تذهب الى صالون الحلاقة، فيسألك العامل فيه: بالله عليك كيف استطاع تنظيم داعش أن يسيطر بهذه السرعة؟
تذهب الى سوق الخضار، فيطل عليك السؤال ذاته من بين الخيار والطماطم.
تذهب الى ميكانيكي السيارات، فيكرر السؤال والسواد يلطخ يديه وجبينه.
كلهم يسألون وفي أسئلتهم جواب مخفي أن داعش ما هو إلا صنيعة أمريكية صهيونية، إذ ما تفسير حصول التنظيم على المال والسلاح والسيطرة السريعة على أقاليم ومدن منيعة؟
الإعتقاد بذلك، في رأيي، يجانب الحقيقة. فتنظيم داعش ما أتى من فراغ، ذلك ان نصف العالم الإسلامي يكاد يكون داعش، وانظروا إلى كتبنا ومدارسنا. وهذا أولا. ثانيا، ينشأ التطرف في جو من التشتت الممنهج أو الفوضوي. وهو ما يعيشه العالم الإسلامي حاليا. انظروا كيف احتفل المسلمون بعيد الأضحى الأخير. لأول مرة في التاريخ، ربما، يحتفل المسلمون بعيد واحد في ثلاثة تواقيت مخلتفة. السعودية والخليج يوم السبت، المغرب وشمال افريقيا يوم الأحد، وباكستان وما جاورها يوم الإثنين. كيف إذا لا ينشأ التطرف وسط هذا التخبط في اختيار تاريخ بسيط وعلمي؟ الحري بنا لا أن نسأل كيف ظهر التنظيم، بل لماذا تأخر ظهوره حتى اليوم؟
أما الغرب..
فليس من مصلحته ان يكون هناك داعش. والسبب بسيط. ففي هذا الغرب جاليات مسلمة كثيرة. كثيرة جدا. ففي دراسة لمنظمة اسمها "عدالة للجميع" قدرت أن ما يزيد عن 45 مليون مسلم يعيشون في اوروبا. وهؤلاء ليسوا مجرد سائحين أو عابرين، بل كلهم مواطنون. أصولهم عربية في أكثرهم، لكنهم مواطنون غربيون يتمتعون بنفس الحقوق مع الغربيين الأصليين. وليس الغرب بالغباء ليخلق او يدعم تنظيما هو قادر على إحياء النعرات العنصرية والطائفية في أوروبا، فمن الذي ينشد حريقا في داره، او في حديقته الخلفية او الأمامية؟ من يريد في الغرب اليوم، حربا يقتل فيها الفرنسي فرنسيا، والأنجليزي انجليزيا؟ لقد اشارت دراسات حديثة إلى نمو وتيرة الرفض للإسلام في الغرب، فهل هذا ما يريده الغرب؟ لا... لأن الغرب الذي هو ربما يرفض الإسلام، ولا يريده، لا يملك إلا ان يحترمه، ليس حبا به ولكن لأن جزءا من أبناءه، وجزء كبير، هو مسلم ومتدين. عليه، لن يقبل بحرب أهلية بسبب الدين، والدين تحديدا. فلهذا الغرب تاريخ أكثر عمقا منا في محاربة العنصرية، لما عاناه منها. فمن أجلها خاض مرارة التاريخ والحرب، من حروب المائة عام الدينية، إلى محارق هتلر النازية. التطرف في الفكر، والعنصرية في الفعل، كانت دوما عدوة أوروبا والعقلاء. نعم.. هناك عنصرية في الغرب كما هي في كل مكان في العالم، لكن القانون الذي يحرمها هناك، ويجرم صاحبها، لا يفعل الشيء ذاته في بلادنا الإسلامية والعربية، حيث يتعاظم الكره ضد كل ما هو غير إسلامي حتى مع المواطنين الصالحين من ديانات وطوائف اخرى، وما العراق وسوريا ومصر سوى نماذج.
داعش نشأ بسبب تطرفنا نحن، جهلنا، وشتاتنا.
لست ادافع عن الغرب الذي عشت فيه وعرفته، ولن أدافع عن عالمنا الإسلامي الذي انتمي إليه وخبرت كيف هو يفكر ويعيش. لكن خلاصة ما أقول هو أن التهرب من المسؤولية، وإلقاء التهم على الآخرين، سيفاقم المأساة ليس إلا..

[email protected]

&