مشاكل اللاجئين و تحديات الأردن
تدخل الأزمة أو الثورة أو الربيع السوري بعد أسابيع قليلة عامها الرابع، حيث انطلق هذا الحراك سلميا في الحادي عشر من مارس 2011 من مدينة درعا السورية المحاذية للحدود الأردنية، مطالبا بالحرية والديمقراطية والخلاص من حكم نظام عائلي طائفي قمعي يخنق الشعب السوري ويسرق ثرواته منذ عام 1970 ، عام الانقلاب العسكري للأسد الأب الذي استمر حتى عام 1999 ثم تمّ توريث ابنه "بشار" بعد تغيير الدستور السوري ، اللا دستور أساسا ليكون على مقاس الوريث الإبن المستمر في السيطرة والتسلط إلى اليوم لتكون هذه الأسرة متمسكة بالحكم والقمع منذ 45 عاما وهي أطول فترة حكم رئاسي في تاريخ الأقطار العربية والعالم أجمع. لذلك لم ينطلق الحراك الشعبي السوري من فراغ بل من واقع أليم يمكن تلخيصه بأنّ الفروع الأمنية المتسلطة في سوريا كان وما يزال من الصعب إحصاؤها، ويكفي التذكير بمذبحة مدينة حماة عام 1981 التي ارتكبتها قوات سرايا الدفاع بقيادة رفعت الأسد حيث قتل ما لا يقل عن خمسة وثلاثين ألفا من المواطنين السوريين تحت ذريعة أنّهم من جماعة الإخوان المسلمين، وأيضا ألاف المفقودين في السجون من مختلف الجنسيات العربية خاصة الفلسطينية والأردنية واللبنانية. لقد بدأ الحراك الشعبي السوري من مدينة درعا سلميا، ولكنّ رفض النظام القمعي الإستجابة لأي من طلبات ورغبات هذا الحراك ومواجهته بالسلاح والدبابات والطائرات حولّه إلى مواجهة عسكرية، وصلت دموية النظام إلى استعمال السلاح الكيماوي وابتكار جديد في الحروب هو "البراميل المتفجرة" مما أنتج خلال السنوات الثلاثة الماضية حسب أغلب الإحصائيات قرابة: خمسة ملايين لاجىء سوريا، منهم مليونين إلا ربع في الأردن بالإضافة لما لا يقل عن ربع مليون قتيل.
واقع هؤلاء اللاجئين في الأردن
من المهم الإنتباه في البداية إلى أنّ الأردن الذي يعرف امكانياته الإقتصادية وموارده المحدودة وميزانيته التي تواجه عجزا شبه دائم، قد فتح حدوده منذ اليوم الأول لدخول واستقبال هؤلاء اللاجئين السوريين الهاربين من القمع والقتل والقصف بكافة أنواع الأسلحة، وهو موقف أردني نابع من ترابط تاريخي بين الشعبين ليس بسبب الحدود المشتركة فقط بل التداخل العائلي والعشائري خاصة بين شمال الأردن و جنوب سوريا (محافظة درعا ) وجوارها، وإلا كان بإمكان الأردن منذ البداية إغلاق حدوده مع سوريا ومنع وصول أعداد اللاجئين السوريين هذا العدد (مليونين إلا ربعا ) اليوم. وهذا الموقف الإنساني ليس جديدا على ممارسات الأردن فالكل يعرف ويتذكر كيف استضاف الأردن في ثمانينات القرن الماضي في زمن الراحل الملك حسين العشرات من قيادات الإخوان المسلمين السوريين الهاربين من قمع وسجون حافظ الأسد خاصة بعد مذبحة حماة الشهيرة.
&تعيش غالبية اللاجئين السوريين في العديد من مخيمات اللجوء في مناطق متفرقة في الجانب الأردني التي اشتهر منها "مخيم الزعتري" في شمال الأردن حيث تعيش نسبة عالية من لاجئي المخيمات. هؤلاء اللاجئون يعيشون في الغالب على مساعدات وكالة الغوث الدولية (الأونروا) التي توفّر لهم بإشراف الحكومة الأردنية ومؤسساتها الحد الأدنى من متطلبات الحياة اليومية، إذ أنّ توفير هذه المتطلبات لهذا العدد من الاجئين ليس سهلا على دولة عظمى وليس وكالة الغوث والحكومة الأردنية. لذلك فإنّ واقع هؤلاء اللاجئين رغم مساعدات وكالة الغوث ليس مريحا، لذلك يتمنى غالبية هؤلاء اللاجئين استقرار الأمن في وطنهم كي يعودوا رغم المجهول حول بيوتهم وأملاكهم التي تركوها منذ ثلاثة سنوات، وتشير
بعض المعلومات أنّه في الثلاثة شهور الماضية عاد حوالي سبعين ألفا من هولاء اللاجئين خاصة أنّ غالبية الحدود السورية مع الأردن وما فيها من معابر نحو الوطن سوريا تقع تحت سيطرة الجيش السوري الحر وفصائل المعارضة، وبالتالي عودتهم لوطنهم سوريا لا يحمل مخاطر التعرض لقمع أجهزة النظام.
الأعباء الواقعة على الجانب الأردني
النظرة والدراسة الموضوعية والمعايشة الميدانية لواقع اللاجئين السوريين في الأردن يمكنها بسهولة رصد التحديات والأعباء التي يفرضها هذا العدد الهائل من اللاجئين على المجتمع الأردني الذي يعيش أساسا صعوبات وتحديات اقتصادية كبيرة بسبب العجز شبه الدائم في الميزانية وقلة الموارد الطبيعية التي تجعل مشكلة الكهرباء والماء والنفط والغاز شبه دائمة، هذا بالإضافة لموجات جديدة من هجرة العراقيين نتيجة العنف المستمر في بلادهم.& وبالتالي يمكننا استيعاب هذه الأعباء من خلال الأسئلة التالية:
1 . كيف و من يستطيع تأمين العلاج والرعاية الطبية لمليونين إلا ربع من اللاجئين السوريين؟
2 . أية مستوصفات ومستشفيات طبية تستطيع استقبال مرضى هذا العدد الهائل؟
3 . أية رياض أطفال ومدارس وجامعات تستطيع استيعاب أطفال وطلاب وطالبات هذا العدد الهائل؟
4 .كيف يمكن تأمين الماء والكهرباء لهذا العدد عند تذكر أنّ المواطن الأردني قبل دخول هذا العدد من أشقائه اللاجئين السوريين، كان يعاني من شحة الماء وارتفاع فاتورة الغاز والكهرباء؟
و يمكن تخيل هذه الصعوبات والأعباء على الجانب الأردني من خلال تذكر الأرقام التالية:
لو افترضنا أنّ كل لاجىء سوري يحتاج يوميا ثلاثة أرغفة من الخبز، هذا يعني أنّ الواقع الأردني يتطلب منّه توفير حوالي خمسة ملايين رغيف خبز يوميا. ونفس الرقم نتيجة السؤال عن كم ليتر ماء، و وات كهرباء يحتاج كل لاجىء سوري يوميا. فأية دولة تستطيع توفير هذه المتطلبات التي يحتاجها هذا العدد من اللاجئين السوريين الذين أرغمتهم ظروف قاسية على مغادرة وطنهم، فلولا القتل والسجون والبراميل المتفجرة من نظام قاتل ما غادر واحد منهم ربوع الشام التي يحنّ العرب لزيارتها والتمتع بطبيعتها الخلابة.
الأعباء الأمنية والإجتماعية على الأردن
وهذه أعباء هائلة لا تستطيعها إلا قوى عظمى، لأنّ هذا العدد الهائل من اللاجئين السوريين مضافا لهم الافا أخرى من اللاجئين العراقيين يحمّل قوى الأمن الأردنية أعباءا هائلة كي لا يتم اختراق هذه الألاف من قوى إرهابية أو تابعة للنظام كخلايا نائمة تسعى لزعزعة الأمن الداخلي الأردني، وهذه رغبة واضحة للنظام السوري الذي يعتبر أية قلاقل واضطرابات داخلية في دول الجوار تخدم بقاءه وطرق مواجهته لقوى الثورة السورية. وفي الجانب الشعبي الأردني أدت هذه الملايين من اللاجئين إلى إحداث خلل في مجال الوظيفة والعمل الأردني مما أحدث تذمرا واضحا من غالبية نسيج المجتمع الأردني، حيث أحدثت حالات اللجوء هذه منافسة غير عادلة في سوق العمل الأردني الذي يعاني أساسا من نسبة في البطالة وعجزا في الميزانية خاصة إذا تذكرنا أن حجم المساعدات الدولية للأردن لا ترقى إلى تغطية الحد الأدنى من احتياجات هولاء اللاجئين، وسوف تزداد المشكلة والمعاناة مع حلول الشتاء حيث البرد القارص والأمطار الغزيرة، مما سيجعل مخيمات هؤلاء اللاجئين في خطر محدق في غالبية مجالات حياتهم، خاصة بعد قرارات وكالة الغوث الدولية تخفيض البطاقات التموينية الممنوحة لهؤلاء اللاجئين بنسبة خمسين في المائة، ونفس نسبة التخفيض تمت في مجال العلاج في المستشفيات الحكومية الأردنية، وهذا القراران من شأنهما تحميل الحكومة والمجتمع الأردني أعباءا هائلة من الصعب تحملها على دول اقوى اقتصادا وميزانية وبنية تحتية، كما لاأنّها ستجعل حياة مئات ألاف من اللاجئين السوريين جحيما حقيقيا. وسوف تزداد معاناة هؤلاء اللاجئين و أعباء الحكومة الأردنية بعد قرار "برنامج الغذاء العالمي" وقف أعماله في أوساط هؤلاء اللاجئين و وقف صرف بطاقاته التموينية لهم بسبب العجز المالي الذي يعانيه البرنامج.
هل هم لاجئون في الأردن إلى الأبد؟
تسعى و تتمنى بعض القوى الدولية أو ترى من منظورها التحليلي لواقع الحرب السورية أنّ هؤلاء اللاجئين السوريين في الأردن هم لاجئون إلى الأبد، ويستدلّون على ذلك بواقع اللجوء الفلسطيني الذي حصل عام 1948& رغم أنّ المقارنة ليست صحيحة، فلم يحصل عام 1948 لجوءا فلسطينيا إلى المملكة الأردنية الهاشمية، ولكن بعد قيام دولة إسرائيل بقيت الضفة الغربية تحت الإدارة الأردنية إلى أن إتخذ الفلسطينيون في الأول من ديسمبر عام 1949 فيما عرف ب "مؤتمر أريحا" قرارا يدعو إلى وحدة الضفة الغربية مع المملكة الأردنية الهاشمية برئاسة الملك المؤسس عبد الله بن الحسين، ثم صادقت الحكومة الأردنية ومجلس الأمة الأردني على القرار الفلسطيني، وفي الحادي عشر من أبريل عام 1950 جرت انتخابات عامة شملت ضفتي المملكة تبعها الإعلان الرسمي عن توحيد الضفة الغربية مع المملكة الأردنية الهاشمية في نيسان 1950، مما نتج عنه حمل كافة سكان الضفة الغربية للجنسية الأردنية . واستمرت هذه الدولة الموحدة بضفتيها عضوا في الجامعة العربية والجمعية العامة للأمم المتحدة إلى يونيو 1967 عام احتلال الضفة الغربية من قبل دولة الإحتلال الإسرائيلي، ولم تعترف المملكة الأردنية الهاشمية بهذا الإحتلال، فظلّ كافة سكان الضفة الغربية يحملون جنسيتهم الأردنية ويتنقلون من الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية بدون أية قيود كمواطنين أردنيين، إلى أن أصدر الراحل الملك حسين عام 1988 قرار فك الإرتباط مع الضفة الغربية، بناءا على طلب منظمة التحرير الفلسطينية على اعتبار أنّ هذا القرار يعزّز الكيانية الفلسطينية وصولا لدولة فلسطينية مستقلة.
&لذلك استنادا لهذه الحقائق التاريخية لا يمكن مقارنة اللجوء السوري الإضطراري للمملكة الأردنية بواقع الإرتباط الفلسطيني بالمملكة كما أوضحته الحقائق السابقة. من هنا يمكن التأكيد أيا كانت رغبة بعض الأطراف الدولية اعتبار اللجوء السوري إلى الأردن لجوءا أبديا، فإنّ الأردن والشعب الأردني يرفض ذلك لأنّ هذا اللجوء المتزايد يوميا من شأنه ايجاد واقع ديمغرافي ليس باستطاعة الأردن أو مصلحته تحمله والقبول به، كما أنّ غالبية استطلاعات الرأي بين اللاجئين السوريين تؤكد رغبتهم المطلقة بالعودة لوطنهم فور حصول الأمن والإستقرار ، وتوجد ألاف منهم كما ذكرّت سابقا عادوا إلى وطنهم رغم استمرار الحرب والقصف بالبراميل المتفجرة، لذلك فحكاية (لاجئون إلى الأبد) مجرد وهم لدى بعض الأطراف التي تريد استمرار معاناة هؤلاء اللاجئين وتزايد الأعباء الإقتصادية والإجتماعية على الأردن.
مشاهدات و شهادات ميدانية
تصادف أكثر من مرة خلال الأيام العشرة التي أمضيتها في الأردن متنقلا في أكثر من مدينة أن تحدثت مع لاجئين سوريين بالصدفة وليس من خلال تخطيط مسبق إذ تصادف أن كانوا جالسين قربي في مطاعم أو مقاهي، وهم يريدون الحديث عن معاناتهم مع أي شخص يفتح أذنيه وقلبه لهم. هؤلاء اللاجئون التي تحدثت معهم بالصدفة كانوا خمسة على مدار يومين، وهم من شرائح مختلفة من نسيج المجتمع السوري، و قد أكّدوا جميعا بصراحة& و وضوح على ثلاثة أمور:
الأول، الشكر الجزيل للحكومة والشعب الأردني على فتح الحدود لهم و استقبالهم وتقديم مساعدات لهم أكثر كلفة من مساعدات وكالات الغوث الدولية ، وهم يقدّرون ذلك عاليا لأنّهم يعرفون أنّ هذه المساعدات أكثر من قدرة الحكومة والمجتمع الأردني، وهي في الغالب تتمّ على حساب مساعدات مماثلة يجب أن تقدّم للمواطن الأردني.
الثاني، تأكيدهم بوضوح وإصرار أنّهم عائدون لوطنهم سوريا فور هدوء الوضع الأمني أو سقوط ورحيل النظام، وأنّهم لن يقبلوا مهما كانت الظروف صعبة أن يبقوا لاجئين بعيدا عن وطنهم. وإن تلكأ المجتمع الدولي في مساعدة قوى الثورة السورية لإسقاط النظام فهم أيضا عائدونلوطنهم سوريا، فالموت هناك في ثقافة وتربية السوري عبر مئات السنين أفضل من حياة الضنك والفقر في مخيمات اللاجئين.
الثالث، لومهم الشديد ونقدهم القاسي لكافة دول العالم خاصة العظمى صاحبة الإمكانيات الإقتصادية الكبيرة على تقصيرها في دعمهم ودعم الحكومة والشعب الأردني الذي يستضيفهم منذ ثلاثة سنوات.
إزاء هذا الواقع يصبح السؤال المركزي الإنساني الملح هو:
ما دور المجتمع العربي والدولي إزاء هذا الواقع؟
هذا الوضع الإنساني الصعب للاجئين السوريين في الأردن خاصة مع دخول فصل الشتاء القاسي يحتّم على المجتمع العربي والدولي الإسراع في دعم كبير للأردن في كافة المجالات الحياتية، خاصة الصحية والمائية والكهربائية التي تحتاج لمبالغ مالية طائلة ليس بإستطاعة الميزانية الأردنية مواجهتها بدون هذا الدعم العربي والدولي. وهذا الدعم ليس من أجل الشقيق اللاجىء السوري بل أيضا من أجل المواطن الأردني الذي يعاني كثيرا من هذا الوضع في نفس الوقت الذي يتألم على الحال الذي فيه شقيقه اللاجىء السوري. إنّ أي مشاهد ميداني لهذا الواقع لا يملك إلا الصراخ أمام المجتمع العربي والدولي: رجاءا تحركوا فبإمكانكم الدعم الذي لن يؤثر على أوضاعكم ولكنّه سينقذ ملايين من اللاجئين السوريين والمواطنين الأردنيين من واقع قاس لا يرضاه أي ضمير إنساني.
الرأي النهائي و النصيحة الواقعية لمسؤولي ملف اللاجئين السوريين عبر العالم:
أرى ضرورة الإقتناع بحقيقة أنّ اللاجئين السوريين في الأردن هم لاجئون مؤقتون ولم يقبلوا باي شكل وفي أية ظروف أن يستقروا في الأردن نهائيا، وهم عائدون لوطنهم سوريا مهما كانت أوضاعه ونتيجة هذه الحرب الدائرة منذ ثلاثة سنوات. وهذا يتطلب إلغاء فكرة ( لاجئون إلى الأبد ) وتوقف بعض مراكز القوى على تغذيتها والعمل من أجل تقويتها وجعلها حقيقة واقعة فهي لن تحصل مهما بذلوا من جهد واتصالات. وفي مقابل ذلك من الضروري دعم الأردن اقتصاديا و ماليا لمواجهة هذه التحديات، لأنّ استقرار الأردن أمنيا واجتماعيا ضرورة لإستقرار كافة دول المنطقة خاصة جيرانها.
&
التعليقات