لا أجد تفسيرا منطقيا لموقف الحكومة العراقية من دخول قوات البيشمركة الكردية الى مدينة كوباني الكردية بسوريا لمساعدة المقاتلين همناك الرابضين والصامدين بخنادق المواجهة ضد تنظيمم داعش الارهابي الذي يحتل حاليا ثلث مساحات العراق ويهدد العاصمة العراقية بالإحتلال.

&فالموقف الرافض الذي جاء على لسان أكثر من مسؤول بالدولة العراقية لايستقيم مع حجم التهديدات التي يشكلها داعش على العراق وعلى مجمل الوضع العراقي المستقبلي، فلو تمكن داعش من تحقيق النصر بكوباني التي تحولت الى رمز للصمود والبسالة الأهلية بمواجهة أخطر تنظيم إرهابي عجزت الحكومة العراقبة بجيشها المليوني من وقف تقدمها نحو المدن العراقية وإحتلالها، فإن خطر التوسع الداعشي في عموم دول المنطقة وبالأخص إمتداد أذرعها على كامل الأرض العراقية سيتضاعف، لأن العراق هو الأقرب الى ميدان المواجهة، فهذا التنظيم الذي يواجه مقاومة شرسة من السكان والمقاتلين الكرد بمدينة كوباني إذا إنفتحت أمامه الحدود التركية بإحتلالها لتلك المدينة فإن المعركة ستكون قد حسمت لصالحه، وسيكون من الصعب جدا على دول العالم وبخاصة العراق وقف تقدمه نحو إحتلال المزيد من الأراضي العراقية.

إن ما يحدث اليوم بكوباني الصامدة هي حرب يخوضها الشعب الكردي بالنيابة عن العالم، فمما لاشك فيه أن داعش ركز كل جهوده بالمرحلة الحالية لإسقاط هذه المدينة لكي يضمن له طريق وصول الإمدادات البشرية والمادية عبر الأراضي التركية، ومن مجمل ساحات المواجهة الحالية بين داعش والقوات المناهضة له في المنطقة فإن جبهة كوباني هي الأكثر إشتعالا، وعليه فإن النصر الذي سيتحقق هناك سيحسم نتائج الحرب برمتها، فإذا سقطت كوباني فلا حدود ستبقى أمام داعش للتوسع الأفقي جنوبا وغربا وشرقا، أما إذا حقق الكرد الإنتصار هناك فلن تقوم لهذا التنظيم قائمة مرة أخرى، لذلك فإن معركة كوباني هي مصيرية بكل المقاييس ويفترض بكل دول العالم أن تهب لمساعدة المقاتلين والسكان المحليين هناك لتحقيق النصر ضد داعش.

وقد تكون المساعدات الأميركية من قصف الطائرات ثم تقديم المعونات العسكرية وأخيرا ممارسة ضغط هائل على تركيا للسماح لقوات البيشمركة بالتدفق على كوباني هدفا إستراتيجيا في إطار المواجهة مع تنظيم داعش، ففي الوقت الذي تتعذر على الولايات المتحدة المشاركة الفعلية بالحرب ضد هذا التنظيم الإرهابي عبر زج القوات البرية التي هي وحدها القادرة على حسم المعارك على الأرض، فإن المقاتلين الكرد من عناصر حزب الإتحاد الديمقراطي والعمال الكردستاني والبيشمركة ينوبون عن تلك القوات بمعركة الدفاع عن أنفسهم وعن تراب أرضهم أولا، ثم نيابة عن المجتمع الدولي الذي يواجه خطرا كبيرا من قبل داعش، ولذلك فإن المعركة التي تخوضها قوات البيشمركة والقوات الأخرى تكتسب شرعيتها الدولية بالإضافة الى شرعيتها القانونية والدستورية التي تحتم عليه الدفاع عن سيادة الأرض.

والحكومة العراقية التي عجزت في عدة منازلات سابقة عن دحر داعش يفترض أن تقدم كل مساعدة ممكنة لقوات البيشمركة في معركتها الحالية ضد داعش، لا أن تعرقل وصول قوات البيشمركة الى كوباني أو الى أية مدينة أخرى تتعرض لعدوان داعش، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو، لماذا سمحت الحكومة العراقية في السنوات االسابقة لقوات من الميليشيات الشيعية بعبور أراضي العراق نحو سوريا تحت ذريعة حماية المراقد المقدسة الشيعية هناك، وترقض اليوم إرسال قوات البيشمركة لحماية االسكان المدنيين من مذابح قد لا تختلف عن مذابح الأنفال والقصف الكيمياوي لمدينة حلبجة، فتنظيم داعش قد أظهر وجهه الحقيقي والبشع ونقل للعالم كله عبر شرائط الفيديو جرائمه المنكرة بذبح الناس واعدامهم في الشوارع، وصور مئات القتلى وجثثهم تصطف في الشوارع وغالبيتهم من الشيعة التي يحكمون اليوم العراق تكفي لإظهار حقيقة وحشية هذا التنظيم الارهابي، كما أن هناك دلائل تشير الى قيام هذا التنظيم الإرهابي بإستخدام الغازات الكيمياوية في معركة كوباني، وهذا يؤكد بأنه سوف لن يتردد للحظة من إعادة إرتكاب جريمة أنفال أخرى أو القصف الكيمياوي للمدينة مثلما فعل نظام صدام حسين.

إن الحكومة العراقية عندما سمحت لقوات الميلشيات الشيعية بدخول الأراضي السورية إنما كان الهدف منه هو نجدة النظام الدكتاتوري الأسدي الحاكم في سوريا الذي قتل مئات الآلاف من شعبه للحفاظ على كرسيه وترك أراضي بلده معبرا لقوى إرهابية نحو العراق، وبذلك فإن هذا النظام الدموي يتحمل جزءا كبيرا من مسؤولية الدماء العراقية الغزيرة التي سالت منذ سقوط النظام البعثي بالعراق عام 2003، ولكن قيادة كردستان عندما ترسل قوات البيشمركة الى مدينة كردية سورية إنما الهدف منه هو حماية السكان المدنيين من المذابح وهذا بحد ذاته قضية عادلة يحارب من أجلها البيشمركة.

والأهم من كل ذلك أن هناك إجماعا دوليا على محاربة داعش إينما وجد، وأن العالم برمته يدعم جهود مكافحة هذا التنظيم، ومن الغريب أن الحكومة العراقية التي يفترض أن تنضم الى الجهود الدولية للقضاء على داعش بإعتبار العراق الأكثر تضررا من وجود هذا التنظيم الإرهابي على أرضه، لكن حكومته تعترض على إرسال القوات لمحاربته.

ثم أن أي إضعاف للقوة العسكرية لتنظيم داعش الإرهابي من شأنه أن يخدم العراق من الوجهة العسكرية، لأن الحرب التي تجري في كوباني منذ أكثر من شهر تستنزف طاقات هائلة من قوات داعش، حيث أن هذا التنظيم زج بالكثير من قواته بهذه المعركة وسحب المئات من مقاتليه في جبهات داخل العراق ليزجهم بمعركة كوباني، ويفترض أن تستغل الحكومة العراقية هذا الضعف الحالي بصفوف داعش للإنقضاض على المواقع والمدن التي يحتلها داعش، وأن تنسق عملياتها مع قوات البيشمركة ومع مقاتلي الإتحاد الديمقراطي والعمال الكردستناني وتشكل قيادة مشتركة من جميع هذه الأطراف لخوض معركة حاسمة وإشعال جميع الجبهات لتشتيت صفوف داعش وإلحاق الهزيمة به داخل العراق وخارجه، لا أن يعترض على إرسال مجرد 200 عنصر من البيشمركة وافقت تركيا واميركا على ارسالهم هناك لمساندة القوات المحلية.

ثم أن البرلمان الكردستاني هو الذي أجاز لقوات البيشمركة بدخول كوباني، فلماذا لا يحترم قرار البرلمان الذي يمثل الشعب، بقدر إحترام قرارات البرلمان التركي التي كانت تفوض الجيش التركي بدخول أراضي العراق طوال أكثر من عشرين سنة الماضية..

القوات تحركت بأمر من البرلمان الكردستاني الذي أكسبه شرعية قانونية، ولكن الميليشيات الشيعية التي دخلت الى سوريا في السنوات السابقة لنجدة نظام الأسد لم يصدر بشأنها أي قرار من البرلمان العراقي، حتى الموقف العراقي المساند للنظام السوري أثناء ثورة الشعب هناك لم يحظ بموافقة البرلمان العراقي، فلماذا الحديث اليوم عن قانونية ودستورية قرار السماح للبيشمركة بدخول مدينة كوباني؟.

أعتقد بأن الأمر لايخلو من عين الحسد والخوف من تعاظم دور البيشمركة بالمستقبل، وإلا فإن موقف الحكومة العراقية لايمكن تفسيره إلا في إطار دعمها للنظام السوري من جهة وإبقاء المذابح في العراق الى أمد غير مسمى لإشغاله عن مهمات التنمية والنهوض والإعمار بإبقاء داعش والإرهاب سيفا مسلطا على رقاب العراقيين.

&