وكأن هجمات تنظيم "داعش" الإرهابي على مدينة كوباني الكردية السورية لا تكفي حتى تأتي بعض أطراف المعارضة السورية، وعلى رأسها "الائتلاف" الموالي لتركيا، لاتهام الكرد ب"موالاة الغرب" و"التنصل من الوطنية السورية" لأن طائرات التحالف العربي/الغربي تقصف حشود "داعش"، وبذلك تقوّي من موقف وحدات حماية الشعب(YPG) التي تدافع عن المدينة!. وهذا الموقف العدائي لم يقتصر فقط على "الائتلاف" الذي أصدر مؤخرا بيانا يعارض فيه إرسال إقليم كردستان العراق لقوات عسكرية للإنضمام للمقاومة التي تحمي المدينة، بحجة "انتهاك السيادة السورية"، بل شمل فضائيات ومواقع إنترنت أخرى، وكذلك تشكيلة واسعة من الإعلاميين والصحفيين السوريين.

الآن هناك موضة لتخوين الكرد الذين شكلوا إدارات ذاتية ابتعدوا فيها عن الحرب الطائفية التي تجري بين "الائتلاف" و"جبهة النصرة" و"داعش" من جهة، وبين النظام السوري وحلفائه من جهة أخرى. لم يقبل الكرد وصاية المعارضة المرتبطة بالمحاور الإقليمية، والتي طرحت منذ البداية خطابا طائفيا عنصريا، حاولت من خلاله الحصول على دعم المحور الخليجي السني. لقد قرأ الكرد، عبر فصيلهم الطليعي حزب الاتحاد الديمقراطي، المشهد قراءة صحيحة، ونأوا بأنفسهم وبمناطقهم عن الحرب بالوكالة التي خاضتها المعارضة والنظام. وكان العداء الكبير من جانب تركيا، والتي وجدت في الإدارات الثلاثة في مقاطعات الجزيرة وعفرين وكبوباني خطرا عليها، فتعاونت مع "داعش" للنيل من هذه الإدارات. وكان "الائتلاف" هو إحدى الأدوات التي حاولت "نزع الشرعية الثورية" عن هذه الإدارات واتهام حزب الاتحاد الديمقراطي وحلفائه من الأحزاب الكردية والسريانية، والعشائر العربية بالارتباط مع "المحور الإيراني الصفوي"، حيث شنت أوساط "الائتلاف" منذ تشكيل هذه الإدارات هجمات إعلامية تخوينية لا مثيل لها ضد هذا الحزب، ومن ورائه كل الشعب الكردي. بل ووصل الأمر بمذيع غوغائي كان صديقاً للنظام السوري بشتم الكرد على الهواء مباشرة في برنامجه الذي يٌبث على قناة خليجية.

الآن يبدو "الائتلاف" غاضبا من بروز الكرد في سوريا كقوة عسكرية وسياسية لها ثقل واضح. يبدو غاضبا من التعاون الحاصل بين التحالف العربي/الدولي وحكومات المقاطعات الثلاثة وقواتها العسكرية وحدات حماية الشعب(YPG). فـ"الائتلاف" يشعر بمشروعه الطائفي العنصري الذي كان، مناصفة مع بطش النظام، سببا في دمار سوريا وهو يهوي في الحضيض. فالحكومة التي شكلها "الائتلاف" شكلية لا تحكم قرية واحدة، فضلا عن فضائح نهب أموال المساعدات الإنسانية التي تعصف بها، و"الجيش الحر" تبخر وفرّ معظم قادته من ميادين القتال، بينما أنظم أفراده إلى "داعش" أو "جبهة النصرة"، لذلك فالولايات المتحدة الأميركية والغرب لم يعودوا يظهرون أي اهتمام بـ"الائتلاف" ولا يقيمون له وزنا، وهم يعرفون أن لا كلمه له في المشهد السوري. بينما الوضع يختلف مع الكرد، فلهم 3 مقاطعات، مستقرة وتشهد تفاهما بين مكوناتها، حيث الكل مشارك في الحكومات والمسؤوليات، ومتساوون في الحقوق.

حالة الحسد والحقد على الكرد لا تأتي فقط بسبب الدعم العسكري من جانب قوات التحالف العربي/الغربي، ولا من النجاح في إبقاء المقاطعات بعيدة عن الحرب الطائفية، ولا بسبب أن الكرد أخذوا محل "الائتلاف" في تمثيل الناس والأرض، ولكن أيضا لأسباب عنصرية بحتة. فالقائمون على "الائتلاف" اغلبهم كانوا في صفوف النظام السوري. خدموا بشار الأسد ووالده سنوات طويلة، قبل أن يغادروا سفينة النظام التي ظنوا إنها ستغرق قريبا. هؤلاء كانوا أدوات منهجية في مشاريع النظام العنصرية التي طالت الوجود الكردي وهدفت لتذويب وتهجير الكرد، لذلك فإن القائمين على "الائتلاف" يريدون ممارسة نفس السياسة السابقة، وتحت نفس الذريعة: "حماية وحدة الأراضي السورية"!.

الحقيقة أن الكرد الآن هم بناة الوطنية السورية الحقيقية. لم يبيعوا دماء السوريين لأي محور طائفي في المنطقة، مقابل الأموال والسلاح. لم يقتلوا الناس على الهوية الطائفية والعنصرية، كما فعلت "المعارضة" التي كانت تبرر قصف المجموعات الإجرامية لمدن وأحياء الكرد والعلويين والشيعة والمسيحيين والإسماعيليين، بحجة أنها "موالية للنظام". الكرد لم يغطوا على "جبهة النصرة" ولم يخرجوا في جمعة سموها "جمعة جبهة النصرة ليست إرهابية"، ولم يقتلوا الأقليات ولم يتحالفوا مع "النصرة" و"داعش" و"أحرار الشام"، ولم يتلقوا الأموال والأسلحة من الدول القمعية المتخلفة، ولم يعدموا الأسرى من مجندي الجيش النظامي. الكرد ومعهم السريان والعرب في المقاطعات الثلاث فتحوا بيوتهم لكل المهجرين السوريين، وقسموا خبز أولادهم معهم.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال قبل أسابيع بان كوباني ستسقط، وأعرب عن سعادته لأن "داعش" ستؤدب الكرد السوريين، الذين تمادوا كثيرا!. لكن آماله خابت. كوباني ما زالت تقاوم، والكرد تحولوا إلى أيقونة المقاومة في كل العالم. المظاهرات تخرج في أفغانستان والأرجنتين لتحية مقاوميهم. وقد تحولوا إلى الشريك السوري الوحيد في الحرب ضد الإرهاب الدولي. وهذا ما زاد من جنون "الائتلاف" ومن ورائه فضائية (أورينت) الطائفية العنصرية، حيث الحملة الإعلامية الظالمة ضد مقاومة الشعب الكردي في وجه إرهاب "داعش".

المقاطعات الثلاثة في منطقة روج آفا سوف تصمد وهي تحولت إلى بارقة أمل لكل السوريين الأحرار، و"الائتلاف" ومن ورائه تركيا، و "داعش" و"النصرة" و"أحرار الشام" في تراجع، والعالم كله بات يعرف حقيقة هؤلاء وعلاقاتهم المشبوهة. لكن يبقى من المهم توجيه دعوة أخيرة للرجوع إلى بعض أبناء المقاطعات الثلاثة من الكرد والعرب والسريان، الذين ما يزالون ضمن صفوف "الائتلاف" ومطالبتهم بترك هذا التنظيم الطائفي العنصري الخطر على الوطن السوري، والعودة إلى مناطقهم، والنضال من هناك لإنهاء هذه الحرب وبناء سوريا ديمقراطية حرة غير تابعة لأي أجندة إقليمية.
&

[email protected]