توقعات وتساؤلات البعض عن احتمالات قيام دولة فلسطينية مستقلة بحدود واضحة متفق عليها ومعترف بها، بدأ تداولها بعد قيام مجلس العموم البريطاني التصويت بالموافقة بأغلبية عالية على الاعتراف بدولة فلسطين، إذ صوّت 274 عضوا بالموافقة مقابل 12 عضوا فقط رفضوا هذا الإعتراف، رغم انّه مجرد خطوة رمزية لا تدعم وقائع ميدانية على الأرض، إلا أنّ البعض اعتبرها خطوة ذات دلالة كونها جاءت من دولة وعد بلفور عام 1917 التي مهّدت حقيقة لقيام دولة الاحتلال الإسرائيلي عام 1948 . هذا ومن المعروف هو رفض الاحتلال الإسرائيلي المتواصل لقيام هذه الدولة الفلسطينية ليس فقط بعد الاعتراف الرمزي لمجلس العموم البريطاني بل منذ عام 1988 ، عندما قام الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بنفس الخطوة الرمزية في المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد آنذاك في العاصمة الجزائرية معلنا قيام الدولة الفلسطينية ضمن حدود عام 1967 التي لا تشكل أكثر من 22 % من مساحة فلسطين التاريخية. وهذا الرفض الإسرائيلي المتواصل حتى اليوم يعني 66 عاما من الاحتلال و 35 عاما منذ مبادرة الرئيس عرفات المذكورة، رغم أنّه منذ ذلك العام وحتى اليوم اعترفت حوالي 140 دولة في العالم بتلك الدولة الفلسطينية الرمزية أو التي ما زالت مجرد حلم فلسطيني على الورق. وهذا يعني انتكاسة حقيقية لحركة النضال الفلسطيني التي يعتبر الكثيرون بدايتها مع انطلاقة فتح في العام 1965 أي أنّه منذ 49 عاما لم يحقّق ذلك النضال الفلسطيني أية خطوة ميدانية في الواقع، بل العكس فإنّ الاستيطان الإسرائيلي الذي لم يتوقف منذ عودة القيادة الفلسطينية للقطاع والضفة بعد توقيع إتفاقية أوسلو عام 1993 ، هذا الاستيطان المتواصل استولى على غالبية مساحة مدينة القدس وجوارها وعلى نسبة ليست بسيطة من مساحة الضفة الغربية. هذا رغم السرعة القياسية التي حقّقت فيها حركات نضال أخرى أهدافها الوطنية فبعد احتلال فرنسي للجزائر دام 130 عاما استطاعت حركة التحرير الوطني الجزائرية التي اندلعت ضد الاحتلال الفرنسي في نوفمبر 1954 أن تحقّق استقلال الجزائر في العام 1962 أي بعد نضال قرابة سبعة أعوام ونصف. وكذلك حركة التحرير الوطني الفيتنامية التي اندلعت من فيتنام الشمالية في سبتمبر 1956 ضد فيتنام الجنوبية وحلفائها أو محتليها الأمريكان، استطاعت أن تحقّق النصر النهائي وتوحيد فيتنام في يونيو 1975 أي بعد نضال وحرب ضروس قرابة 9 أعوام.
احتلال عن احتلال بيفرق!!!
هذا الفارق في نتائج نضال حركات التحرر يعود إلى طبيعة الاحتلالات، فكافة الاحتلالات التي شهدها التاريخ في القرنين الماضيين كانت احتلالات لدوافع اقتصادية أو ثقافية أحيانا قليلة، مما جعلها تندحر بسرعة أمام نضالات الشعوب، خاصة أنّه بعد الاندحار والنصر للشعوب تستمر العلاقات المتساوية بين الدولة المحتلة أو المستعمرة والدولة المنتصرّة المستقلة كما في حالة الجزائر وفيتنام ودول أخرى غيرها. هذا بينما الاحتلال الصهيوني الإسرائيلي لفلسطين منذ العام 1948 هو احتلال لا مثيل له في التاريخ لأنّه احتلال استيطاني اقصائي بمعنى توطين شعب في أرض شعب آخر وطرده منها بصورة علنية مترافقة مع مجازر ومذابح ترقى لحدّ الإبادة الجماعية. و الطريقة التي تمّ فيها قيام دولة الاحتلال الإستيطاني الصهيوني في فلسطين ترقى كنظرية ثم تطبيق لحد الجريمة التي لا مثيل لها. ففلسطين التاريخية كانت تحت الانتداب البريطاني فبأي حق أو تشريع دولي يرسل وزير خارجية الانتداب "جيمس بلفور" في الثاني من نوفمبر1917 رسالة لمواطنه المصرفي البريطاني يهودي الديانة "ليونيل روتشيلد" يخبره فيها بتأييد حكومته البريطانية لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، رغم أنّ الوثائق البريطانية نفسها تثبت بشكل قاطع أنّ اليهود لم يكونوا يتجاوزوا خمسة بالمائة من مجموع الشعب الفلسطيني آنذاك. لذلك بعد تهجير وطرد الفلسطينيين بشكل جماعي من وطنهم القومي التاريخي بدأت الحركة الصهيونية جلب السكان متنوعي الجنسيات والديانات من مختلف دول أوربا لتوطينهم محل السكان الفلسطينيينن واستمرت عملية جلب السكان من الخارج لدولة الاحتلال الاستيطاني بعد سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991 لدرجة أنّ نسبة ممن تمّ جلبهم من سكان دول أوربا الشرقية لم يكونوا يهودا بل مسيحيين هربوا من فقر تلك الدول متظاهرين أنّهم يهود وهم لا يعرفون سطرا عن الديانة اليهودية أو كلمة من اللغة العبرية.
لذلك يستمر الرفض الصهيوني لأية دولة فلسطينية،
مهما كانت حدودها حتى ولو على ما تبقى من القطاع والضفة بعد ما أكله الاستيطان المتواصل. والدليل على ذلك هو أنّ دولة الاحتلال هي الدولة الوحيدة في العالم اليوم التي لا حدود لها ويرفض مسؤولو الاحتلال تحديد حدود واضحة لتلك الدولة، ثم يجيء أخيرا الاعتراف الواضح بهدف دولة الاحتلال حيث صرّح "موشيه يعالون" وزير الدفاع الصهيوني قائلا: (لن تقام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وإنّما حكم ذاتي منزوع السلاح". وستكون لدولته "سيطرة أمنية كاملة جويا وبريا وأنّه لا يسعى إلى إيجاد حلّ مع الفلسطينيين وإنما إلى إدارة الصراع". وبالتالي رغم كل تنازلات السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس، فوزير الدفاع الصهيوني لا يعتبرهم شركاء في صنع السلام بل طرف في إدارة الصراع. إنّ هذا التصريح الصهيوني هو أوضح ما صدر عن مسؤولي دولة الاحتلال، وهو يعني بوضوح وصراحة أنّ الصراع الفلسطيني الصهيوني مستمر إلى أمدّ لا يعرف أحد مدته، طالما هذا التنكر لكافة مطالب الشعب الفلسطيني مهما رافقتها من تنازلات.
والشعب الفلسطيني وحده من له الحق أن يقرّر،
استمرار الحال كما هو عليه منذ توقيع اتفاقية أوسلو، أم التفاوض من أجل حكم ذاتي أم عودة الاحتلال المباشر كما كان قبل عام 2000 ...فلا أمل ضمن المعطيات القائمة و موازين القوى الحالية في أية دولة فلسطينية مهما كانت حدودها. إلا أنّ الوضع الحالي الضبابي الذي يقوم على صراع وحرب كل خمسة سنوات أو اكثر لا يستفيد منه إلا الاحتلال والقيادات الفلسطينية من كافة التنظيمات التي همّها الوحيد الكراسي وما يدخل جيوبها وحساباتها المصرفية، أمّا الدمار الذي يلحق بالشعب الفلسطيني فهو مستمر وإعادة بنائه من المستحيلات رغم كل الوعود الدولية الأخيرة في لقاء القاهرة، فهي وعود لن يتحقق منها إلا نسبة بسيطة وغالبها ضائع لجيوب وحسابات المسؤولين الفلسطينيين بدليل أنّ الدمار الذي ألحقه اجتياح عام 2006 للقطاع لم يتمّ إعمار أغلبه حتى اليوم، فما بالك بدمار وخراب اجتياح 2014 الأخير.
www.drabumatar.com
&
التعليقات