كعادتهم وكما هو متوقع منهم تماما ويناسب جداً تفكيرهم وقدراتهم السياسية والإعلامية والعقلية.. قام الإخوان بما هو مطلوب منهم على خير وجه.. ففرحتهم وشماتتهم وسخريتهم فى دولة مصر وجيشها وأهلها بعد الحادث الإجرامى الإرهابى يوم الجمعة 24 اكتوبر فى كرم القواديس بالشيخ زويد فى سيناء.. كانت الحجر الذى اصطاد أكثر من عصفور.. فتلك الفرحة من ناحية زادت من كراهية عموم الناس واشمئزازهم من الإخوان ورفضهم بمنتهى الإقتناع والنفور والغضب.. لأن الإخوان غالبا يفتقدون أى ذكاء إنسانى واجتماعى وإعلامى.. فلم ينجحوا فى إخفاء فرحتهم بما جرى رغم تباكيهم الزائف على الشهداء الذين ماتوا وتعازيهم التى لم تخف ما فى القلوب والعقول التى فاضت بالسعادة والإبتهاج.. وتلك الفرحة من ناحية أخرى أعادت كثيرين للإلتفاف من جديد حول عبد الفتاح السيسى كرئيس لمصر.. فقط هبط السيسى خلال الأيام الكثيرة الماضية من التحليق وسط سحاب السماء وهالات المجد والدعاية الصاخبة ليصبح رئيسا حقيقيا وواقعيا على الأرض.. يخطىء ويصيب ويسبق ويتأخر ولا تتحقق كل أحلامه وطموحاته نتيجة الموارد غير الكافية والقيود التى لم تنكسر كلها بعد.. وبدأنا نشهد انتقادات للسيسى ومراجعات لسياساته وحكومته.. فجاءت سخرية الإخوان منه بعد هذا الحادث المجرم ليتجاوز الجميع ويتجاهلوا أى ملاحظات وانتقادات ويلتفوا كلهم حول السيسى من جديد بشكل لم يكن ليتحقق أو يكتمل هكذا إلا بفضل الإخوان وبركة تفكيرهم وظلالهم.. وتلك الفرحة من ناحية ثالثة أسقطت كل دعاوى وصرخات رافضى الجيش والشرطة واللذين نصبوا أنفسهم حماة للحرية فى مصر وحقوق الإنسان وقدسية زائفة لكل وأى جامعة على أرض مصر.. فلم يعد أحد على استعداد للإنصات لمثل هذا الان وهناك دماء مصرية كثيرة سالت على أرض سيناء.. دماء دعت عموم المصريين لأن يعيدوا حساباتهم من جديد وبسرعة ليدركوا من هو عدوهم الأول والحقيقى.. لأن عدوك هو دائما الذى يكره لك الخير والأمان.. يكره أن يراك اّمنا أو ناجحا أو مبتسما أو منتصرا.. يفرح حين تخسر أنت ويحزن لفرحك ويشمت فى ألمك ودموعك ودمك.. وهذه الفرحة من ناحية رابعة أدت الى ألتفاف المصريين حول بلدهم الحزين والموجوع وتجاوز أى خلافات مؤقتة أو دائمة.. زائفة أو حقيقية.. فلم يعد أحد الان يتحدث عن الثورة أو المؤامرة فى يناير.. لم يعد أحد مشغولا بتبرئة مبارك أو إدانته.. فالمصريون لا يقربهم لبعضهم البعض إلا الألم والحزن.
&
وقد كان هذا التاّلف والترابط بعضا مما تحتاج إليه مصر الان وأظن أنه اخر ما كان يتمناه الإخوان أن يحدث.. لكنه حدث.. وحتى إن كان الإخوان ليسوا أصحاب الفعل ومرتكبى هذه الجريمة بشكل مباشر.. فقد قاموا بما هو أهم وأجدى.. وحدوا المصريين ومنحوهم القدرة على تجاوز خلافاتهم والحساسيات المتبادلة بينهم ودعوهم لإغلاق كل الملفات الشائكة وقام الإخوان بدور رائع وعبقرى ليجعلوا المصريين يلتفون بشكل صادق وحقيقى حول رئيسهم وجيشهم ودولتهم.. وفى النهاية لم ينس الإخوان القيام باخر واجب عليهم أو اخر مهمة لهم وهى رسم ابتسامة ولو خافتة على وجوه الكثيرين وسط تلك الأجواء الحزينة.. وفى الحقيقة قام الإخوان برسم تلك الإبتسامة عن طريق عبقرية فكر وتخطيط وأداء لا يملك مثلها غيرهم.. مثل هذا التناقض الكوميدى بين صرخات الإخوان طيلة الأيام الماضية عقب الجريمة بأن هؤلاء العساكر ماتوا فى ليبيا وقام الجيش المصرى بنقلهم سرا وتدبير هذا الإنفجار حتى يدارى وجوده فى ليبيا.. وفى نفس الوقت يصرخ الإخوان بضعف الجيش المصرى وسوء استعداده وأنهم ليسوا على قدر المسئولية لحماية هذا الوطن.. وأنت لا تعرف فقط كيف يمكن أن يموت العساكر فى ليبيا بعلم الجيش المصرى ثم نلوم هذا الجيش الذى سمح للإرهابيين بقتل نفس العساكر فى سيناء.. فالإنسان يعيش مرة واحدة فقط لكنه فى نظر الاخوان ووفق حساباتهم ممكن أن يموت مرتين أو حتى أكثر مثلما جرى بعد فض أعتصام رابعة حيث كان هناك من مات أكثر من ثلاث أو أربع مرات.. ومثلما قالوا بعد جريمة سيناء بأن العساكر المصريين ماتوا فى ليبيا لأن الجيش المصرى فى رأيهم يحارب سرا هناك.. ومات نفس العساكر من جديد فى سيناء لأن رئيس مخابراتنا فاشل ووزير دفاعنا لا ينجح فى حماية رجاله ووطننا.. فالغاية تبرر الوسيلة.. والموت دائما هو أسهل سلاح إخوانى لتبرير أى شىء واتهام أى أحد.. أما السبب الاخر للإبتسامة فكانت رسالة محمد مرسى للأمة كرئيس لمصر.. ولأننا كلنا نعلم أن الرئيس الأسبق محمد مرسى حاليا فى السجن قيد المحاكمة وأنه لا يملك حرية مغادرة محبسه أو حتى البقاء فيه فقد كان جميلا أن يقسم مرسى وهو يعد الجميع بأنه لن يغادر السجن إلا بعد أن يخرج منه كل المعتقلين والسجناء.. وأنا هنا لا أسخر من محمد مرسى ولا أحب أن أسخر من أى أحد وبالتحديد الذين يعيشون أوقاتا صعبة وفى محنة لا يستطيعون معها أى رد أو دفاع عن أنفسهم.. لكننى فقط أسخر ممن كتب تلك الرسالة باسم الرئيس الأسبق وبالنيابة عنه وكالعادة خانه الذكاء فى انتقاء ألفاظة وتعبيراته.

وأسخر من قناة الجزيرة أيضا التى بدأت تعليقها على كلمة محمد مرسى بالإشادة برجل يرفض الخروج من السجن حتى يخرج كل السجناء.. وكان تحليل الجزيرة لهذا الرفض محيرا ومربكا جدا إذ أنها المرة الأولى التى نجد فيها متهما بالتخابر والعمالة والقتل تتوسل إليه الدولة التى تحاكمه وتضغط عليه ليفتح باب السجن ويخرج للنور لكنه هو الذى فى إباء وشمم يرفض الإستجابة لتلك المطالب والضغوط مشترطا خروج كل السجناء أولا.
&
وفى الحقيقة.. قام الإخوان بكل ما كان مطلوبا منهم وأكثر.. أدت الجماعة ما عليها بمنتهى الإخلاص والإحتهاد والتفانى والصدق.. ومن البجاحة أن نطالب الإخوان أو نطلب منهم ما هو أكثر من ذلك.. لكن المطلوب من الرئيس السيسى.. وهو كثير أيضا.. ونحن نتمنى نجاح الرئيس فى القيام بواجبه بنفس قدر نجاح الإخوان فى كل مهامهم حتى الان.. ولن أكون أحد جنرالات البيوت والمقاهى والشاشات والمكاتب الذين على استعداد دائم لتقديم مشورتهم ونصائحهم المجانية للجميع أيا كان مجال الحديث عسكريا أو سياسيا أو إقتصاديا أو علميا أو فنيا.. وبالتالى لن أقول للرئيس ما يتعين عليه القيام به فى سيناء ضد كل هؤلاء المتطرفين والإرهابيين وأعداء الوطن.. فهذا يفوق قدرتى وإختصاصى ومعلوماتى أيضا.. لكننى أستطيع أن أطلب من الرئيس أن يبقى قويا وحازما وعنيفا أيضا.. ولا أعرف هل يجوز لى أن أهدى الرئيس بضعة كتب ومذكرات لقادة كبار مثل تشرشل وروزفلت وأيزنهاور ومارجريت ثاتشر والتى يمكن تلخيصها كلها فى أن الشعوب قد تغفر لرؤسائها أخطائهم لكنها أبدا لن تغفر لهم ضعفهم.. ولكل رئيس من هؤلاء كانت معركته الكبرى من أجل وطنه.. وأطالب الرئيس أيضا بأن يعيد النظر فى انتقاء الرجال حوله.. وألا يسمح بالإقتراب من عقله وقراراته أولئك الذين ل يعيشون فى الماضى ولا تشغلهم إلا حسابات قديمة من نوع هل نجح عبد الناصر أم أخفق وهل كان ناصر أفضل أم السادات وهل كان ما جرى فى يوليو 52 أو يوليو 2013 ثورة أم أنقلابا وهل كان يناير ثورة أم مؤامرة وكل هذا الجدل واللغو الأجوف الذى لا ينظر أبدا للأمام ولا يبنى أو يضيف أى شىء جديد للوطن والناس فى مصر.. أطالب السيسى أيضا بألا يلتقى بالإعلاميين كثيراوألا يلتفت إليهم كثيرا وألا يتخذ أى إعلامى مستشارا مهما كان صادقا أو مخلصا.. فلابد فى أوقات إعادة ترتيب الوطن أن تكون هناك أيضا فرصة لإعادة توضيح المهام والأدوار.. فيبقى الرئيس رئيسا فقط ويبقى رجل الأعمال رجل اعمال فقط والإعلامى إعلاميا والقاضى قاضيا ورجل الجيش يبقى ضابطا لا محللا ويبقى رجل الأمن يهتم فقط بالأمن وليس الإقتصاد وعلم النفس وعلم الإجتماع.. وأتمنى ألا يدع الرئيس فى كل الأوقات المقبلة أحدا يتحدث باسمه أو بالنيابة عنه.. خاصة أولئك الحالمين بمقاعد البرلمان أو سطوة المناصب ووجاهة النفوذ والذين فى السوق لهم حسابات ومصالح ليس من الضرورى أن يحشروا وسطها اسم الرئيس وصورته.. أتمنى أيضا أن يغلق الرئيس أبوابه قليلا فى وجه كل العواجيز ويفتحها أمام شباب كثيرين فى كل مجالات الحياة.. وأن يجيد اختيار من يتحدث معهم فى العلم لأنهم علماء ومن يتحدث معهم فى الإقتصاد لأنهم رجال مال واقتصاد ومن يحدث معهم فى السياسة لأنهم يدركون ويتابعون ما يجرى فى العالم حولهم.. أما هذه الوجوه القديمة مع كامل التقدير والإحترام لها فقد ان موعد انصرافها وراحتها وغيابها أيضا.
&