب ويكفيه الشعبية الجارفة له والتفاف المصريين حول مشروعاته وثقتهم فيه لدرجة انهم قدموا 62 مليار جنيه لمشروع توسعه قناة السويس فى 8 أيام فقط.. هذا الإدعاء بأن شعبية الرئيس السيسى تغنيه عن الأحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدنى سيضر الرئيس قبل أن يهمش الأحزاب..

مطلوب من الرئيس أن يستغنى عن هذه الشعبية الإنفعالية الوقتية التى قد تتراجع فى أى وقت.. كما أن العالم لن يسمح – فى ظل التربص بمصر الذى الذى مازال موجودا وإن تراجع للخلف - بغياب تنظيم سياسى وديموقراطى منتخب على أسس نزيهة ويتفق مع التعددية المجتمعية وتياراته المختلفة..

إعتقادى الشخصى أن الرئيس السيسى مدرك تماما لمغبة الإتكال على شعبية متأرجحة وبالتالى فهو لا يريد تشكيل حزب سياسى أو دعمه أو السماح لأعضائه بالتحدث للإعلام على أنهم ممثلون له فهو لا يريد تكرار الإتحاد الإشتراكى ثم حزب مصر ثم الحزب الوطنى الذين تعاقب عليهم عبد الناصر والسادات ومبارك وفشلوا فى تحقيق أمال وأحلام المواطنين رغم شعاراتهم البراقة.. إذ أن كل ما نجحت فيه تلك التنظيمات السابقة هو تكريس صناعة الفرعون..

بالقطع الرئيس السيسى لا يريد أن يجمع بين رئاسة الدولة ورئاسة حزب بيروقراطى سلطوى جديد، لكنه قد يراهن على قدرته على حشد الجماهير والإستفادة من حالة الشعبوية التى تلتف حوله.. وهنا لابد أن يراجع حساباته.. ويراهن على بديل التحول الديموقراطى الذى يضمن مشاركة جماهيرية واسعة من خلال أحزاب ونقابات قوية ومؤسسات مجتمع مدنى فاعلة وقادرة على حفظ التوازن بين الدولة والمجتمع.. ولا شك فى أن التحول الديموقراطى ليس رهنا بإرادة السيسى فقط، وإنما بمشاركة أطراف أخرى فى مقدمها الأحزاب الضعيفة، والتى وصل عددها الى 92 حزبا ( كانت 24 حزبا قبل ثورة 2011 ) لا يشعر المواطن بوجودها، فمعظمها أحزاب نخبوية، يتركز وجودها فى مقرات فى القاهرة والمدن الكبرى إضافة الى جريدة أو موقع إليكترونى محدودي الإنتشار والتأثير.. من هنا يظل للسيسى دور كبير فى عملية دعم الأحزاب وإنجاز مهمات التحول الديموقراطى وذلك فى ضوء الإعتبارات التالية:

1- لابد من تغيير قانون الإنتخابات الذى يأخذ بنظام الدوائر الفردية فى البرلمان ( 80% ) مقابل ( 20% ) للأحزاب وهو ما سيساهم فى إضعاف الأحزاب أكثر مما هى ضعيفة.. من ثم فان تغيير القانون الى نظام القوائم النسبية ولو لمرة واحدة سيقلص من النواب المستقلين ويمنع تسلل الإخوان للبرلمان مره أخرى..

2- على الرئيس السيسى أن يسارع بإعلان موعد محدد لإجراء الإنتخابات البرلمانية ليقطع الطريق على المروجين لفكرة التأجيل وفى الوفت ذاته إستحداث أنظمة رقابة قانونية ومجتمعية على تمويل الأحزاب لمحاصرة التمويل الدينى للأحزاب وإنهاء سيطرة رجال المال والأعمال على بعض الاحزاب المعروفة.. فى الوقت ذاته ممارسة أكبر قدر من الشفافية والرقابة الدولية والمجتمعية على عملية الإنتخاب..

3- على الأحزاب القديمة تغيير فكرها المتحجر خاصة الأحزاب الخشبية التى يقتصر نشاطها على إصدار الصحف، اما الأحزاب الكرتونية والتى ظهرت بعد 25 يناير و 30 يونيو 2013 فليس لها قواعد جماهيرية أو فكر أيدولوجى أو برنامج سياسى محدد وبعضها للأسف نشأ لإعتبارات الأقلية الطائفية..

بإختصار لابد أن تقوى الأحزاب وتتطور وفى الوقت ذاته يظل الرئيس بعيدا ومستقلا عنها ولابد من تغيير الثقافة السياسية للمصريين فالمسئولية مشتركة بين الرئيس والأحزاب وليست صراعا سياسيا مع المعارضة بحيث يظهر من يختلف مع الحكومة انه عميل وخائن وإخوانى وطابور خامس..&

والى حديث اّخر.

&

الكاتب رئيس تحرير الجمهورية السابق