في العادة لا أبالي بردود فعل أعوان السلطة حول المقالات التي أنشرها، ولا ترهبني تهديداتهم عقب كل مقال يمس ممارسات الأنظمة الدكتاتورية،فقد إعتدت منذ أن بدأت بالكتابة قبل خمسة وأربعين عاما على ردود فعل الطبالين والزمارين وماسحي الأكتاف من أعوان السلطة أو ممن يأكلون من فتات موائد الدكتاتوريين، وقد آليت على نفسي منذ شبابي أن أكون بخندق الشعب ضد الظلم والقمع والفساد والدكتاتورية أينما كان، لذلك شاركت في ثورتي شعبي الكردي الذي ثار ضد الظلم والدكتاتورية.
لكن رسالة طريفة وردتني من أحد أعوان سلطة بارزاني ردا على مقالي السابق المنشور بإيلاف بعنوان" صاحب السمو رئيس حكومة كردستان"، ويبدو أن كاتب الرسالة كان في عجلة من أمره لذلك بدأها من دون سلام ولا تحية ودخل الموضوع مباشرة بتوجيه أقذع الشتائم لي والنيل من عرضي، ثم وصفني بالعميل لبغداد. وأوصاني في رسالته بالعودة الى أحضان الحكومة الدكتاتورية في بغداد،ونعتني بالخائن المؤيد لسلطة القومجية العربية، مع أني وقفت دائما ضد التعصب القومي العروبي وجرائم القومجيين العرب ضد أبناء شعبي وحربهم الضروس للقضاء على وجوده القومي.


المهم أن تلك الرسالة عبرت بشكل بليغ عن معدن ذلك الجيش من المرتزقة والطفيليين الذي تعتمد عليهم الدكتاتورية في كل زمان ومكان،وهم لا يملكون شيئا للدفاع عن أسيادهم بالحجة المنطقية والحوار الحضاري، فبهذه النماذج تدافع الأنظمة الدكتاتورية عن نفسها من دون أية حجة أو منطق، وبمثل هؤلاء يحارب الدكتاتور معارضيه، ولذلك لم أستغرب أبدا عندما قال أعوان الدكتاتور بشار الأسد بأن سوريا تتعرض لمؤامرة كونية، وما قاله الصحاف سابقا من تعرض العراق الى هجمة إمبريالية وصهيونية عالمية، وكاتب الرسالة التي بعثها لي وصف الأمر وكأن السيد مسعود بارزاني يتعرض لحرب عنصرية من عرب بغداد، وإعتبرني أحد أعوان اولئك العروبيين لمجرد أنني كتبت مقالا كشفت فيه بعض السلبيات وأوجه الفساد الذي يضرب بلدي منذ أكثر من 22 عاما.
بالعودة الى مقالي السابق يتبين بوضوح بأنني لم أدع مطلقا الى اللجوء للعنف،وكتبت بأن التغيير الحقيقي يأتي عبر صناديق الإقتراع وليس عبر الثورة والتظاهر، ولا أدري لماذا يضيق صدر السلطة بكردستان حتى تدفع أعوانها الى الرد وإتخاذ هذا الموقف من الكتاب الذين يكشفون سلبيات نظامهم.


الأهم من ذلك أن بعض الزملاء والأصدقاء لا أشك بصدقهم أو نواياهم نصحوني بالتخفيف من كتاباتي ضد النظام الحاكم بإقليم كردستان خوفا على حياتي، وضربوا لي مثلا بما آلت اليه مصائر عدد من كتابنا الشباب مثل سوران مامة حمة وكاوة كرمياني اللذان دفعا حياتهما ثمنا لكشف الحقيقة، ولا أعرف لماذا يجب أن تكون ردود فعل النظام الحاكم بكردستان ويقودها حزب يسمى بالديمقراطي الكردستاني هي القتل أو السجن لصاحب رأي..لماذا لا يواجهون الرأي بالرأي، والحجة بالحجة ، لماذا يستخدمون السلاح لمواجهة الكتاب والمثقفين الذين لا يملكون سوى أقلامهم، وكأني بهم مثل ذلك الدكتاتور الذي قال" عندما أسمع كلمة مثقف أتحسس مسدسي".
ماذا يمنع أن أكون أنا معارضا لنظام حكم الرئيس بارزاني في كردستان؟. هل ستنقلب الدنيا أو ستقوم القيامة الكبرى لو عارض كاتب عنده رأي وأراد أن يعبر عنه من خلال كتاباته، وأنا أعلنها بصراحة بأني معارض لحكم العائلة البارزانية لم ولن أصوت في الإنتخابات لصالحها إذا لم تقوم سلوكها، هل في ذلك جريمة بستحق عليها الكاتب القتل أو الشنق أو السجن؟.. وإذا كان الأمر كذلك فلماذا تنزعج السلطة البارزانية إذا وصفت بالدكتاتورية والقمعية؟.
دائما ما أردد قول الحكيم العربي الذي قال" شر الملوك من خافه بريء"..
لا أنا ولا بقية الكتاب المعارضون يجرمون إذا إنتقدوا فساد السلطة وقمعها،فكما دعوت الى أن يكون التغيير عبر صناديق الإقتراع ومن دون أي عنف أو إراقة الدماء، فلتكن السلطة رشيدة بحوارها العقلاني وبالشفافية وليس التحدث بلغة العنف والسلاح، فصدام لجأ دائما الى الحلول القمعية والى لغة العنف والإنتقام ضد معارضيه بما فيهم الرئيس مسعود بارزاني، فماذا جنى من وراء ذلك غير حبل المشنقة التي لفها حول عنقه معارضوه، أفلا يتذكر أولو الألباب؟.

&