أعتقد ان الكثيرين ممن استبشر بانطلاق ثورات الربيع العربي عام 2011، يعبرون اليوم عن سرورهم لفشل هذه الثورات وعودة الأمور الى ما كانت عليه قبل اندلاعها، ولكن يا ترى هل فشلت الثورات وذهبت وذهب معها الربيع العربي الى حيث لا رجعة، واذا كانت فشلت فمن وراء هذا الفشل؟

قبل كل شيء فمن حق الذين استبشروا باندلاع الربيع العربي أن يفرحوا بانتهائه، لأن البديل الذي حل محل الحكومات التي اسقطها الربيع كان في بعضها الفوضى العارمة وعدم حدوث تغيير على أكثر من صعيد، اضف الى ذلك فان الاهداف التي تظاهر من أجلها الناس وقدموا التضحيات الجسام &لم تتحقق كلها، ومع ذلك ينبغي الفصل بين أمرين، هما أن ينتفض الناس ضد الواقع الذي يعتقدون أنه سيء وفاسد شيء، وبين أن لا تحقق هذه الانتفاضة أهدافها بل تنتهي الى أهداف معاكسة شيء آخر.

الحقيقة انه لا ينبغي لأي انسان أن يرضى بواقع فاسد وسيء، بل يجب عليه أن يسعى لتغييره نحو الأحسن خاصة اذا كانت هناك ظروف ملائمة للتغيير، وبالتالي اذا تطلع الانسان نحو الأفضل فلا يعد ذلك شذوذا، غير انه ينبغي ملاحظة ما اذا كان الواقع تتوفر فيه امكانيات التغيير نحو الأحسن، وما اذا كان القائمون على الواقع صادقون ونزيهون في السعي نحو التغيير، من هنا فلربما انتهى الربيع العربي ورحل من دون رجعة كتسمية، ولكن كمبدأ عام وهو الانتفاضة ضد الواقع السيء فانه سيبقى ما بقيت الشعوب.

أما فيما يتعلق بانتكاسة ثورات الربيع العربي، فلا يمكن القول ان كل الثورات انتكست &بل ان بعضها أحدث صدمة وتغييرا وان لم يكن شاملا وواسعا، فقد أعيد كتابة الدستور في بعض البلدان كما أجريت انتخابات حرة ونزيهة في أخرى، ولكن لا يمكن القول انه وقع تغيير جذري.

أسباب عديدة وراء فشل الثورات العربية في تحقيق كل أهدافها، في مقدمة هذه الأسباب أداء الذين تولوا السلطة بعد سقوط الحكومات وبالتحديد تيار الاخوان المسلمين الذي ظهر في كل دولة باسم يختلف عن اسم دولة أخرى كحركة الاصلاح في اليمن أو حركة النهضة في تونس وهكذا.
وهناك عدة حقائق في هذا الاطار لا ينبغي تجاهلها، وهي:
أولا: ان كل ثورات الربيع، لم يشعل الاخوان شرارتها الأولى، بل انقدحت شرارتها نتيجة احتجاجات فردية أو اتفاق بين مجموعة من الاصدقاء على شبكات التواصل الاجتماعي على التجمع والتظاهر.
ثانيا: الاخوان امتطوا الموجة، بينما كان لبعض قيادات الاخوان في مصر على سبيل المثال مواقف وتصريحات معادية للثورة.
ثالثا: قوى الاخوان في عدة بلدان هادنوا في فترات زمنية أنظمتهم الحاكمة.
رابعا: لم تكن العلاقة بين الانظمة الحاكمة والاخوان على وتيرة واحدة، فأحيانا يصل التوتر بين الطرفين الى ذروته وأحيانا يسود الهدوء بينهما.
خامسا: ظلت أغلب أحزاب الأخوان محافظة على اعتدالها ولم تلجأ للعنف والسلاح رغم التنكيل والقمع الشديد الذي مارسته الأنظمة ضدها.
سادسا: بقيت أغلب أحزاب الاخوان تمارس دور التوعوية الدينية والثقافية ولم تؤثر الظروف المتغيرة على هذا النشاط.
سابعا: كان لنشاط الاخوان تأثير مباشر في ظهور الاسلام السياسي في العديد من البلدان.
من خلال مجمل هذه الحقائق يمكننا القول ان وجود الاخوان كان نعمة على الربيع العربي، فعلى الرغم من مواقف بعض قياداتهم ضد التظاهرات الشعبية وعلى الرغم من مهادناتهم للحكومات غير ان امتطاءهم للثورة وركوبهم موجتها ساهم بشكل مباشر في سقوط بعض الحكومات.
اذن يا ترى أين المشكلة؟
كما قلت هناك أسباب متعددة في انتكاسة الثورات وليس من المقبول القاء اللوم كله على الاخوان غير ان احد الأسباب الرئيسية في ذلك هو تحالفات الحكام الجدد، وخاصة تحالفاتهم مع الجماعات المتطرفة، وهذه التحالفات هي التي فتحت باب الفوضى والعنف والقتل على مصراعيه، وربما تحالف الاخوان مع المتطرفين قضية ليست غريبة، نظرا للتقارب الفكري بين الطرفين، بينما الغريب تحالف الاخوان مع العلمانيين، كما هو حال أخوان الكويت.

أقول وبضرس قاطع ان تحالفات الأخوان مع الجماعات المتطرفة أو غض طرفهم عنها كان السبب الرئيسي في ظهور جماعات قطع الرؤوس وسبي النساء وفرض الجزية على الاقليات بما فيهم "داعش"، ومع أن أكثر من طرف كان يود الاطاحة بالاسلام السياسي الا ان هذه الاطراف اتخذت من استقواء شوكة الجماعات المتطرفة في عهد حكم الاسلاميين مبررا مقنعا للاطاحة بهم.

ربما تستنكر القوى الاخوانية اليوم ظهور المتطرفين وممارساتهم اللاانسانية، بل ربما تقاتلهم كما يحدث في سوريا ولكن مواقفهم هذه جاءت في الوقت الضائع.
قطع الرؤوس وبتر الاعضاء وسبي النساء وفرض الجزية والاغتصاب والسلب والنهب والاختطاف و..و.. الذي تمارسه الجماعات المتطرفة لم يعد خطا أحمر لدى المجتمع الدولي وحسب وانما خطا أحمرا حتى لدى مجتمعاتنا المسلمة، ولعل تجربة الانتخابات التونسية ابرز دليل على ذلك فكان من المفترض أن تحقق حركة النهضة فوزا كاسحا في الانتخابات ولكن ظهور المتطرفين خلال الفترة الماضية شوه صورة النهضة لدى التونسيين على الرغم من أن النهضة حاربت جماعات قطع الرؤوس.

ربما تتبرأ القوى الاخوانية من الجماعات المتطرفة، ولكننا حتى اليوم نسمع مصطلحات الشحن الطائفي على السنة بعض سياسيي الاخوان، والشحن الطائفي احد أسباب ظهور الجماعات المتطرفة، ولا ننسى أن المجزرة البشعة التي ارتكبها بعض المشحونين طائفيا ضد الشيخ حسن شحاتة في قرية أبو مسلم بالجيزة وقعت بعد الشحن الطائفي الذي ظهر خلال حكم مرسي خاصة وانه أطلق بعض التصريحات الطائفية خلال حكمه ومن بينها تصريحاته في قمة عدم الانحياز في طهران والتي علق عليها أحد المتطرفين عندما قال ان مرسي غزى الشيعة في عقر دارهم.
&